ازدهت حقبة الأربعينيات والخمسينيات
بعدة ملحنين ساعدوا في حمل لواء التجديد الذي أحدثه موسيقار الأجيال محمد عبد
الوهاب، ومن هؤلاء المبدعين كان الموسيقار كمال الطويل، فهو الرجل الذي يلحن ما يحلو
له، وحسب ما يجيش به وجدانه، فكمال الطويل لم يكن يتقاضى أي مقابل من المطربين
لقاء ألحانه ، وفي ذكرى ميلاده نستعرض علاقته بأم كلثوم وكيف تمكن خبيث من قطع
العلاقة بينهما.
الطويل يخشى أم كلثوم
سعت أم كلثوم خلال مسيرتها الفنية إلى
التغيير والاستعانة بكل المدارس الشعرية والموسيقية، ومع بزوغ نجم كمال الطويل
فكرت في الغناء من ألحانه، لكنه كان يعلم أن أم كلثوم هرماً وأنه لن يقدر على أن
يقدم الجديد لها، وفي أول لقاء بينهما أزاحت أم كلثوم تلك الهواجس من قلب الطويل
وقالت له أن ينسى عند التلحين أنه يلحن لأم كلثوم، وطلبت منه التواصل الدائم معها،
وفي أحداث العدوان الثلاثي انتفض الطويل من حماسة الشعب المصري وجرأته في الدفاع
عنها تحت وابل قنابل المعتدين، وكان له شقيق ضابط بالجيش في منطقة القناة يخبره
بقصص النضال المصري ضد العدوان، فهاجمت الألحان الوطنية كمال الطويل وأسرع في
رصدها، ثم اتصل بصلاح جاهين، وما أن أسمع صلاح مقدمة اللحن إلا وقال للطويل سأكلمك
بعد دقائق.
أول ألحانه لثومة قنبلة وطنية
ولم تمر إلا دقائق قليلة وتلقى
كمال الطويل اتصالا من جاهين قال له فيه : اكتب يا كمال المطلع ده وابدأ في تلحينه
: والله زمان يا سلاحي .. اشتقت لك في كفاحي .. انهض واقول انا صاحي .. يا حرب
والله زمان .. انبهر كمال الطويل من روعة الكلمات وبدأ على الفور في التلحين، وبعد
قليل اتصل به جاهين مراتٍ ليخبره بباقي كلمات الأغنية، وانتهى الطويل من التحلين
وبقي اختيار الصوت الذي يشدو بتلك القنبلة الوطنية في وجه الأعداء، فاتصل بأم
كلثوم وأخبرها بما حدث فطلبت منه أن يحضر إليها بسرعة، وكانت أم كلثوم قد اتصلت
على الفور بعبده صالح وأحمد الحفناوي وإبراهيم عفيفي عازف الرق.
تلحين تحت صوت القنابل
فور حضوره إلى فيللا أم كلثوم طلبت
منه أن يسمعها اللحن وبدأوا في ترجمته مع الموسيقى، ثم طلبت منه أن يتم توزيعه
استعدادا للتسجيل، وذهب الطويل على الفور للموزع المبدع أندريا رايدر في منطقة
الزيتون وأخبره أنهم يحتاجون اللحن غدا للتسجيل، وطمأنه رايدر وأوفى بوعده، وفي
الصباح ذهبا إلى أم كلثوم التي كانت قد أحضرت فرقتها لإجراء بروفة كاملة، وبدأ
الطويل في تحفيظ اللحن لأم كلثوم، وفجأت أغارت الطائرات على القاهرة وألقت وابلا
من القنابل، فانطفأت الأضواء وانطلقت صفارات الإنذار مع دوي صوت القنابل ..
