تقرير: عمرو محيى الدين
النجم الأسمر أحمد زكى كان لا يستغنى عن التمثيل كأنه الهواء الذى يتنفسه والماء الذي يشربه، فقيل إنه لو توقف عن التمثيل سيصيبه الجنون، ولم يبال بالنجومية يوما أو يحزن إن لم يحقق أحد أفلامه أعلى الإيرادات، فكان كل شاغله هو تقديم دور يعجب جمهوره ومحبيه، لم تغره نجوميته يوما فكان دائم القلق على المستقبل وما هو آت، فلم يرض رضاء تاما عن أعماله الفنية مهما أشاد النقاد بها حتى إذا وصفوا أداءه بأنه عالمياً.
طموحه كان بعيدا جدا لا يختلف عن دوره فى " النمر الأسود" وكان زعيما بفنه بشكل ليس ببعيد عن أدوار الزعماء التى جسدها فى أفلامه، لم يطمئن يوما بنجاح ولم يهدأ قلبه بنقد جيد ولم ينم نوما سعيدا هانئا بعد أن حقق فيلما من أفلامه إيرادات عالية، فكان دوما ينظر إلى الأمام ويرمي ما مضى وراء ظهره دون شعور بالنجومية منذ بدايته وحتى رحيله.. قال الكثير من الفنانين والنقاد عنه إنه يمثل بكل حواسه وكأن كل عضو فى جسده يمثل معه..
محطات هامة فى تاريخ النمر الأسود أحمد زكي " هالو شلبي" "أبناء الصمت" "شفيقة ومتولي " عيون لا تنام" " العوامة 70"واسكندرية ليه" "طائر على الطريق"وموعد على العشاء" ومسلسلا "هو وهي" و"الأيام" وأفلام و"البريء" و "الهروب" و" انا لا اكذب ولكنى اتجمل" و "الحب فوق هضبة الهرم" و"أحلام هند وكاميليا" و"زوجة رجل مهم"و" النمر الأسود" و "التخشيبة" و "ضد الحكومة" و"البيضة والحجر" و"مستر كاراتيه" و"الامبراطور" و"أولاد الايه" و"الباشا" و"المخطوفة" و"شادر السمك" والبيه البواب" و" 4 فى مهمة رسمية" و"البداية" و"كابوريا" و"امرأة واحدة لا تكفى" والراعي والنساء" و"استاكوزا" و" سواق الهانم" و"البطل" و "ناصر 56" و" اضحك الصورة تطلع حلوة" و"أيام السادات"وأخيرا "حليم".. إلا أنه فى كل تصريحاته كان يؤكد أنه لا يسعى إلى النجومية بل لا يحبها... رصدت الكواكب جوانب فى حياة أحمد زكي تؤكد أن النجومية والجوائز والأموال لم تكن فى حساباته بقدر سعيه إلى ترك كنز حقيقى وهو حب الناس.
كيف كان يري النجومية
- عندما قدم فيلم الحب "فوق هضبة الهرم" لم يستمر فى دور العرض أكثر من 10 أسابيع بينما استمر شادر السمك 25 اسبوعا وتم عرضهما فى نفس التوقيت إلا أن الأول لم يحقق الإيرادات الكبيرة فى شباك التذاكر ورغم ذلك أصبح من كلاسيكيات السينما المصرية ووقتها علق أحمد زكي فى تصريحاته " عادي الفن أذواق والناس تختلف أذواقهم وياريت نقدم أفلاما تتفق عليه كل الأذواق ولكن هذا مستحيل"
- عندما عرض فيلمه "النمر الأسود" بالتزامن مع عرض "الحريف" لعادل إمام قال فى تصريحات صحفية " الجمهور كان لحم فوق فى بعضه فى فيلم النمر الأسود ورغم ذلك لم تخدعنى الإيرادات ولم أقل " أنا أجدع من عادل إمام!" وأكد أن فيلم الحريف كان له بعد سياسي واجتماعي بشكل أكبر.
