سبعة وستون
عاما مرت على قيام ثورة 23 يوليو، والتي ستظل واحدة من أهم العلامات في التاريخ المصري
الحديث والتي استطاعت تغيير وجه الحياة في مصر وإسقاط نظام الملكية وإعلان مصر دولة
جمهورية، والتي قامت من أجل القضاء على الفساد والاستبداد وتأسيس حياة ديمقراطية.
وأجمع
مؤرخون أن ثورة 23 يوليو كانت حتمية نظرا لتردي الأوضاع السياسية والفساد الذي كان
سائدا قبلها، وأنها نجحت في تغيير وجه الخريطة المصرية، موضحين أن الثورة رفعت ستة
مبادئ ونجحت في تحقيقها كلها وقد دعمها الشعب المصري منذ اللحظات الأولى حيث وجد فيها
الملاذ والخلاص من الظلم الاجتماعي والفساد وسوء الأوضاع الاقتصادية، كما امتد
تأثيرها إلى خارج مصر حيث كان لها ثلاث دوائر خارجية نجحت في التأثير فيها ودعم
حركات التحرر والاستقلال هناك.
حققت كل أهدافها
الدكتور عاصم
الدسوقي، أستاذ التاريخ الحديث بجامعة القاهرة، قال إن ثورة 23 يوليو حققت كل الأهداف
التي أعلنت عنها ومبادئها الستة التي قامت من أجلها وقد تحققت جميعها في فترة حكم الرئيس
الراحل جمال عبد الناصر بإقامة العدالة الاجتماعية وجيش وطني قوي وحياة ديمقراطية سليمة،
والقضاء على الاستعمار وسيطرة رأس المال على الحكم والفساد.
وأوضح الدسوقي،
في تصريح لـ"الهلال اليوم"، أن الشعب المصري خرج لتأييد الثورة والهتاف للجيش
قبل أن يعرف اسم قادة الحراك سواء محمد نجيب أو جمال عبد الناصر لأنه وجد فيها الملاذ،
مؤكدا أن الأوضاع في مصر قبل عام 1952 كانت تبشر بقيام ثورة، فهناك تقرير أمريكي في
يناير 1949 يتحدث عن وقوع ثورة في مصر.
وأضاف أن الثورة
قامت نتيجة التناقضات الاجتماعية الكبيرة والفساد المنتشر والتفاوت الطبقي، فضلا عن
تقرير آخر صادر عن البيت الأبيض الأمريكي صادر في نوفمبر 1951 يؤكد على هذا وأن انتشار
الفساد في مصر سيدفع لثورة، مضيفا إن مصر خلال حكم عبد الناصر أصبح لها سمعة دولية
.
وأشار إلى
أن ما يؤكد ذلك أن عبد الناصر عندما أعلن إلغاء معاهدة الجلاء التي عقدها مع إنجلترا
في أكتوبر 1954 في أعقاب العدوان الثلاثي، قال الرئيس "إيزنهاور" الأمريكي
أن ناصر لابد أن يرحل، مؤكدا أن الثورة كان لها دورا بارزا في دعم حركات التحرر والاستقلال،
حيث ساندت ثورة الجزائر وأرسلت قوات مسلحة في مارس 1954 للجزائر ودربت قوات جزائرية
قبل أن تندلع الثورة في أول نوفمبر 1954.
وأكد أن هذا
الدور كان على مستوى العالم في أفريقيا وآسيا وتشكيل حركة الحياد الإيجابي وعدم الانحياز
عام 1955.
كانت حتمية
وعن أسباب
الثورة، قال الدكتور جمال شقرة، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بكلية تربية عين شمس،
إن ثورة 23 يوليو كانت حتمية لأن النظام السياسي في مصر قبل عام 1952 كان قد تفسخ،
وهذا النظام فشل في أن يحقق حلم الشعب المصري في الحرية والاستقلال، وفشل أيضا في علاج
مشكلة الفقر والأزمة الاقتصادية، ولم يتمكن في حماية قسم شرطة الإسماعيلية من يد الإنجليز
في يناير 1952.
وأوضح شقرا،
في تصريح لـ"الهلال اليوم"، أن النظام الملكي أيضا لم يمد العون للضباط والجنود
بالأسلحة في وجه الإنجليز، مؤكدا أنه لم يكن هناك سوى الجيش المصري هو القادر على الثورة،
والضباط الوطنيين داخل الجيش كانوا مؤهلين لأنهم يمتلكون النظام وينفذون الأوامر، فأسسوا
تنظيم الضباط الأحرار مبكرا وقرروا أن يطيحوا بالملك ويغيروا الخريطة السياسية والاجتماعية
والاقتصادية في مصر.
وأشار إلى
أن الثورة كان لها ستة مبادئ كانت عامة ومستمدة من مطالب الشعب والشارع المصري أولها
كان القضاء على الاستعمار وأعوانه من الخونة والقضاء على الإقطاع والاحتكار وسيطرة
رأس المال على الحكم، مضيفا إن تنفيذ هذه المبادئ غير الخريطة الاجتماعية والسياسية
في مصر.
وأضاف إن المبادئ
الثلاثة الأخرى كانت للبناء وهي إقامة بناء جيش وطني قوي وحياة ديمقراطية سليمة وتحقيق
العدالة الاجتماعية وإزالة الفوارق بين الطبقات، مؤكدا أن قيادة الثورة نجحت في تحقيق
هذه المبادئ فأقاموا جيشا وطنيا قويا هو الذي يصمد الآن أمام الإرهاب ويدحره، وكذلك
نجحوا في علاج المشكلة الاجتماعية وضيقوا الفجوة بين الطبقات المختلفة.
