أعلنت لجنة الدفاع عن الحق فى الصحة جميع المصريين للمشاركة فى حملة الدفاع عن الحق فى الصحة فى حملة تأمين صحي اجتماعي شامل وعادل .
وقالت اللجة في بيان لها إنها تهدف إلى إقرار قانون تأمين صحي اجتماعي شامل وعادل، يكفل العلاج الكريم لجميع المواطنين من جميع الأمراض، ويعتمد تمويله على الاشتراك الذي يدفعه كل مواطن كجزء من أجره أو دخله الشامل، على أن تتحمل الدولة دفع اشتراك غير القادرين .
لكننا نرى أن مشروع القانون المقدم بتاريخ 17 نوفمبر 2016، يبتعد كثيرا عن هذا الهدف، بل - الأخطر – إن هذا المشروع يفتح الباب أمام خصخصة الخدمة الصحية وضياع أصول المنشآت الصحية، التي بنيت بأموال الشعب المصري عبر سنوات طويلة .
الانتقادات الأساسية على مشروع القانون ..
أولا : فيما يخص تقديم الخدمة ومستشفيات الدولة
مازال طريق تقديم الخدمة هو "التعاقد" سواء مع مستشفيات القطاع الحكومي و القطاع الخاص على قدم المساواة، بعد الحصول على شهادة الجودة والاعتماد "مادة 16 ومادة 17"، وقد نص مشروع القانون في المادة 12على "تلتزم الدولة برفع كفاءة المنشآت الصحية التابعة لها تدريجيا، قبل البدء في تطبيق النظام في المحافظة المقرر البدء فيها، حتى تحصل على الاعتماد"، ولكن يبقى سؤال هام .. ما هو مصير المستشفيات التي ستنخفض بها معايير الجودة بعد ضمها لهيئة الرعاية الصحية التي تؤول إليها كافة المستشفيات المملوكة للدولة؟؟ وما هو مصير العاملين بها؟ هل ستكون الدولة ملزمة عبر أي من هيئاتها ببحث أسباب انخفاض الجودة وعلاجها ؟ أم ستخرج المستشفى من التعاقد مع هيئة التأمين الصحي ؟ أم ستطرح المستشفى للشراكة مع القطاع الخاص لتطويرها وتشغيلها؟ أم ستطرح للبيع؟ بحجة أن الدولة غير قادرة على ضخ الأموال اللازمة للتطوير والتشغيل ؟
لذلك نقترح :
1.تعتبر هيئة الرعاية الصحية هي الأداة الأساسية لتقديم الخدمة الصحية لهيئة التأمين الصحي بسعر التكلفة، وتظل كافة المنشآت الصحية الحكومية ملكا للدولة، وتدار بواسطتها عبر هيئة الرعاية الصحية، ويحظر طرحها للبيع أو للشراكة أو للإدارة بواسطة القطاع الخاص كما ينص الدستور فى المادة 18، كما تلتزم هيئة الرعاية الصحية بتلافي وعلاج دائم لأية أسباب لنقص مستوى الجودة في أي منشأة صحية تابعة لها عبر آليات واضحة.
2.يجوز لهيئة التأمين الصحي التعاقد مع القطاع الخاص للحصول على الخدمات المكملة لخدمات هيئة الرعاية الصحية فى تعاقدات نزيهة شفافة، كما يجوز لأي مواطن متمتع بالتأمين الصحي أن يحصل على الخدمة من أي مستشفى خاص يريده، على أن تقوم هيئة التأمين الصحي بسداد قيمة الخدمة تبعا لسعر الخدمة في هيئة التأمين الصحي، ويتحمل المواطن فارق السعرين إن وجد.
ثانيا : المساهمات المفروضة عند تلقي العلاج
القاعدة الأساسية فى التأمين الصحى هى أن يدفع المشترك اشتراكا يمثل نسبة ثابتة من دخله تكفى، بفضل تضامن المنتفعين، وأيضا بفضل توسيع دائرة المشاركة فى تحمل مخاطر الصحة عن طريق شمول التأمين لأكبر عدد ممكن، لعلاج من يحتاج للعلاج سواء علاج مكلف أو غير مكلف، ولا يضطر لدفع مبالغ تضلعه وقد تعيق إتاحة العلاج له إذا كان لا يمتلكها. وعلى العكس من ذلك تماما يضيف القانون لهذا الاشتراك مساهمات تمثل نسبة مئوية من تكلفة العلاج فى العيادة الخارجية تصل إلى 20% من سعر الدواء، و10% من سعر الأشعات و5% من سعر التحاليل بدون حد أقصى (جدول رقم 3). ويرتبط هذا بما أوضحته المذكرة التفسيرية للقانون من أن فلسفة المساهمات لم تعد مجرد ترشيد استخدام الخدمة كما كانت تُدَّعى فى السابق ولكنها صارت اعتبار المساهمات قسما أساسيا من تمويل الخدمة.
بل إن القانون لم يكتف بذلك لكنة جعل الفئات الضعيفة (الأمراض المزمنة، المعاشات، حتى أطفال الشوارع) بعد أن كانوا يعفون من المساهمات فى النسخ السابقة أصبحوا ملزمين فى النسخة الحالية بدفع 20% من قيمة هذه المساهمات.
إن الدستور المصري حينما تحدث عن الحق في الصحة لكل المواطنين والحق في وجود نظام تأمين صحي في المادة 18 منه، لم يذكر أو يحدد وجود أية مساهمات يتحملها المواطنين، وجاء فيها الأتي " وتلتزم الدولة بإقامة نظام تأمين صحي شامل لجميع المصريين يغطى كل الأمراض، وينظم القانون إسهام المواطنين في اشتراكاته أو إعفاءهم منها طبقاً لمعدلات دخولهم".
