الخميس 23 يناير 2025

حكايات مع معهــد الأورام

  • 6-4-2017 | 11:45

طباعة

بقلم –  إيمان رسلان

قبل ٤٤ عاماً كنت طفلة صغيرة في السنوات الأولي بالمدرسة ترددت علي معهد السرطان وبشكل يكاد يكون يومياً والسبب هو زيارة أمي الشابة التي كانت ترقد به مريضة ومازالت مشاهد من المكان مثل حجرات المرضي علي النيل والطرقة الواسعة حيث كنت أجري بها أحياناً والعمود الطويل الذي يحمل المحاليل في يد أمي وصراخ المرضى من شدة الألم والمرضي لا تغيب عن ذهني رغم ابتعاد السنوات ووفاة أمي بعد ذلك مصابة بسرطان الثدي وتجنبت طوال هذه السنوات أن أخطو إلي داخل المعهد مرة أخري واتجنب الموضوعات الصحفية عنه إلي أن تم اقتراح عمل كبير عن المعهد وما يحدث به.

 

وفي يوم عيد الأم ٢١ مارس الماضي ويالها من مفارقة كانت الزيارة الأولي لنا في المصور فريق العمل يرأسه رئيس التحرير غالي محمد بنفسه ومعنا مجموعة من الشباب والمصورين، استقبلنا د. محمد لطيف عميد المعهد في مكتبه ومعه فريقه أيضاً من مديري المستشفيات ووكلاء المعهد وأمينه وغيرهم طوال الزيارة الأولي والتي تكررت أكثر من مرة علي مدار الأسابيع الماضية وأنا أحاول أن أتناسي مشهد أمي المريضة التي تقبع إحدي الحجرات التي تطل علي النيل وأن أواصل عملي وأسئلتي بل في بعض الأحيان أثناء الجولة ضبطت نفسي أقف دائماً علي جنب أستمع للحوار حولي وأخيراً حسمت الأمر وقررت أن أزور كل بقعة في المعهد وأن أسأل حتي المرضي بل وجدتني أطلب زيارة حجرات المرضي ذهبت إلي كل الأدوار الستة أو السبعة بمفردي أشاهد وأراقب بعيني ما يحدث بعد ٤٤ عاماً.. ووجدت بعيداً عن العواطف والذكريات، مكان يستحق أن نقول عن أن قبلة المصريين جميعاً من مرضي السرطان بمعني أن المكان الذي يسعي إليه الآلاف من المرضي من أقصي الصعيد الجواني وأصغر كفرد وقرية في مصر إلي حدود الصحراء في الغرب ولم التفت كثيراً لبعض التكسير والطوب لأن المبني الكبير أو المستشفي الضخم الثاني الـ ١٣ دوراً تحت الترميم واقترب علي الانتهاء والاكتمال ليعود صرحاً ثانياً يكمل احتياجات فقراء مصر في تلقي العلاج المجاني.

وقصة المستشفي الجنوبي أو الجديد والذي تم بناؤه في نهاية عهد السادات وتم افتتاحه في عهد مبارك قصة تستحق أن نتوقف عندها للدلالة علي فساد الذaمم وفساد المتابعة والاستلام وغيرها لأن هذا المبني الـ ١٣ دوراً سرعان ما ظهر به المشاكل والمياه الجوفية وتأثرت الأعمدة وظهر الحديد وتآكل وغيره من المشاكل حتي أصبح يهدد حياة المرضي أنفسهم به وتتذكرون أن في هذه العهود الميمونة سقطت عمارات كاملة في مصر وبالفعل تم إغلاق هذا المستشفي في عام ٢٠١٠ بعد ضجة كبيرة في الإعلام خاصة من يهللون لمبارك وزمنه فها هو مستشفى يسقط ولم يمر علي بناءه ٢٠ عاما.

كان من الطبيعي طوال هذه السنوات منذ دختله بعد مرحلة التأسيس قبل ٥٠ عاماً أن يكون المشهد المتكرر أمامي وأنا أعبر منطقة قصر العيني وفم الخليج هو الازدحام الشديد بالمرضي حتي أن الكثير منهم يفترش سلالم المبني من الخارج خاصة في ظل زيادة أعداد المرضي من السرطان في مصر سنويا أنني عرفت أن إحصائيات المعهد تقول إن هناك ما يقرب من ٢٥ ألف مريض جديد سنوياً يزور المعهد.