وأشار إلى
أن الضباط نجحوا في توسيع هامش الحرية وإقامة حياة ديمقراطية اجتماعية سليمة، وهذه
الإنجازات لفتت أنظار المراقبين الذين زاروا مصر وبعضهم كان يتعجب أن هذه ليست مصر،
مضيفا إن الثورة نجحت في الحصول على رضا الجماهير على هذا التحرك وحصلوا على الشرعية
خاصة بعد إصدار قانون تحديد ملكية الأراضي الزراعية بـ300 فدان للأسرة.
وتابع أستاذ
التاريخ الحديث أن هناك إجراءات عديدة ساعدت على ترحيب الشعب المصري بهذه الثورة التي
قادها الضباط الأحرار منها إلغاء الألقاب والرتب والنياشين، مؤكدا أن الثورة وضعت في
أذهانها تحويل مصر إلى ثورة صناعية ونجحت في بناء 1200 مصنع منهم مصانع الألومنيوم
والحديد والصلب وغيرها.
وأكد أن الثورة
كانت عظيمة ومكتملة وطبقت سياسة خارجية تعتمد على ثلاث دوائر هي العربية والإفريقية
والإسلامية، مضيفا إن مصر دولة محورية لا تستطيع أن تنعزل عما يحدث في هذه الدوائر،
لذلك أيدت حركات التحرر الوطني وغيرت وجه الخريطة في مصر.
مكتسباتها
الداخلية والخارجية
ومن جانبه،
قال الدكتور أشرف مؤنس، أستاذ التاريخ بكلية التربية بعين شمس، إن ثورة 23 يوليو من
الثورات المجيدة ليس في مصر فقط إنما في دول المنطقة وحققت إنجازات كبيرة، ونجحت في
طرد الإنجليز والملك وتأميم قناة السويس، مضيفا إن العام الحالي نشهد مرور 150 عاما
على إنشائها ومصر لم تجن ثمار القناة إلا بعد تأميمها عام 1956.
وأكد مؤنس،
في تصريح لـ"الهلال اليوم"، أن الثورة من أهم إنجازاتها أيضا تحقيق العزة
والكرامة والاستقلال وتوقيع اتفاقية الجلاء بعد 74 عاما من الاحتلال البريطاني لمصر،
وإقامة الجمهورية وتعيين أول رئيس مصري وهو محمد نجيب، وكذلك دعم حركات التحرير القومية،
فضلا عن إنجازات ثقافية بإنشاء قصور الثقافة في كافة المحافظات.
وأشار إلى
أن الثورة نجحت في تحقيق نهضة ثقافية برعاية الآثار والمتاحف وزيادة الإنتاج المصري
من الأدب والدراما لتعميق الهوية، وتدعيم مجانية التعليم الأساسي والجامعي ومضاعفة
ميزانية التعليم وإضافة 10 جامعات في أنحاء الجمهورية بدلا من كونهم ثلاثة فقط وإنشاء
مراكز للبحث العلمي.
وأكد أن العصر
الذهبي للطبقة العاملة المصرية كان في فترة ثورة يوليو، حيث أعادت للفلاح المصري قوته
بعدما كان أجيرا أصبح يملك أرضه الزراعية بعمل قانون الملكية الزراعية في 9 سبتمبر
في 1952، ونجحت في تمصير التجارة والصناعة والقضاء على الإقطاع وإلغاء الطبقية، فأصبح
للفقراء الحق في الترقي في المناصب.
وأوضح مؤنس
أن الفلاح بعد قانون الإصلاح الزراعي أصبح يملك على الأقل خمسة أفدنة بعدما كان لا
يملك، مضيفا إن التأثيرات والمكتسبات امتدت لخارج الحدود المصرية للجانب العربي والأفريقي
والآسيوي، فاستهدفت الثورة الوحدة العربية، واتخذت خطوة في هذا الشأن بالوحدة بين مصر
وسوريا.
وتابع: إن
مصر كان لها دورا فاعلا في تشكيل حركة الحياة الإيجابي وعدم الانحياز في "باندونج"
سنة 1955، كما أنها كسرت احتكار السلاح بصفقة أسلحة تشيكية مع الاتحاد السوفييتي في
1955، ونشط دور الأزهر في نشر الإسلام في أفريقيا وآسيا، كما دعت مصر لعقد أول مؤتمر
للتضامن لدعم الشعوب العربية والأفريقية في أكرا عاصمة غانا عام 1955.
ولفت إلى أن
مصر دعمت ثورة العراق وتحرير الكويت وثورة اليمن واستقلال الصومال وساندت الشعب الليبي
في القضاء على الملكية وكذلك دعمت تونس والجزائر والمغرب والكونغو للحصول على الاستقلال
والتي كانت مثالا قاسيا للآلام التي يسببها الاستعمار البلجيكي، مؤكدا أن مصر لعبت
دورا كبيرا في الخمسينيات والستينيات.
وأكد أن الرئيس
عبد الفتاح السيسي والذي يتولى حاليا رئاسة الاتحاد الأفريقي يلعب دورا كبيرا في إعادة
أفريقيا لمصر حيث أن قوة مصر تنبع من أفريقيا، مضيفا إن هناك مشروعات تنموية للربط
بين مصر والدول الأفريقية عبر الربط الكهربائي وطريق القاهرة -كيب تاون، إلى جانب الاهتمام
بالبنية التحتية.