في كتابه الجديد "العندليب والحب" الصادر عن سلسلة الهلال،
يقدم مؤلفه الكاتب طاهر البهي مدير تحرير مجلة حواء، مجموعة من قصص الحب المجهولة
في حياة العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، التي يكشف عنه الغطاء ربما للمرة الأولى
من خلال حوارات حية ومذكرات لمعاصريه انفرد بها المؤلف.
يقول البهي في كتابه عن حليم: قلبه المرهف وتعطشه للحنان وراء هذه
الظاهرة.. لا نبالغ إذا قلنا أن (العندليب) قد عاش عشرات من قصص الحب ! وكلها قصص عاشها
بصدق وإحساس شديد الرومانسية . لقد كان على المستوى الشخصى لديه سحر خاص، وجاذبية
مميزة بخلاف سحر وجاذبية الشهرة والنجومية، هذا السحر أوقع عشرات الفتيات فى حبه
ومنهن نجمات ذائعات الصيت ويحيطهن شلالات من بريق الضوء.
لم يكن (العندليب) قادراً على الحياة بدون حب ، بدون مشاركة بدون لمسة
حنان من امرأة رقيقة،على العكس فإنه كان قادراً على أن يصنع من شلالات الحب
الهادرة طاقة فنية عالية، يبثها إلى الملايين من محبى فنه عبر أرجاء الوطن العربي.
يعترف "البهي" أنه لم ينجح فى أن يحصي كل قصص الحب التى مر
بها العندليب.. ولكنها تبقى كمجرد محاولة ونماذج مختارة ليس إلا..
شقيقة صباح
في مفاجأة للكثيرين يكشف الكتاب عن كواليس قصة حب ترتبط بأغنية
"صدفة" للعندليب اختلطت مع تجربة حب عابرة مع شقيقة المطربة صباح، وقد سأل
المؤلف الكاتب الكبير منير عامر وهو صديق العندليب قائلاً: لا داعى للمراوغة
والزوغان، هل كانت هناك علاقة بينك وبين أخت المطربة صباح (اسمها سعاد ) ؟
قال العندليب: هل يوجد رجل عاقل يمكن أن يضع نفسه بين فكي أنوثة واحدة
من أسرة المطربة صباح؟ قلت (منير) ومن قال أن الحب عاقل؟ قال العندليب: الحب مجنون
صحيح ولكن كل الذى قاله كمال الملاخ كان لمحة إعجاب بواحدة تنتمي إلى أسرة فنية،
وكنت أريد أن أقدمها للسينما، خرجت معها عدة أيام كانت فيها البنت الحلوة الحبوبة،
ثم قلت لها أنها تستطيع أن تعتمد على لتدخل إلى عالم السينما، واتصلت فعلاً
بالمخرج عز الدين ذو الفقار الذى أبدى استعداده لعمل تجربة تصوير لها، وأذكر أنها
حضرت معى مونتاج أغنية " صدفة "، ومضى العندليب يدندن" كان يوم حبك
أجمل صدفة ... يوم ما قابلتك مرة صدفة ... ياللى جمالك أجمل صدفة.
وعندما طلب منير عامر من العندليب أن يصف هذه الفتاة الرقيقة قال العندليب:
أنها من النوع الذى يعجبك، تبدو كأسبانية مدللة تجيد الرقص.
هل كنت سريع التأثر بها ؟
قال العندليب: الذى عاش مثلى يعلم أنه يوجد لحظة على القمة ولحظة أخرى
على سرير المرض، ويصبح التعلق بالحب هو الدليل المبهج الوحيد الذى يقول لى أن
الحياة مازالت مستمرة.
