حوار أجرته: إيمان رسلان
فى ٢١ مارس الماضى وبمناسبة عيد الأم فكرنا فى زيارة معهد الأورام وحينما اقترحنا ذلك على د. جابر نصار رئيس جامعة القاهرة تحمس جداً للفكرة وعلمنا منه أن معهد الأورام يحتفل بمرور ٥٠ عاماً على إنشائه وخروجه للنور فى ستينيات القرن الماضى وما أدراك ما الستينيات التى تم فيها بناء هذا الصرح الطبى والعلمى والبحثى الذى يخدم كل المصريين فى الصعيد الجوانى حتى مجاهل الواحات والصحراء.
لا يفرق بين مصرى وآخر رجلا كان أو امرأة أو شابا أو طفلة صغيرة أوغنيا أو فقيرا.
فمعهد الأورام قبلة الجميع لمواجهة المرض الشرس، د. جابر نصار بجانب دعمه لهذا الصرح العظيم والذى كان يشاهد المرضى أمام أبوابه منذ أن كان طالباً وحتى عندما أصبح رئيساً للجامعة لا يخشى أن ينقل ويعترف لنا بالواقع مما يحدث فى معهد الأورام، وقال إن المعهد يقوم بالأساس على تبرعات المصريين البسطاء وليس الأغنياء ورجال الأعمال ويمول البسطاء ثلث موازنة المعهد، لذلك يحلم د. جابر نصار بأن يدعم المصريون إنشاء المدينة الجديدة للأورام والتى تحمل اسم ٥٠٠٥٠٠ بمدينة ٦ أكتوبر، لتكون صرحا جديدا لمواجهة أشرس الأمراض التى عرفتها البشرية حتى الآن.
هل تم عمل حصر للمتبرعين لمعهد الأورام؟
بالفعل تم عمل حصر لذلك ليس فقط لمعهد الأورام وإنما أيضاً لجميع مستشفيات جامعة القاهرة بل أصدرت قراراً بألا يتم استخدام قيمة التبرع إلا فى المكان المخصص له التبرع فمثلاً لا يصح أن يكون التبرع لمعهد الأورام ويذهب التبرع لتخصص آخر وهذا يمثل أمانة وصدقا وشفافية مع المتبرعين ولكسب مصداقية لديهم.
وقد اكتشفنا بعد عمل الحصر أن الغالبية العظمى من التبرعات تأتى من الشعب المصرى البسيط وبمبالغ بسيطة وهى للحقيقة الداعم الأول والرئيسى فى دعم المستشفيات الجامعية وعلى رأسها معهد الأورام الذى يبلغ ما يـأتى له من التبرعات ثلثى موازنته ولذلك نحن ندعم المعهد بما ينتقصه بعد تمويل الدولة ويمثل الثلث، وتمويل المتبرعين يمثل الثلثين، وهذا العام تم رفع الدعم لمعهد الأورام إلى ٧٨ مليون جنيه من موازنة الجامعة وذلك لمواجهة أولاً الارتفاع فى الأسعار بعد تعويم الجنيه لشراء الأدوية ومستلزمات العلاج وتطوير العمل بالمعهد، وكذلك نسعى أيضاً لجمع التبرعات لإنشاء أول مدينة متكاملة لعلاج الأورام فى مدينة ٦ أكتوبر وهى التى نطلق عليها مستشفى ٥٠٠٥٠٠ لعلاج الأورام.
ماذا تعنى بمدينة متكاملة لعلاج الأورام؟
علينا أن نعترف أن الأماكن الحالية والمتاحة بمعهد الأورام الحالى بفم الخليج بقصر العينى أصبحت لا تستوعب الأعداد المتزايدة من المرضى نظراً لزيادة عدد السكان فى مصر؛ ولأن المعهد هو المكان الرئيسى لعلاج الأورام والذى يثق فيه الجميع غنيا أو فقيرا، أى أنه المكان الذى لا يغلق بابا أمام أحد من المرضى لذلك الإقبال كبير جداً عليه للعلاج؛ لأنه يقدم أيضاً الخدمة مجاناً لذلك تم التفكير منذ سنوات فى إنشاء مستشفى كبير للأورام على أطراف القاهرة وكان التخصيص بمدينة ٦ أكتوبر بالفعل بدأنا منذ عامين فى العمل فى هذا الصرح الضخم والذى تطورت فكرته من أن يكون مستشفى جديدا للأورام، ليكون مدينة متكاملة للعلاج والأبحاث العلمية المرتبطة، أى منظومة متكاملة تستوعب المرضى والأهالى والأساتذة وغيرهم وستكون أكبر مكان للأورام فى المنطقة بطاقة ١٠٠٠ سرير.
