الإثنين 20 مايو 2024

المفتي: مؤسسات الإفتاء والمجامع الفقهية تمارس دورا مهما في قيادة الحوار بين الأديان

أخبار24-9-2019 | 12:00

أكد فضيلة الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية أن المؤسسات الإفتائية والمجامع الفقهية والشرعية تمارس دورا مهما في تأليف قلوب بني البشر وقيادة الحوار بين الأديان؛ لتحقيق التعايش الحضاري ونزع فتيل الفكر التكفيري وتحقيق السلم في حياة الشعوب كلها.


وقال علام - في كلمته خلال مشاركته في أعمال المؤتمر العلمي الدولي السابع بعنوان (الإسلام في زمن العولمة.. التراث الإسلامي وحوار الثقافات)، والذي بدأت فعالياته أمس الأول الأحد، في العاصمة الروسية موسكو وتختتم اليوم الثلاثاء - "إن النموذج المعرفي الإسلامي يدعو إلى عدم الالتفات إلى وجود فروقات لغوية أو عرقية أو طبقية، وإنما يتفاضل الخلق بأعمالهم التي يكونون قريبين فيها من الخالق جل وعلا؛ وقال تعالى: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم إن الله عليم خبير}".


وأشار إلى أن المسلمين استطاعوا عبر كل المراحل التاريخية تفعيل هذه الرؤية والرسالة بمشاركة الحضارات والأمم بما تحويه من ثقافات متنوِّعة وأديان متعدِّدة وأعراف مختلفة، وقد تأصلت وتأكدت هذه المشاركة في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (إِن الله عز وجل بعثَني رحمة لِلناسِ كافة).


وأضاف أن التأسيس للعلاقة والشراكة والتواصل يقتضي أولا وقبل كل شيء قيام الحوار البناء بين الأديان والثقافات، ففي كل ثقافة من الثقافات وحضارة من الحضارات تم تناول هذا الحوار طبقا للمنهج الذي تصطبغ به، وكانت الحضارة الإسلامية أدق الحضارات وأكثرها وعيا لمسوغات بناء هذا الحوار، فوضع الإسلام الأسس والقواعد والأحكام الضابطة للتعامل مع الأديان والثقافات الأخرى، وكانت نقطة انطلاقه دائمًا المبادئ الحاكمة للإسلام، ومنها مبدأ التعايش في جميع الأحوال والأزمان والأماكن، كمبدأ إنساني وأخلاقي وديني؛ فأصبح المسلمون في تناسق واندماج مع العالم الذي يعيشون فيه.


وأوضح أن الأصل في هذا المبدأ كان قوله تعالى: {لا ينهاكم اللَّه عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرِجوكم من ديارِكم أن تبروهم وتقسطوا إِليهِم إن اللّه يحِب المقسطِين}، منوها بأن المنهج الإسلامي في التعايش والحوار مع الأديان والثقافات قد ظهر في سائر أرجاء التراث الفكري الإسلامي؛ حيث يعد هذا التراث منبعا غضا لاستخراج وسائل تعزيز الحوار بين الأديان والثقافات.


ولفت مفتي الجمهورية إلى أن الاستفادة بهذا التراث الفكري في هذا السياق يتعلق بعاملَين متلازمين، الأول هو فَهم الموروث الإسلامي، وذلك يأتي بعد المعرفة الكاملة به وتحليله واستخراج المنهج الكامن وراء نصوصه ومسائله، والوقوف على الدافع وراء هذه النصوص والقضايا والأحداث المتعلقة بالحوار مع الأديان والثقافات، مشيرا إلى أنه لابد في هذا السياق من معرفة عناصر العقلية التراثية، وكيف كانت رؤية المفكر المسلم للعالم؟، وما رأيه في قضايا التعايش والحوار مع الآخر؟.


وتابع "أن العامل الثاني الذي تتعلق به الاستفادة بالتراث الفكري الإسلامي في تعزيز الحوار بين مختلف الأديان والثقافات، هو امتلاك الأداة الضرورية اللازمة لفهم آليات التعامل معه، وذلك باستنباط النظريات والمناهج العلمية المتعلقة بذلك وإعادة النظر فيها وبناء أنساق تطبيقها على الواقع المتغيّر.. فالمتأمل في التراث الفكري الإسلامي يعرف أنه ككائن حي يتطور ويتفاعل مع محيطه؛ ويؤثر ويتأثر بمتطلبات عصره في ظل نموذج معرفي متكامل".


واستطرد "وفي مجال الشريعة الإسلامية إذا أمعنا النظر في صنيع فقهاء الصحابة وكبار التابعين والفقهاء المتبوعين، علمنا أنَّ مراعاة المقاصد الشرعية والأصول الكلية والنظر إلى المآلات في سائر التصرفات، كان منهجا واضحا مطردا يساعد على معرفة الحكم المناسب للواقع، وتجاوز ما لم يعد ملائما، وإن كان موروثا".


وضرب مفتي الجمهورية بعض الأمثلة على ذلك، بجمع القرآن في عهد أبي بكر، وكتابته في المصحف الإمام في عهد عثمان، والمقصد هو حفظ دستور الدولة الناشئة والمنبع الأول لهدي العالم وصلاحه، والمصدر الأساس للتشريع والنظام والقانون.. كما ضرب مثلا على عدم إقامة حد السرقة عام المجاعة، وذلك لما رآه عمر بن الخطاب من عدم استيفاء الشروط الضرورية الباعثة على التطبيق، والتي منها شبهة المجاعة الملجِئة إلى أخذ حق الغير بدون إذن منه للضرورة، والمقصد هو الرفق والتخفيف بمن اضطر إلى السرقة دون اختيار منه ومراعاة ظروف تطبيق الحكم كي يحقق أغراضه وفوائده.


وشدد على أنه بذلك نقف على أن أول الآليات اللازمة لاستخدام التراث الفكري الإسلامي عامة، هو أن نتعامل مع هذا التراث بطريقة تتجاوز الظاهرة الصورية أو الاجترارية إلى المنهجية الواقعية، ونعني بالظاهرة الصورية أن ننظر إلى الموروث بشكل عام باعتباره مقدسا صالحا لكل زمان ومكان، فننزل الفقه والاجتهاد البشري مثلا منزلة الشريعة المعصومة، وهذا خطأ منهجي بالغ لا يمت بصلة إلى منهج الأسلاف الصالحين، بل يوقع في كثير من المشكلات عندما تتم مواجهة تلك التراكمات التي ازدحمت بها حركة الحياة في مجالات معاصرة متعددة، أبرزها قضايا المرأة وقضايا المعاملات المالية والاقتصادية برمتها، وبخاصة المصرفية.


وأوضح أن من هذه المجالات أيضا، السياسة الشرعية والعلاقات الدولية، ومنها كثير من القضايا المتعلقة بالقضاء الشرعي وطرق الإثبات القضائية، حيث أن قدرا كبيرا مما كتبه الأسلاف الصالحون في هذه المجالات كان مرتبطًا ولصيقًا بالواقع الذي دون فيه، كما أن تلك الأحكام التي كان الواقع مكونا أساسيا من مكوناتها تتغير بتغير هذا الواقع، وهذا هو المعنى الحقيقي لصلاحية الشريعة الإسلامية لكل زمان ومكان.