هذا يعنى أن قلبك يصبح كالميدان المزدحم بالحبيبات؟
قال العندليب: صدقنى عندما أقول لك أن المرأة تبدو لك رومانسية
وخيالية، وأنها تحب الحنان، ولكن هناك راداراً حساساً فى أعماقها يحسبها بكل
التفاصيل، فإذا ما تأكدت المرأة أنك لست لها ، أو أنك متردد فى الارتباط بها، فهى
تبحث عن طريقة "تخربشك" بها، وتترك آثار أظافرها على وجهك كعلامة واضحة
على الانتقام
هل تركت (سعاد) شقيقة صباح خربشتها عليك؟
قال حليم: البداية كانت جميلة، وكانت رحلة من رحلات الحنان الذى
يفاجئك فتشكر السماء أنها أهدتك تلك الهدية، وقد قضينا معا ثلاثة أيام في رحلة
خارجية على أساس أن يتعرف كل منا بالآخر، وحضرت معى مونتاج أغنية " صدفة
" وذهل من جمالها نصرى عبد النور مهندس التسجيل، ولم تطرأ فكرة الزواج على
رأسى، ولكنها جاءت على لسانها، فقلت لها أن الزواج ليس كالحب؛ فالحب يهاجم الإنسان
ولكن الزواج يجب أن يفكر فيه الإنسان وقد لا أعجبك كزوج ، وبعدها بدأت هى تتعلق
بمذيع مشهور وكان عمرها (18) عاماً
حكاية ليلى
أما حكاية الآنسة ليلى فهى تستحق أيضاً أن تروى، فقد كان العندليب
يسير أمام محل "هارودز" الشهير – الذى يمتلكه الملياردير المصرى محمد الفايد
– وهناك وقع بصره على فتاة مصرية، وهنا يقسم العندليب أنه لم ير فى حياته عيوناً
بهذا الجمال، لدرجة أنه لم يستطع تحديد لونهما هل هما رماديتان أم زرقاوان ...
فوصفها بأنها عيون ملونة بالبهجة والأسى
وشعر العندليب برغبة صادقة وملحة فى أن يظل ناظره معلقاً بهذه العيون
الساحرة، مدت هي يدها بالسلام وقالت أنها جارته فى عمارة العجوزة (شارع النيل)
وفرح العندليب فرحة غامرة لأن معنى هذا أنه سيراها مرة أخرى
ويقال أن هذه السيدة طلقت من زوجها بسبب غيرته الشديدة عليها وكثرة
ترديدها لاسم عبد الحليم، وكاد العندليب أن يتزوجها بالفعل لولا إصابة هذه السيدة
الفاتنة بفيروس قاتل فى المخ، ولاحظ أصدقاء العندليب أنه أصبح يكثر من زيارة أضرحة
الأولياء للدعاء لمحبوبته.
هدايا العندليب
فى دولة عربية كان على موعد مع قصة حب عاشها العندليب، أو مغامرة حب،
مع سيدة من هذه الدولة ودعاها العندليب بعد إعجاب متبادل لزيارة مصر، جاءت متنكرة
باسم مستعار، وأمضت عدة أيام فى ضيافة القاهرة، كان حليم يشترى لها هدايا عبارة عن
أحزمة نسائية من الذهب الخالص، وبعد رحيلها عن مصر عائدة إلى بلدها ظل العندليب
يذكرها فى أحاديثه الخاصة وفى سهراته بكثير من مشاعر اللهفة والشوق.
الأمريكية الحسناء
خارج حدود الوطن العربى أحب العندليب فتاة أمريكيةتدعى
"دوفى" عندما كان فى رحلة علاج استمرت لأكثر من ستة شهور فى الولايات
المتحدة على نفقة الملك الحسن الثانى ملك المغرب.
عن "دوفى" كتب العندليب فى مذكراته التى نشرتها مجلة
"صباح الخير" بعد رحيله مباشرة: "أغرب ما فى الدنيا هو أن تحس
بالحب من جديد، كأن أحداً يمسح من داخلك كل الآلام ويفتح أمام عيونك نوراً جديداً
وتكاد ترقص من الفرحة، ولكن قلبك لا يترك لك الفرصة، إنه يرق بدلاً منك وتقول
لنفسك ما الذى حدث لى؟ هل أنا طفل صغير
حتى يحدث لي ذلك؟ ولكني أعرف أني تعديت الأربعين وأننى الآن أعيش فى الوهم الجميل،إن
"دوفى" ليست إمرأة عادية، جمالها ليس صارخاً ... ولكنك تحس أنها أمريكية
مختلفة".
فتاة المنيل
كما أحب فتاة جارته فى منطقة بركة الفيل فى منيل الروضة، وكان كعادته
حب برئ من خلال نظرات الشباك ونشأ على دندنة حليم الذى كانت تراه من نافذة مطبخ
شقته، وكانت الفتاة من الجرأة بحيث طلبت منه أن يتقدم لخطبتها إلا أنه اعتذر فى
أدب حتى يؤكد نفسه كفنان أولاً.