كم يبلغ حجم تكلفة المدينة الجديدة للأورام بـ ٦ أكتوبر؟
قبل تعويم الجنيه كانت التكلفة فى حدود ٤ مليارات جنيه، ولكن من المتوقع أن ترتفع إلى ٦ مليارات جنيه، ولدينا أمل كبير مع المجتمع المدنى والمصريين فى زيادة حجم تبرعاتهم للمستشفى الجديد حتى ينتهى فى أقرب وقت ويرى النور لأنه بجانب أنه سيخدم مصر أيضاً سيخدم المنطقة العربية وإفريقيا أيضاً، لأن المخطط العام لمستشفى ٥٠٠٥٠٠ هو أن يضم أيضاً «مكانا مستقلا تماماً» للعيادات الخارجية وهذا اتجاه عالمى وتتبناه الآن جامعة القاهرة مثلما حدث فى قصر العينى ولذلك نبحث مع الأصدقاء فى اليابان إمكانية المساعدة والدعم لمشروع معهد الأورام الجديد مثلما حدث ودعموا إنشاء مستشفى الأطفال قديماً وجديداً فى أبوالريش، لذلك نأمل فى الفترة القادمة خاصة مع بدء الإنشاءات وخروجها إلى النور أن يتعاظم دور المجتمع فى مساندة هذا المشروع حتى إن حجم التبرعات لم يتجاوز ١٥٪ من تكلفته.
هل الشركات الكبرى لرجال الأعمال مثلا فى الحديد والأسمنت تتبرع للمشروع؟
حتى الآن شركات الحديد والأسمنت لم تساهم فى المشروع، ويوجد مساهمة من رجل الأعمال فرج عامر بمبلغ كبير لدعم المشروع وهو الآن نائب رئيس مجلس الأمناء فى المشروع الجديد، بجانب تبرعات المصريين البسطاء وهذا هو كل ما لدينا ولذلك نأمل فى زيادة المساهمات لأننا كمصريين ثم علماء وأطباء فى صراع مع هذا المرض ونتمنى أن نوفر الاحتياجات العلاجية والبحثية للمرض للتعامل معه
فى إطار الإعداد لهذا الملف استمعنا لكل الأطراف بحيادية تامة ولكن كانت هناك شكاوى فمثلاً هناك شكاوى من ضيق المكان وازدحام ملحوظ؟.
نعم قد تكون ساعات قليلة للانتظار ولكن لا أحد من المرضى يعود من دون تلقى العلاج فكما قلت المعهد لا يغلق فى وجه أحد وهو يقدم علاجه بالمجان للجميع ولا فرق بين من أتى من الصعيد أو وجه بحرى فالجميع هنا مرضى سواسية غنيا أو فقيرا، والازدحام جزء منه يعود إلى أن هناك تجديدا شاملا للمبنى الثانى الذى تم بناؤه فى الثمانينيات وتعرض لمشاكل هندسية كبيرة وكان ١٣ دوراً وحالياً اقترب الترميم من الانتهاء وسيتم افتتاحه هذا العام وأيضاً يعود الازدحام إلى أن ثقافتنا فى مصر هى أن يأتى المريض ومعه عدد كبير من أقاربه وليس فردا واحداً أو اثنين حتى وهذه هى ثقافة المصريين..
وسأذكر لكِ حكاية منذ أن كنت طالباً كنت أمُر أمام المعهد فى الطريق للذهاب إلى الجامعة وكنت أرى دائماً أعدادا كبيرة من المرضى أمامه رغم أن ذلك كان فى الساعات المبكرة.
فمعهد الأورام صرح لعلاج الأورام، والمصريون يثقون فيه وفى سمعته، فعلى الرغم من وجود أسماء أخرى كمراكز لعلاج السرطان فى بعض المحافظات، لكنها فى النهاية ترسل عددا من المرضى للمعهد، لأن هذه المراكز أنشئت من دون توفير الكادر البشرى اللازم لها لأن الإعداد يتم هنا فى المعهد ولذلك يلجأ الجميع إليه كما قلت فى النهاية وليس عيباً أن تقدم للبعض الآن العلاج على السلم كما يتردد فهذا أفضل كثيراً من أن يأتى المريض ويعود بدون تلقى العلاج لابد أن نعرف أن من يأخذ العلاج «يعنى متابعة وكشف» وليس إقامة فلا يوجد لدينا إقامة على السلم مثلاً.
وماذا عن النقص الحاد فى الكوادر البشرية لاسيما فى التعيينات الجديدة لشباب الأطباء؟
نحن نقدر الإصلاح الإدارى الذى يتم فى الدولة الآن وإعادة الهيكلة الشاملة التى تحدث وبالتأكيد أى إصلاح يتم هناك هو تجليات أو آثار جانبية له مثل قلة توفر «الدرجات المالية للتعيينات الجديدة، وللحقيقة نحن فى جامعة القاهرة لم نتأخر حتى الآن فى تعيين الأطباء الشباب أو النواب وأحاول جاهداً ألا نرفض طلباً لتعيين نواب جدد وأسعى دائماً لدى الدولة فى ذلك، وأتصور أنه مع بداية تشغيل المرحلة الأولى فى المستشفى الجديد ٥٠٠٥٠٠ سوف يعالج هذه النقطة وسوف يفتح الباب للتعيينات لأن طاقة المستشفى على العمل كبيرة ولابد من أعداد كبيرة من الكوادر الشابة وفتح باب التعيينات لنواب جدد.