واندفعت أم كلثوم إلى شرفة الحجرة المتواجدين بها لترفع قبضتها وتلعن الطائرات
المغيرة، وانطلق خلفها كمال الطويل ليدخلها خشية أن تأتيها إصابة من شظية، لكنه
رأى الوطنية متجسدة في إصراراها على عدم الدخول وقالت له أتمنى أن أمسك بإحدى
الطائرات لأحطمها بيدى، وبعد أن هدأت تم استكمال تحفيظها للحن على ضوء خافت لشمعة
واحدة.
العدوان يستهدف الإذاعة
كان من المفترض أن يتم التسجيل في
اليوم التالي، وعندما تواصل الطويل مع مدير الإذاعة أخبره بأن مبنى الإذاعة مستهدف
من قبل قوات العدوان وخصوصا استوديو تسجيل الأغاني الوطنية، وهنا تساءل الطويل في
نفسه ، هل يعلم الأعداء أنهم يعدون للحن ثوري جديد ستغنيه أم كلثوم؟! وبعد أن أخبر
ثومة بذلك ازدادت إصرارا على التسجيل وقالت لو متنا أثناء التسجيل فهذا شرف لنا،
وفي وقت قياسي كان الجميع ومعهم الطويل في الإذاعة يسجلون أنشودة والله زمان يا
سلاحي، التي تغنى بها كل المصريين في ذلك الوقت ولسنوات طويلة، وأصبح اللحن بعد
ذلك هو السلام الجمهوري لمصر.
خبيث يغار من نجاح الطويل
دوى لحن كمال الطويل في كل إذاعات مصر
ليصل أيضا إلى أرجاء الوطن العربي، ويزيد مصر والعرب حماسة ضد الطغاة، وكانت أم
كلثوم تعلم أن الطويل لا يتقاضى أجرا عن ألحانه من أي مطرب، وفي جلسة له مع أحمد
بهاء الدين في بيتها أعدت له مقلبا طريفا واستطاعت أن تعطيه ظرفا به
شيك بمبلغ 600 جنيه مقابل تلحين أغنيته الأولى لها، وقد كان الطويل يتقاضى من
الإذاعة 50 جنيها فقط لأى لحن، كما أعطته ثلاث أغان كي يلحنها لها، وحدث أن سافر
الطويل أسبوعين مع زوجته إلى الخارج، وكانت هناك سهرات تحضرها أم كلثوم في منزل الكاتب
الصحفي مصطفى أمين، عبارة عن عشاء مرتين في الأسبوع يحضر فيه إحسان عبد القدوس
وأحمد رجب ومحمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ وأنيس منصور وموسى صبري، وقد غاب
كمال الطويل أسبوعين عن تلك السهرات، وما أن وصل إلى القاهرة إلا وأخبره خبيث أن
أم كلثوم قالت في أمسية أمام الجميع : حد يفهمني ، كمال الطويل سافر ازاي؟ وكمان
زوجته؟ في الوقت اللي فيه كتير ناس مرضى ولا يقدرون على السفر؟! .. وبعد أن سمع
كمال الطويل تلك الوشاية من صديقه الخبيث الذي غار من نجاحه مع أم كلثوم غضب بشدة
وانقطع عن أم كلثوم، وأخبر أهل بيته أن يردوا عليها بأنه ليس موجودا .. ومرت فترة
طويلة، واتصل به مصطفى أمين ليطمئن عليه ويخبره بسؤال أم كلثوم الدائم عنه، وبعد
إلحاح من أمين لمعرفة سر القطيعة، أخبره الطويل بما سمعه من صديقه، فانفجر أمين
ضاحكا وقال: ضحكوا عليك يا عبيط واستطاعوا بتلك الحيلة إبعادك عن أم كلثوم ليستفيدوا من ألحانك، لم
يحدث أبدا أن قالت أم كلثوم ذلك الكلام، ولتتأكد اسأل كل الحضور .. هنا ندم كمال
الطويل أنه سمع واقتنع بكلام صديقه الخبيث الغيور، وقد كان بإمكانه أن يقدم روائع
لحنية في فترة الانقطاع الماضية.