أثناء عرض فيلم "صعيدي فى الجامعة الأمريكية" كبداية لظهور موجة شبابية جديدة فى السينما حقق إيرادات - أكبر من فيلمه " اضحك الصورة تطلع حلوة" وسألوا أحمد زكي عن رأيه وتقييمه للتجربة فقال: إننا نتعرض للذبح بسكين تفوق الإيرادات، ونجوم جيلي هم من فعلوا ذلك وأطلقوا على أنفسهم ألقابا جماهيرية وكانوا يعلقون على أبواب دور العرض لافتات تحمل إيرادات أفلامهم ويقولون أنا أحسن من فاتن حمامة وسعاد حسني ولا يقبلون كلمة نقد واحدة، الأمر الذى لم يفعله أحمد زكى فى تاريخه السينمائي، وذكر وقتها " محمد هنيدي" تجربة حلوة لازم نفرح بيها.. أنا نفسى أنتج فيلم للناس دي ، ولكن ينبغى أن يقدم المنتجون أفلاما لكل الأذواق وليست الشبابية فقط؟
- فى أحد حواراته الصحفية قال باللفظ "ملعون أبو النجومية بكرهها".. ورأى أن النجم هو الذى يتحمل وحده مسئولية اختياراته، واضاف: أنا أريد أن أستمتع بالفيلم الذى اقدمه أكثر من المشاهد حتى لو لم يدخل الفيلم أحد سأكون سعيدا، وعندما أستمتع أنا سيستمتع من يجلس على القهوة وأنا مشاهد سخيف لنفسي وأحيانا أنظر لنفسي فى المرآة بعد أى فيلم من الأفلام وأقول " مالك يا ابنى إيه اللى حصلك.. ما انت كنت كويس يا أخي"
وذكر أيضا" يا ويلك لو اصبحت نجما" الممثل فينا عينه على الشارع بيرصد نفسه ويرصد الآخرين على قدر مستوياتهم وأنا شباكي ستايره حرير وراضي بيه فى الوقت الذي يوجد فيه شبابيك كبيرة وبلكونات وأنا أشبه نفسي بصاحب محل له زبائنه ومقاعده محدودة ولكن سمعته جيدة وأنا "راضي بجمهورى وجمهوري راضي بى".
عندما سئل عن علاقته بالصحفيين قال الفنان الذي يريد من الصحفي كلاما معسولا طوال الوقت لا يفقه شيئا، ويا بخت من بكاني وبكى الناس علي ولا اللى ضحكنى وضحك الناس علي
عندما وصل زكى إلى أوج نجوميته كان يقول فى تصريحاته أنا حتى اللحظة لم أمثل و"نفسي أمثل"
نفى أى خلافات مع الفنان عادل إمام وقال أتمنى أن أقدم فيلما من انتاجي لعادل إمام هو نجم الشباك الأول وحتى لفظ شباك صغير عليه فهو أثرى الحياة الفنية والمسرحية والسينمائية وأنا مش أحسن من عادل إمام
بعد تسريب فيلم " أيام السادات" وقت طرحه بدور العرض لم يبال بالخسارة المادية ولكن وقع فى دائرة اليأس والإحباط وقال القضية ليست فى الخسائر المادية بل هى قضية فنية اقتصادية فى المقام الأول وطالما من فعل ذلك هرب من طائلة القانون سيتكرر الأمر مرارا، وجريمة تهريب العمل الفنى لا تقل جرما عن تهريب الأموال، وأكد أن معينه الفني لم ينضب وأنه لا يزال بداخله أشياء وأشياء لم يقدمها للناس
رفض عرض يقدر بثلاثة ملايين جنيه لتقديم قصة حياته على إحدى الفضائيات وكان ذلك بعد عرض فيلمه أيام السادات وقال وقتها لم أنته من مشواري الفني ومازلت فى منتصف الطريق وعندما أفكر فى تقديم سيرتى الذاتية فى عمل فنى سيكون ذلك آخر عمل أقدمه للجمهور وسأعتزل بعده.
وعن رأيه فى النقد قال فى أحد تصريحاته: كل ما أتمناه هو أن نصبر على النقد أو المدح حتى نرى العمل السينمائي للنهاية ووقتها سيتسع صدري لمختلف الآراء ويسعدنى أى نقد ما دام بناء وهادفا مؤكداً أنه متحمس للنجوم الجدد ويسعده نجاحهم لأن الفنان الواثق من نفسه وفنه لا يقلقه نجاح الآخرين.
فى أحد تصريحاته قال أنا لا أعمل سوى عمل واحد فى العام وأحيانا كل عامين فى حين أن أى فنان آخر بعد مرحلة النجومية يعمل فى العام أكثر من مسلسل تليفزيوني فى الداخل والخارج وبالعملة الصعبة هذا إلى جانب الأدوار السينمائية طوال العام الأمر الذى لا أتبناه أبدا فى حياتي
مهما وصلت نجوميته فلم يبحث عن المادة أبدا حتى أنه قال إذا كان النجم يبحث وراء المادة ما الذي يجعله يرفض بعض الأفلام ويقبل بعضها وأعتقد أن لدي النجم أشياء فنية قيمة يمكن الحديث عنها خلاف أجره.