جولتي أو جولتنا بالمعهد رغم المشاهد الصعبة وأصوات المرضي التي تئن من أوجاع وآلالام المرضي والمئات من الأساتذة والمتخصصين لايجدو حتي الوقت الكافي لشرب كوب قهوة أو شاي وبعضهم يأخذ أكثر من مناوبة في العمل، غرف العمليات في حركة دائمة لا تتوقف، الجزء المجدد بالمعهد وعياداته الخارجية التي تم تحديثها علي أحدث مستوي من النظافة “كان مفاجأة لي بحق خاصة حمامات العيادات وغرف الطوارئ وغرف تلقي الجرعات والتي يأتي إليها المرضي طبقاً لبروتكول العلاج.

كذلك مازالت هناك الأجزاء القديمة بالمعهد تحتاج إلي التجديد من آثار الماضي.

وتردد الملايين حتي الآن تركت بصمتها عليه.

ولكن حتي لو كان الازدحام شديداً للغاية فإن ما عرفته بعيداً عن المسئولين أنه لا أحد فيهم يعود إلي منزله بدون أن يتلقي العلاج والكشف حتي لو انتظر عدد ساعات أكثر فالمعهد لا يغلق أبوابه في وجه أحد طوال الـ ٢٤ ساعة التي تكاد تتحول خلية العمل به إلي ٤٨ ساعة من العمل المتواصل.

حتي المعمل الضخم للتحاليل والفيروسات الذي زرته عبارة عن خلية نحل متواصلة فهو بجانب التحاليل يجري الأبحاث العلمية وكل ذلك من أجل صحة المصريين وتطوير العلاج لهم لأنه طبعاً للأعراف الطبية والعلمية الطفل الصغير الذي يصطحبه أبوه لتلقي “جرعة الكيماوي” إلي ابنة الأقصر الصغيرة السن التي تأتي مع زوجها وأمها وأبيها وغيرها ترقد علي سرير الطوارئ.. عشرات من الحكايات الإنسانية جعلتني أنسي تماماً رهبة العودة إلي مكان ارتبط في ذهني بفقدان الأم في عيد الأم.

وقبل أن أغادر في الزيارة الأولي كنت قد لمحت علي الباب يافطة “التبرعات” ذهبت بما معي للتبرع ولكني انتظرت قليلا فقد كان أمامي بعض الطالبات صغار السن يدفعن مصروفهن ونساء كبار في السن كل منها تتبرع باسم أحد ثم موظف آخر ينتظر دوره لأول مرة في حياتي أحب مشهد الطابور وأسعد بالانتظار ،وقلت هؤلاء هم المصريين البسطاء الذين يساعدوا معهد الأورام علي أن يكمل مسيرته بالجنيهات البسيطة بينما كبار رجال أعمالنا وأثرياء مصر الذين آلت إليهم شركات ومصانع لا نجد منهم تبرعاً يذكر لهذا المعهد المتفرد بينما يهرعون جميعاً للتبرع من أجل مستشفي صغير للسرطان لا يتعدد عدد الأسرة ١٦٠ سريراً وكل ذلك من أجل التقاط الصورة والكلمة التي ستظهر في الإعلان عن هذا المستشفي بينما الآلاف من المرضي أغنياء أو فقراء ينتظرون علاجهم بالمجان حتي لو كان علي سلم المعهد.

فيا أغنياء مصر تبرعوا يرحمكم الله لمعهد الأورام القابع في مكانه في القصر العيني أو لإنشاء المدينة العلمية الجديدة في مدينة ٦ أكتوبر لعلاج الأورام.

ونعدكم أنه ستكون هناك صور للنشر وأخبار نعلنها بل ممكن أيضاً أن نعد لافتة شكر لكن أولاً اذهبوا إلي هناك بأموالكم أو أموال المصريين إن صح التعبير..

 

    الاكثر قراءة