يوجد أيضاً شكاوى من المرضى؟
أعلم ذلك وقابلت ذلك بنفسى أكثر من مرة وكان آخرها معكم فى جولة المصور ونحن نقدر ونستوعب ذلك؛ لأن مريض السرطان أصلاً مريض حالته الصحية تعبان ويأتى «قرفان ومقهور» من المرض وغيره مما يؤثر على مزاجه العام ونحن نتعامل مع ذلك وهذا واجبنا لأنه كما قلنا لا نغلق الباب أمام أحد والعلاج مجانى ولهذا نرى فى بعض الأحيان المرضى فى الطرقات وغيرها فما يهمنا ونركز عليه هو توصيل العلاج أولاً للمرضى وليس الفندقة خمس نجوم ولكننا نحاول أيضاً أن يكون ذلك فى إطار مكان نظيف وآدمى وبكرامة للمرضى.
ويجب ألا ننسى أن طاقة معهد الأورام ٥٥٠ سريرا فقط لاغير ويأتى أيضاً الآلاف سنوياً لذلك نحن أمام المعادلة الصعبة أو بين «نارين» وهى أن أغلق الأبواب أمام المرضى أم أعطى وأوفر العلاج لهم حتى لو كان فى الطرقات.
وللحقيقة الشعب والمرضى وأهاليهم متفهمون لذلك؛ لأنهم يرون الجميع يعمل ورديات متتابعة لتوفير العلاج والمتابعة لهم، فمعهد الأورام الحضن الدافئ لمرضى السرطان.
وماذا عن التبرعات وحجمها؟
قضية التبرعات قضية مهمة وحيوية وبالذات لدعم المشروعات الحيوية التى تخدم الشعب المصرى بأكمله مثل المستشفيات الجامعية فى جامعة القاهرة، فقد وجدنا أن أغلب التبرعات التى تأتى للمستشفيات هى التبرعات البسيطة من الفئات المختلفة للشعب المصرى وهو الداعم الأول والرئيسى لتمويل المستشفيات الجامعية، ولذلك لابد من تنظيم التبرعات والرقابة عليها وإلى أين تذهب؟
ماذا تقصد؟
د. جابر نصار: أقصد تنظيم التبرعات، لأنها جزء من الثروة القومية فمثلا ماحدث فى فترات سابقة ونجد الجماعات المتطرفة كانت تنشط جدا لجمع التبرعات من المصريين تحت بند إنشاء مساجد وغيرها، وهذا فى الواقع يعنى أن هذه الجماعات المتطرفة سيطرت على المجتمع بأموال المجتمع نفسه وتبرعاته، فمثلا هم استخدموا بجانب أموال التبرعات أموال الزكاة وأقاموا لأنفسهم مايشبه الدولة الموازية، وهم من خلال المصريين أنفسهم أداروا وأقاموا المنظومة الصحية من مستوصفات وعيادات وغيره، وخلقوا شبكة من الضمان الاجتماعى ولايوجد أى جماعة متطرفة صرفت أموالًا من غير جيوب المصريين.
وفى فترة وجدنا جمعيات تتلقى الأموال بدون أى رقابة عليها فى جمع الأموال أو أوجه صرف هذه الأموال.
وهذا يلفت النظر إلى غياب دور الدولة فى الرقابة على ذلك بل إنه حتى فى الجهات المصرح لها بجمع تبرعات لايوجد خطة متكاملة لتنفيذ ومتابعة التبرعات، فمثلا نجد هيئة أو جهة يأتى لها التبرع ولديها عدد محدد من الأسرة مثلا فى المجال الصحى ولايحاسب أحد هل تناسب حجم التبرع مع العدد المتاح الذى تقدمه للعلاج ولماذا لايتم توجيه التبرعات إلى جهات أخرى، وفق خطة محددة للتخطيط المسبق وفقا لاحتياجات كل جهة، فمثلا جهة أو جمعية أهلية تحتاج إلى مليار جنيه من التبرعات فكيف يصل الرقم إلى ٤ مليارات جنيه بدون رقابة.
لذلك لابد من وجود خطة متكاملة ورقابة جدية على التبرعات، لأنها جزء من حركة الثروة القومية وهذا دور مهم للدولة لابد أن تلعبه للحفاظ على جزء من الثروة القومية وهى أموال التبرعات.
فى العالم كله نجد الأثرياء يتبرعون بأموالهم كلها لصالح الأعمال الخيرية فهل تبرع أثرياء مصر؟
على حد علمى لا لم يصل إلينا تبرعات من الأسماء الكبيرة.
ولا حتى التبرع العينى وليس المادى مثل الحديد اللازم فى الإنشاءات أو الأسمنت؟
لا لم يصلنا شىء من هذه التبرعات العينية وأغلب التبرعات العينية تكون للأجهزة والمستلزمات الطيبة.
وكما قلت أن أغلب التبرعات هى من الشعب المصرى البسيط وليس من الشركات الكبرى.