لم يتدخل يوما فى سيناريو الأعمال السينمائية إلا إذا كان فى صالح العمل فيقول: أتدخل فقط عندما أضيف للحس الجمالى للعمل الفني والنجم لا يتصرف داخل الكواليس من منطلق الغرور ولكن للحفاظ على المستوي الفني والجماهيري الذى تركه ولو اعتمد النجم الحقيقى على الغرور فإنه ما يلبث أن يتلاشى هذا الغرور بعد ذلك. لم يتدخل أيضا فى إخراج الأعمال السينمائية وكان يرى أن المخرج هو سيد العمل بلا منازع وأن العمل الفني ينسب إليه فى النهاية.
مهما وصل من النجاح فإن النجومية لم تطمئنه يوما فكان دائم القلق على أعماله التى يقدمها ويحرص من خلالها على إرضاء جمهوره فكان يقول أخشى أن يفلت من بين أصابعي النجاح الذى حققته وأن يقبع لو أهملته وهذا القلق الذى أعيش فيه هو منتهى السعادة بالنسبة لي.
بعد نجاح فيلمه الراعي والنساء قال رضاء الناس على عيني ورأسي وهذه هي جائزتي الأولي والحقيقية وإذ لم أكن قد أخذت جائزة عن الفيلم فإن احتفاء الجمهور بالفيلم وكلامهم عنه هى جائزتي.
حين حضوره أحد المهرجانات حصل فيلم "الكيت كات" للفنان محمود عبدالعزيز على جائزة ولم يحصل فيلمه " الراعي والنساء" على أى جائزة فقال: أنا أحببت حضور المهرجان لكى ألتقى بأصدقائى وأحبائى ويكفى انى التقيت بصديقى محمود عبدالعزيز وجلوسي مع كبار الفنانين وكذلك الشباب يكفينى " سيبك من الجوايز والكلام ده"، فيكفينى أن ألتقى بداود عبدالسيد ومحمد خان وصلاح أبو سيف وعاطف سالم وعاطف الطيب بعيدا عن الكاميرا.
قال أنا لا أجهد نفسي وأعصابى بحثا عن جائزة لم تأت فالجائزة فى النهاية هى شىء تقديري ومعنوي للفنان إذا جاءت لى سأفرح بها وإذا ذهبت لغيرى سأسعد أيضا، فالفنان الحقيقى أكبر من الصراع
عند سؤاله عن أدواره قال أنا أقدم روح الإنسان فى كل حالاته وأنماطه فالإنسان هو هدفي الأول
بعد حصوله على جائزة أحسن ممثل عن فيلم "الهروب" وسئل عن إحساسه به قال " والله العظيم إحاسس أننى لم أفعل شيئا هذا هو احساسى الوحيد، ولا أعرف هل هذا مرض أحتاج فيه للعلاج. فبعد كل عمل فنى ينتابنى إحساس بأننى لم أفعل شيئا، فطموحاتي كبيرة وضخمة ولم أحقق منها شيئا فلا سعادة ولا فرح ولا قناعة بنجاح متحقق.
وعن أحمد زكي الإنسان كان يقول: أمضي حياتى كأى إنسان عادي التقى بابنى هيثم افسحه وأعود إلى بيتي أقرأ السيناريوهات وأهرب من الفن إلى الفن فلا مهنة لي غيره.
كان زبونا دائماً على الأوتيلات ففى بدايته كان نزيلا على لوكاندات وسط البلد، وبعد الشهرة أصبح نزيلا على فنادق تقع على النيل ولكن كان يقول يظل أحمد زكي هو أحمد زكي ولن يتغير فيه شيء.
بعد أن أصبح نجما كبيرا لم ينس أهله وأقاربه فى الحسينية بالزقازيق ولم تلهه شهرته يوما عن أقاربه البسطاء حيث كان حريصا على إرسال مدير أعماله محملاً بالهدايا والذبائح خاصة فى الأعياد والمواسم إلى أهل بلدته.
قال عنه الناقد طارق الشناوي فى كتاباته إن أحمد زكي كان قارئا نهما لكل ما يكتب عنه ويتسامح مع كل الآراء ومع كل من يخالفونه الرأي.
سأله أحد الصحفيين يوما بماذا تحب أن أناديك الفنان أحمد زكي أم الرئيس السادات أم الزعيم جمال عبدالناصر أنا أحمد زكي البنى آدم مع كل احترامي للشخصيات التى جسدتها.
- عندما سئل الفنان القدير عن أكثر الأشياء التى تسعده لم يقل نجاح أفلامه ولم يفكر فى الرد على أعماله بل قال بمنتهى البساطة والتواضع عندما أقابل ابنى هيثم ونجلس معا نأكل الكشري مع بعض.
- في أحد لقاءاته فى برنامج ليلتي الذى كانت تقدمه الإعلامية أميرة عبدالعظيم ذكر حكاية له مع ابنه هيثم عندما كان يحدثه بعد أحد أفلامه وقال لابنه أنا الحمدلله هسيب لك ثروة عظيمة هى حب الناس.