تربط مصر
والولايات المتحدة علاقات إستراتيجية وثيقة استمرت على مدى العقود الأربعة الماضية،
شهدت فترات ازدهار وفترات تراجع مع تعاقب الإدارات المختلفة بالبيت الأبيض، حيث
أدت فترة حكم الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما إلى تدهور العلاقات بين القاهرة
وواشنطن الذي اتخذت إدارته مواقفا عدائية تجاه الدولة المصرية وإرادة الشعب المصري
في ثورة 30 يونيو.
وبعد
انتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيسا للبلاد في 2014، اتصل الرئيس الأمريكى أوباما
بالرئيس هاتفيًا وهنأه على تنصيبه وأكد التزامه بالعمل معا من أجل تدعيم المصالح المشتركة
بين البلدين، إلا أن العلاقات بين البلدين ظلت في حالة تدهور، ففي الحوار الأخير
لأوباما مع مجلة "ذا أتنلانتك" حيث قال إن إيران
هي القوة الكبرى الجديدة في الشرق الأوسط.
وأثناء زيارة
الرئيس عبد الفتاح السيسي للولايات المتحدة في سبتمبر عام 2016 خلال فعاليات
الجمعية العامة للأمم المتحدة، استقبل في مقر إقامته بنيويورك المرشح الجمهوري دونالد
ترامب قبل فوزه بانتخابات الرئاسة الأمريكية، والذي أكد أن الولايات المتحدة في حالة
فوزه في الانتخابات الرئاسية ستكون صديقاً وحليفاً قوياً يمكن لمصر الاعتماد عليه خلال
السنوات المقبلة.
وبالفعل
بعد نجاح ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر 2016، كان الرئيس
السيسي من أوائل المهنئين له، حيث أعرب عن أمله في "بث روح جديدة" في العلاقات
المصرية– الأمريكية، وبدأت علاقات الدولتين تستعيد زخمها، عبر مجموعة من اللقاءات والقمم الثنائية.
وفي ديسمبر 2016، قبيل تنصيب ترامب
رئيساً للولايات المتحدة، تلقى الرئيس السيسي مكالمة هاتفية من دونالد ترامب، وتم التطرق
خلال الاتصال إلى مستقبل العلاقات المصرية الأمريكية، وشهدت البلدين زيارات
متبادلة بين المسئولين.
وتعمقت العلاقات والمشاورات بين
الرئيسين وتبادل وجهات النظر، نظرا للدور المحوري لمصر في منطقة الشرق الأوسط، وأفريقيا،
والعالم الإسلامي، وظل التنسيق والتشاور المصري الأمريكي قائما في كافة قضايا المنطقة،
خاصة ما يتعلق بالقضية الفلسطينية والأوضاع في سوريا ولبنان والسودان والعراق وإيران،
فضلاً عن مكافحة الإرهاب.
البداية
بداية العلاقات الدبلوماسية كانت مع افتتاح القنصلية الأمريكية في مصر
عام 1849، حيث حافظت الولايات المتحدة على وجود قنصلي وشبه دبلوماسي في القاهرة من
خلال "وكيل وقنصل عام"، وبعد تصريح فبراير 1922، الذي حصلت مصر بموجبه على
استقلالها، اعترفت الولايات المتحدة باستقلال مصر في 26 أبريل 1922 وأقيمت العلاقات
الدبلوماسية بين الدولتين، وفي عام 1946 تم تعيين محمود باشا حسن أول سفير لمصر في
واشنطن.
وشهدت العلاقات المصرية الأمريكية تطوراً
كبيراً منذ الحرب العالمية الثانية حتى الآن، فقبل ثورة 23 يوليو 1952 استضافت القاهرة في 22 نوفمبر
1943 "مؤتمر القاهرة الأول" الذي عقده الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت بمشاركة
الزعيم البريطاني ونستون تشرشل والزعيم الصيني شيانغ كاي تشيك.
وبعد أسبوعٍ واحد، عاد روزفلت إلى القاهرة
في الفترة ما بين الثاني والسابع من ديسمبر، مرة لحضور مؤتمر القاهرة الثاني حيث حضره
مع تشرشل مرة أخرى، إلى جانب الرئيس التركي عصمت إينونو، حيث تناول المؤتمر آنذاك المساهمات
التي تستعد أنقره تقديمها آنذاك لخدمة الحلفاء في الحرب العالمية الثانية.
ولم تتوقف زيارات روزفلت لمصر عند هذا
الحد، فقد عاد إليها مرةً أخرى في منتصف فبراير عام 1945، ولكن هذه المرة كانت الزيارة
للإسكندرية إضافةً إلى البحيرات المرة وقناة السويس، حيث اجتمع مع ملك مصر فاروق الأول
وإمبراطور إثيوبيا هيلا سيلاسي وملك السعودية عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل
سعود ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل.