إن المساهمات تخالف بشكل واضح الدستور، وأيضا فإن مساهمة المواطن فى أشعة مكلفة مثل الأشعة المقطعية أو الرنين المغناطيسى قد تصل إلى مائة أو مائتى جنيه، بينما قد يزيد إجمالى المساهمات فى التحاليل والأشعة والأدوية إلى خمسمائة جنيه، وهذا ليس فقط فى الشهر الواحد ولكن فى العيادة الواحدة فى الشهر الواحد. وإذا كان قدرُ المواطن أن يذهب فى نفس الشهر إلى عيادة قلب وعيادة رمد مثلا، وطولب بدفع النسبة فى تحاليل وأشعات وأدوية كل عيادة لأصبحت كارثة تعيق إتاحة العلاج له وتنسف القاعدة الأساسية للتأمين الصحى المشار إليها أعلاه.
ولا نعرف فى العالم أنظمة تأمين صحى اجتماعى تفرض مساهمات على المرضى عدا الاشتراك سوى مساهمات رمزية (رسم موحد على كل روشتة أو 10% من قيمة الدواء ماعدا الأمراض المزمنة). لذا ففى شعب ترتفع فيه نسبة الفقر بشكل هائل نرفض تماما فرض أى مساهمات على المرضى والاكتفاء بالاشتراك الذى يمثل نسبة من الدخل حتى فى حالة رفع هذه النسبة.
ثالثا : زيادة الأعباء على المشترك
• تم رفع اشتراك الزوجة التي لا تعمل، من 2% من إجمالي أجر الزوج، إلى 2.5 %، كما تم رفع اشتراك كل ابن من0.5% من أجر الوالد أو العائل، إلى 0.75 % (جدول 1).
•تم إلزام أصحاب المعاشات بدفع اشتراك الزوجة والأبناء المعالين ومساهماتهم.
رابعا : من المسئول عن علاج الأطفال ؟؟
المشروع المقدم يحمل الوالد أو العائل 0.75 % من أجره الشامل لكل طفل، ولا تتحمل الدولة أي نسبة للأطفال، والأفدح أن المشروع يربط تقدم الطفل للدراسة بسداد أقساط التأمين الصحي .
لنا هنا ملاحظتان ..
1.تتكفل الدول في أغلب نظم التأمين الصحي الاجتماعي بدفع اشتراكات الأطفال، لأن صحة الطفل جزء أساسي من مسئوليات الدولة، ونحن نقترح أن تتحمل الدولة أعباء التأمين الصحى الشامل للأطفال لأن التنمية البشرية بالتعليم والحفاظ على الصحة أساس الإنتاج وأساس تكوين جيل يستطيع صحيا تحمل عبئ الدفاع عن الوطن مثل كل نظم التأمين الصحى الاجتماعى فى العالم. لكل هذا نطالب بتحمل الدولة للعبئ الأساسى فى علاج الأطفال أو الحصول على اشتراك رمزي من الأهل على الأطفال بعد الطفل الثانى بحيث لا تعيقهم عن الحصول على حق العلاج.
2.سداد أقساط التأمين الصحي يمكن أن يكون شرطا لأي شئ، إلا التقدم للدراسة، حيث أن التشجيع على الانتظام في التعليم واجب أساسي ومسئولية أساسية للدلة، والنص الحالي يضعنا أمام خطر شديد و هو زيادة نسبة الأمية وزيادة نسب التسرب من التعليم.
خامسا : ملاحظات عامة
1-البدء بتنفيذ نظام تأمين صحي اجتماعي شامل يستلزم "توفير المقومات الأساسية" التي تمكن من تنفيذ هذا النظام، مثل التمويل الكافى الذى نص عليه الدستور (التمويل الحالى يقل عن ثلثى الحد الأدنى الذي نص عليه الدستور) و توفيرمستلزمات العلاج والأجور التى تجذب الأعداد الكافية من الأطباء والتمريض، وتوفير قائمة الأدوية الأساسية وحل مشاكل العجز الشديد في التمريض والعجز في الأطباء و بالأخص أطباء طب الأسرة و التخصصات الحرجة .أما الحديث عن "تأمين صحي اجتماعي شامل " دون حل هذه المشاكل فهو ضرب من الخيال.
2-ما يزال المشروع مقدماً بدون دراسة إكتوارية تضمن جدية الطرح المالي، وتضمن الاستدامة، كما يلاحظ أن النسخة الأخيرة حذفت نصا كان موجودا بنسخ سابقة التزاما بنص الدستور " الإنفاق الحكومي لا يقل عن 3% من الناتج القومي"، كما حذفت النسخة الأخيرة 10 أنواع من الضرائب التي كانت مفروضة في النسخ السابقة لصالح التأمين الصحي. بل إن كل النسخ السابقة من القانون كانت تجعل ضريبة السجائر 10% من قيمة العبوة المباعة، بينما تم تثبيتها بمقدار 50 قرشا لكل علبة، أى أنها قلت إلى الثلث فى السجائر المحلية إلى أقل من الثلث والأجنبية إلى السدس. نطالب بالعودة للصيغة القديمة: 10% من سعر العبوة.
3-ماتزال الصياغة الحالية لتعريف غير القادرين اللذين تلتزم الدولة بدفع الاشتراك عنهم، ماتزال صياغة طويلة مطاطة لا تعطي معنى واضحا، والمطلوب بدلا منها النص على أن "غير القادر هو الذي يقل إجمالي دخله عن الحد الأدنى للأجور الذى يتحدد على أساس سلة السلع والخدمات الأساسية التى تكفى الأسرة".