فاتنة العجمي
عن فتاة العجمى الشهيرة يذكر لنا الكاتب السيد الشوربجى أنه بعد حفل
الربيع – آخر حفل غنى فيه العندليب – سافر إلى العجمي ليلقى بكل معاناته ومتاعبه
فى رمالها ومياه بحرها ومع دفء العاطفة الجديدة التى ربطته بحبيبته الجديدة – فتاة
العجمي – التى كان حبه لها بمثابة الغريق الذى يتعلق بفرع شجرة ويحاول أن يسبح
معها لبر الأمان.
وعندما قرأ العندليب لفتاة العجمي كلمات مرسى جميل عزيز "
من غير ليه " تسأله الحبيبة: ليه كل الأسى ده يا حليم، فيرد : من غير ليه!
وتبكى فتاة العجمي، فيسألها: ليه بتبكي، تقول بتأثر: يا ريتنى ما كنت عرفتك! أنا
خايفة يا حليم من رحلة العلاج المرة دى، يقول العندليب: بعد ما انتهي من حكاية
النزيف واحقن المرئ، حأعلن قصة حبنا، وبعدها كل اللى إنتى خايفة منه حايبقى وهم
... لأن قصة حبنا حاتكون شافت النور.
سافر العندليب ولكنه (عاد مهزوماً مكسور الوجدان، وعرف بعد رحيل العمر
أنه كان يطارد خيط دخان.
وداعاً يا أجمل قصة حب ... جاءت من أحاسيسك ومشاعرك فاستقرت فى وجدان
كل المصريين.. وكل العرب .. بل كل عشاق الفن والحياة.
شهادة مصطفى أمين
من بين من أشاروا إلى قصص حب العندليب الذين يتوقف عندهم المؤلف طاهر
البهي ، كان الكاتب الكبير مصطفى أمين الذى ننقل عنه هذه السطور من كتابه "شخصيات لا تنسى" يقول مصطفى أمين :
"ذهبت لأسمعه فى سينما ريفولي، جلست فى الصف الثالث وتصادف أن جلست بجوارى
فتاة رائعة الجمال، عيناها واسعتان، جذابتان، وفمها رقيق وشفتاها غليظتان وقوامها
فتان، وكانت تجلس بجوارها بعض قريباتها، وبدأ عبد الحليم يغنى أغنية بتلوموني ليه/
لو شفتم عينيه/ حلوين قد إيه، ولاحظت أن عبد الحليم على المسرح كان يرسل نظراته
وهو يغني إلى الفتاة التى تجلس إلى جانبي، ثم لاحظت أن عيني الفتاة تتكلمان وتردان
عليه، وتناجياه وتناغياه، وتقبلاه وتعانقاه! واستطرد مصطفى أمين قائلاً: لم أر فى
حياتي عينين بكل هذا السحر والجمال، وفهمت أن أغنية "بتلوموني ليه"
موجهة فى كل كلمة إلى هذه الفتاة التى لم أكن أعرف اسمها والتى أصبحت حب عبد
الحليم الكبير.
عن هذه الفتاة قال حليم ذات يوم: "أن وجهها يعطيني الأمان بما
فيه من طيبة وبراءة وجلال، والساعة التى أنفرد فيها بها أشعر أنني أقوى رجل فى
الدنيا.
(مازلنا مع شهادة الكاتب الكبير مصطفى أمين)
الذى يقول أنه بعد هذه القصة جاءت قصة حب النجمة السينمائية – التي أصبحت معروفة –
التى أحبته حباً جارفاً ، مجنوناً فى أوائل الستينات هل يقصد مصطفى أمين النجمة سعاد حسني؟.. مؤكد.
سعاد وميمي
أما المؤرخ الفنى حسن إمام عمر فإنه يذكر هو الآخر أربع قصص حب أخحرى
(!) ، كان من بينها قصة حبه للفنانة سعاد حسنى وللفنانة ميمى فؤاد –وكان لهاتين
القصتين أثر كبير فى حالة عبد الحليم النفسية، ظهر فى كثير من أغنياته الحزينة مثل
" فى يوم من الأيام " و " فى يوم فى شهر فى سنة " وخاصة حبه
للسندريللا سعاد حسني،فهو الحب الكبير فى حياة العندليب الذى تحدثت عنه الصحف
والمجلات ونسجت حوله الكثير من القصص والتعليقات فى منتصف أوائل الستينيات.
وعلى هذا النحو من التشويق والعذوبة تتوالى صفحات هذا الكتاب المشوق.