نيكسون يجري الزيارة الأولى بعد
ثورة 23 يوليو
وخلال حكم الرئيس الراحل جمال عبد
الناصر، تدهورت العلاقات بين البلدين، ففي 6 يونيو 1967 قطعت (الجمهورية العربية المتحدة)
العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة، وذلك في أعقاب حرب يونيو 1967، إلى أن
تم استئنافها في عهد الرئيس الراحل أنور السادات في 28 فبراير 1974 بعد اتفاق حكومتي
مصر والولايات المتحدة على استئناف العلاقات الدبلوماسية من جديد.
حيث
أجرى الرئيس الأمريكي الراحل ريتشارد نيكسون عام 1974 أول زيارة رسمية يقوم بها رئيس أمريكي لمصر بعد ثورة
يوليو 1952 لبحث الموقف في الشرق الأوسط والعلاقات الثنائية بين البلدين، وكانت
هذه الزيارة نقطة تحول في العلاقات المصرية الأمريكية خاصة، والعلاقات المصرية
الخارجية عامة، حيث ألغى بعدها السادات معاهدة الصداقة مع الاتحاد السوفييتي.
"كارتر"
وسيط السلام
وبعدها
بدأت العلاقات المصرية في التطور، وخاصة مع بدء السادات مباحثات السلام مع
إسرائيل، وتوقيع اتفاقيات السلام المصرية الإسرائيلية في كامب ديفيد في 1978، خلال
حكم الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، الذي لعب دورا بارزا في رعاية المباحثات والوساطة
حتى توقيع اتفاقية السلام في 1979.
وأجرى
كارتر الزيارة الرسمية الثانية لرئيس أمريكي إلى مصر، في 8 مارس 1979 واستقبل
استقبالاً شعبياً، حيث ألقى خطابا بمجلس الشعب، أكد التزامه بالحل الشامل، وبحقوق الشعب
الفلسطيني، استغرقت الزيارة ثلاث أيام، وبعدها غادر كارتر إلى إسرائيل ثم عاد إلى
القاهرة لإبلاغ السادات بنتائج مباحثاته هناك.
وعلى
إثر هذه الزيارة توجه الرئيس السادات إلى البيت الأبيض للتوقيع على معاهدة السلام في
السادس والعشرون من مارس ١٩٧٩، والتي بموجبها تم إنهاء حالة الحرب وإقامة علاقات ودية
بين مصر وإسرائيل، وانسحاب إسرائيل من سيناء التي احتلتها عام 1967.
أما
بقية الرؤساء الأمريكيين، فلم يزر ريجان مصر مطلقاً وكذلك خليفته جورج بوش الأب،
أما كلينتون فزار مصر عام 1996، وكذلك أجرى جورج بوش الابن زيارة إلى مصر أيضا في
2008، كما أجرى باراك أوباما زيارة إلى القاهرة أيضا في يناير 2009، حيث ألقى
خطابا في جامعة القاهرة حينها.
السيسي
وترامب
بعد
المواقف العدائية التي اتخذتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما تجاه
الدولة المصرية بعد ثورة 30 يونيو، بدأت العلاقات بين البلدين تستعيد قوتها خلال
حكم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حيث نجح الرئيس عبد الفتاح السيسي في استعادة
مكانتها الدولية والإقليمية.
حيث
جمع السيسي وترامب على مدار السنوات الثلاث الماضية حتى قمة السبع بفرنسا الشهر
الماضي نحو 7 لقاءات، بدأت في سبتمبر 2016 حيث اللقاء الأول على هامش فعاليات
الجمعية العامة للأمم المتحدة، وعقب اللقاء غرد الرئيسي الأمريكي ترامب على موقع
"تويتر" معبرًا عن سعادته بزيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي، قائلا
"شرف كبير أن يُستقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في البيت الأبيض، وعودة
قوية للعلاقات المشتركة بين أمريكا ومصر".
وخلال
زيارة الرئيس السيسي إلى واشنطن أبريل الماضي، أشاد ترامب بـ"العمل العظيم"
الذي يقوم السيسي، وخاصة في مجال مكافحة الإرهاب، كما شكر ترامب الرئيس السيسي لوجود
ما وصفه بالتسامح الديني وحرية العبادات في مصر.
وكان
آخر القمم الثنائية للرئيسين في فرنسا الشهر الماضي على هامش قمة مجموعة السبع، حيث
توافق الرئيسان على أهمية التوصل إلى حلول سياسية للأزمات في ليبيا وسوريا.
ومن المرتقب أن يعقد الرئيسان لقاءا جديدا على هامش فعاليات الدورة الـ74 للجمعية العامة للأمم المتحدة، بعد أن وصل الرئيس السيسي في الساعات الأولى من صباح اليوم إلى نيويورك للمشاركة في الجمعية العامة للمنظمة الأممية.