الخميس 13 يونيو 2024

معارك طرابلس تعيد مأساة المهاجرين الأفارقة في ليبيا إلى واجهة الأحداث

7-7-2019 | 15:03

أعاد حادث مقتل عشرات المهاجرين الأفارقة في غارة جوية استهدفت مركزا لاحتجاز المهاجرين قرب العاصمة الليبية طرابلس، تسليط الضوء مجددا على الأوضاع الإنسانية المأساوية التي يعيشها عشرات الآلاف من المهاجرين الأفارقة في ليبيا والذين وجدوا أنفسهم عالقين وسط الاقتتال والمعارك الحالية بين الفرقاء الليبيين في طرابلس ومحيطها.

كما أظهر هذا الحادث، الذي خلف موجة غضب واسعة عالميا وإقليميا، الحاجة الملحة والماسة لضرورة وضع حد لحالة الفوضى والاقتتال السياسي والعسكري التي تعيشها ليبيا حاليا والتي لم تعد نيرانها تفرق بين مواطنين ولاجئين.

وكان نحو 40 شخصا، معظمهم من المهاجرين الأفارقة قد قتلوا، وأصيب أكثر 130 آخرين في قصف جوي لأحد مراكز احتجاز المهاجرين، في منطقة تاجوراء قرب العاصمة طرابلس الأسبوع الماضي.

تطورات الأوضاع الميدانية في العاصمة الليبية واستمرار المعارك بين الأطراف المتصارعة ، أثار الكثير من المخاوف والتساؤلات حول أوضاع ومصير آلاف المهاجرين المحتجزين في مراكز مكافحة الهجرة غير الشرعية في المدينة، لاسيما وأن معظم هذه المراكز يقع ضمن مناطق القتال.

وتشير تقديرات المنظمة الدولية للهجرة إلى أنه يوجد في طرابلس نحو 3600 مهاجر، محتجزين في مراكز تابعة لجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية الليبيين من بينهم 890 شخصا بمنشأة في بلدة قصر بن غشير جنوبي طرابلس، بالقرب من مناطق القتال.

وقد حذرت منظمة أطباء بلا حدود الدولية من المخاطر العديدة التي باتت تحدق بالمهاجرين الأفارقة في ليبيا جراء استمرار معارك طرابلس، وعدم توافر الخدمات الأساسية، خاصة وأن أعدادا كبيرة منهم لم تأكل منذ أيام نتيجة تواجد بعض مراكز الاحتجاز ضمن مناطق الأعمال القتالية.

ومنذ سقوط نظام الزعيم الراحل معمر القذافي عام 2011، تحولت ليبيا الغارقة في الفوضى، إلى نقطة عبور لآلاف من المهاجرين غير الشرعيين من إفريقيا جنوب الصحراء والساعين للوصول إلى أوروبا.

وخلال رحلتهم المحفوفة بالمخاطر والصعاب، يجد الآلاف من هؤلاء المهاجرين أنفسهم تحت رحمة المهربين، كما يواجهون أوضاعا إنسانية مأساوية، وصلت إلى حد بيع بعضهم كعبيد على يد مهربي وتجار البشر، حسبما ذكرت منظمة الهجرة الدولية التي تحدثت عن وجود "أسواق للرقيق" في ليبيا.

وقد أدت الفوضى السياسية والأمنية التي عمت ليبيا عقب سقوط نظام القذافي إلى انتعاش تهريب الأشخاص والمهاجرين، بواسطة عصابات محترفة، تستغل وضع هؤلاء المهاجرين من جنوب الصحراء الذين يدفعون آلاف الدولارات نظير توصليهم إلى أوروبا في رحلة مرعبة.

وغالبا ما تنتهي هذه الرحلة، إما بالقبض على هؤلاء المهاجرين من قبل خفر السواحل الليبيين أو الأوروبيين ووضعهم في مراكز احتجاز بالغة السوء، أو بغرقهم في مياه المتوسط، دون أن يحققوا حلمهم في الوصول إلى أوروبا.

وقد وثقت تقارير منظمات وجماعات حقوق الإنسان الظروف السيئة التي يتعرض لها هؤلاء المهاجرون في مراكز ومعسكرات الاحتجاز في ليبيا، والتي جاءت الحادثة الأخيرة لتكشف الواقع المزري الذي يعيشه المهاجرون الأفارقة كضحايا للصراع الدائر في البلاد.

إذ يبدو هؤلاء المهاجرون عالقين بين مطرقة الهرب إلى أوروبا على متن قوارب بدائية، يغرق العديد منهم في منتصف الرحلة، وسندان الاحتجاز في ظروف غير آدمية، وربما البيع في أسواق "النخاسة" في ليبيا.

ويقدر عدد المهاجرين المقيمين في العاصمة الليبية بحوالي 110 آلاف، وقت اندلاع المعارك الحالية في المدينة، يعيش منهم 3600 في مراكز احتجاز، وذلك وفقا لتقرير لمنظمة الهجرة الدولية صدر في شهر يونيو الماضي.

ووفقا لهذا التقرير، فإن عام 2019 شهد حتى الآن وصول 2160 مهاجر إلى سواحل إيطاليا، وعودة 2976 إلى سواحل ليبيا، في حين مات 343 أثناء محاولة عبور البحر المتوسط إلى أوروبا.

وفي شهر أبريل عام 2017، كشفت منظمة الهجرة الدولية عن أن المهاجرين الأفارقة في ليبيا يتعرضون لجميع أنواع الانتهاكات، ووثقت المنظمة شكاوى لضحايا قالوا إنهم احتُجزوا واقتيدوا إلى ساحات لبيعهم مقابل مبلغ يتراوح بين 200-500 دولار.

وقالت المنظمة آنذاك إن المهاجرين احتجزوا في سجون لدى من اشتروهم، وأُجبروا على العمل في البناء والزراعة، أو الاتصال بذويهم وطلب فدية..كما وردت تقارير عن تعرض الضحايا للضرب، والانتهاكات الجنسية، في حين قُتل بعضهم ودُفن بدون تسجيل اسم أو هوية.

ولكن رغم الظروف الإنسانية القاسية، واحتمالات الغرق أثناء العبور إلى أوروبا، فإن ليبيا لاتزال الوجهة المفضلة للمهاجرين الأفارقة الطامحين في الوصول إلى أوروبا ؛ وذلك لقربها من الشواطئ الأوروبية، ولحالة الفوضى الأمنية التي تشهدها البلاد والتي يستغلها تجار ومهربي البشر.

وتوسعت شبكات التهريب في البلاد بشكل مستمر، وذلك وفق تقرير للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين في عام 2017، الذي سجل ارتفاعاً كبيراً في أعداد النساء اللاتي يهرّبن بغرض الاستغلال الجنسي.

ولا تقتصر الاتهامات فيما يتعرض له المهاجرون الأفارقة من استغلال وأوضاع إنسانية مزرية، على شبكات تهريب البشر، بل تطال تلك الاتهامات جهات وجماعات محسوبة على الحكومة الليبية في طرابلس، فضلا عن الانتقادات الموجهة للدول الأوروبية والتي تتهمها منظمات حقوق الإنسان بالتواطؤ ضد هؤلاء المهاجرين ومعاناتهم الإنسانية.

فقد تحدث تقرير أممي أرسل إلى مجلس الأمن في شهر فبراير من العام الماضي (2018)، عن تواطؤ محتمل لقوات تابعة لحكومة طرابلس مع مهربي البشر ، حيث توصلت لجنة خبراء في الأمم المتحدة إلى أن القوات الليبية قد تكون تساعد الجماعات المسلحة على تشديد سيطرتها على طرق التهريب.

وعبرت هذه اللجنة عن مخاوفها "حيال إمكان استخدام منشآت الدولة الليبية وأموالها من قبل الجماعات المسلحة والمهربين لتحسين سيطرتهم على طرق الهجرة".

وأشار التقرير الأممي إلى شهادات لمهاجرين من أريتريا اعتقلوا عام 2016 في طرابلس على يد عناصر من قوة خاصة مرتبطة بوزارة الداخلية الليبية سلمتهم مجددا إلى المهربين "مقابل أموال".

أما على صعيد الموقف الأوروبي من قضية المهاجرين الأفارقة في ليبيا، فقد اتهم تقرير لمنظمة العفو الدولية صدر في ديسمبر 2017، الحكومات الأوروبية بدعم سلطات محلية في ليبيا لمنع المهاجرين الأفارقة من الوصول إلى سواحل أوروبا.

وقالت المنظمة إن الحكومات الأوروبية متواطئة في عمليات التعذيب والانتهاكات التي تُمارس ضد اللاجئين الأفارقة في مراكز الاحتجاز في ليبيا، وهي على علم كامل بها.

وكانت السلطات الليبية في طرابلس قامت وبتشجيع من الحكومات الأوروبية، بإنشاء جهاز لمكافحة التهريب غير الشرعي مسؤول عن 24 مركز احتجاز للمهاجرين غير الشرعيين، لكن تقرير لجنة خبراء الأمم المتحدة المشار إليه أوضح أن هذا الجهاز لا يملك سيطرة على مراكز الاحتجاز التابعة له، وهو ما اعترف به أيضا وزير في حكومة الوفاق الليبية، والذي أقر بأن الجماعات والميلشيات المسلحة المسلحة أقوى من السلطات في التعامل مع تدفق المهاجرين.