استقبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مساء اليوم الجمعة، بقصر الاليزيه البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، الذي يزور حاليا باريس في إطار جولة رعوية تشمل أيضا بروكسل وليون ومارسيليا.
وصرح السفير إيهاب بدوي سفير جمهورية مصر العربية لدى باريس ومندوبها الدائم لدى اليونسكو بأن لقاء البابا تواضروس بالرئيس الفرنسي اتسم بالودية وساده مناخٌ من الاحترام والتقدير المتبادل، في ضوء العلاقات الاستراتيجية المتميزة التي تربط بين مصر وفرنسا، وكذا ما يتمتع به البابا من مكانة روحية ودينية بوصفه رمزاً لمسيحيي مصر والكنيسة الوطنية المصرية.
وذكر السفير إيهاب بدوي أن لقاء البابا تواضروس بالرئيس الفرنسي، والذي امتد لساعة كاملة، شهد تناولاً لأوضاع الشرق الأوسط والمسيحيين فيه، لا سيما مع ما تشهده المنطقة من موجات العنف والإرهاب ضد الأقليات الدينية والإثنية فيها، ومخاطر التهجير الناجمة عن عدم استقرار الأوضاع الأمنية في عدد من دولها.
وفي هذا الصدد، أعرب البابا عن أسفه لأوضاع المسيحيين في تلك الدول جراء ويلات الإرهاب والصراعات، لافتاً إلى ما يمثله مسيحيو هذه الدول من عامل محوري يثري ثقافتها ويعزز تعدديتها ومن ثم فإنه من الأهمية بمكان أن يظلوا في أوطانهم.
وأكد البابا تمتع شعب مصر بالأمن والاستقرار على الرغم مما يحيط بمصر من محيط إقليمي مضطرب، منوهاً إلى أن مسيحيي مصر هم مكون أصيل لشعبها، ويعيشون مع إخوتهم المسلمين في ظل وطن واحد ومصير مشترك، لافتاً إلى المكانة الدينية لمصر في الديانة المسيحية كونها كانت ملاذاً آمناً للسيدة العذراء والسيد المسيح هرباً من الاضطهاد، ومؤكداً أن مصر اليوم باتت وستظل وطناً متسعاً للجميع ومفعماً بالمحبة لأبنائه ولزائريه.
وفي هذا السياق، ثمّن البابا الجهود المصرية لمكافحة الإرهاب، لافتاً إلى أن الوحدة الوطنية المصرية وتماسك الشعب المصري بجميع مكوناته يمثل حائط صد قوي أمام محاولات الإرهاب التي تستهدف تفكيك اللُحمة الوطنية المصرية، في الوقت الذي ستظل مصر فيه مُصانة بعناية الله ووحدة أبنائها الذين يحيون معاً منذ قرون عديدة في محبة وإخاء وتعاون. وأكد البابا تواضروس الثاني أن محاولات الفتنة التي تحاول الجماعات الإرهابية نشرها بين أبناء الأمة المصرية مصيرها الفشل.
وقد ثمن الرئيس ماكرون غالياً الجهود المصرية - الفرنسية والتنسيق القائم بين البلدين على أعلى المستويات في مجال مكافحة الإرهاب، مشيداً بدور مصر الفاعل في منطقة الشرق الأوسط وكونها دولة محورية تمثل نقطة توازن وعامل استقرار مهم لتلك المنطقة.
كما أثنى الرئيس الفرنسي على التعاون والتنسيق مع مصر في مجال تسوية الأزمات الإقليمية بالمنطقة على سبيل تحقيق الأمن والاستقرار لشعوبها، وهو الأمر الذي أكده البابا تواضروس، منوهاً إلى أن استقرار مصر بتاريخها وثقلها الديموجرافي يمثل صمام أمان لمنطقتها.
وقد استعرض البابا تواضروس الثاني الجهود المشتركة للأزهر الشريف والكنيسة القبطية الأرثوذكسية في إطار مبادرة "بيت العائلة"، وما تمثله من تجسيد عملي لروح التعاون البناء التي تسود العلاقة بين مسلمي ومسيحيي مصر، وهي المبادرة التي لاقت استحسان الرئيس الفرنسي، معتبراً إياها نموذجاً يحتذى به لترسيخ مبدأ التعايش السلمي والتآخي بين أبناء المجتمع الواحد.
وأشار البابا إلى أن مصر دولة شابة؛ فإلى جانب عراقتها التاريخية؛ فإن ثلثي شعبها من الشباب، وهو الأمر الذي يؤكد أهمية التواصل مع تلك الشريحة المجتمعية وإيلاء الاهتمام اللازم بالتعليم، مشيداً بالتعاون المصري الفرنسي في هذا المجال، ومعرباً عن التطلع لاِستمراره. وأوضح أنه حرص على عقد لقاءات خاصة مع شباب الجالية المصرية المسيحية في باريس؛ تعزيزاً للتواصل وحرصاً على الحوار المستمر مع الشباب.
وفي هذا الصدد، أكد الرئيس الفرنسي أهمية التعليم ودوره في بناء العقول وغرس قيم التعايش المشترك وقبول الآخر، منوها الى ما يوليه من اولوية للتعاون المصري الفرنسي في مجال التعليم.
وأضاف السفير ايهاب بدوي أن اللقاء تناول أوضاع الجالية المصرية المسيحية في فرنسا والتي أشاد الرئيس ماكرون باندماجها في المجتمع الفرنسي، كما مثل اللقاء فرصة لتعرف الرئيس الفرنسي على النشاط الرعوي الذي شهدته زيارة البابا إلى باريس، والذي شمل تدشين كاتدرائية "السيدة العذراء والملاك روفائيل" القبطية في باريس.
وقد أعرب البابا عن امتنان الكنيسة المصرية للسلطات الفرنسية في ضوء ما يحظى به شعبها ومؤسساتها من رعاية وتعاون وتيسير لأنشطتها على الأراضي الفرنسية، مشيداً بحُسن الاِستقبال والحفاوة التي حظيت بها زيارته إلى فرنسا، ومعرباً عن التطلع إلى اِستمرار روح التعاون والمحبة التي تسود علاقات الكنيسة القبطية المصرية بكافة المؤسسات الفرنسية الدينية والرسمية.
ومن ناحية أخرى، ذكر السفير إيهاب بدوي أنه في إطار إعلان عام 2019 عاماً ثقافياً مصرياً/ فرنسياً، والذي شهد العديد من الفعاليات والأنشطة الثقافية المصرية المتبادلة، فإنه جاري الإعداد لعرض أوبرا "مصر الطريق" في باريس خلال نوفمبر 2019، والتي تُعد سرداً فنياً منذ البشارة بمولد السيد المسيح (عليه السلام) وحتى رحلة العائلة المقدسة إلى مصر وما تضمنته من محطات مختلفة كعملٍ مصري خالص تضافر فيه نتاج إبداع أبناء مصر من مسلمين ومسيحيين.
الجدير بالذكر أن البابا تواضروس كان قد التقى اليوم برئيس مجلس الشيوخ الفرنسي "جيرار لارشيه" الذي أشاد بالدور المحوري لمصر في منطقة الشرق الأوسط، وجهودها لمكافحة الإرهاب ما يسهم في أمن واستقرار المنطقة ككل، كما أثنى على العلاقات المصرية - الفرنسية المتميزة التي تزداد عمقاً ورسوخاً، وتتشعب لتشمل مختلف المجالات على المستويين الرسمي والشعبي، لافتاً إلى العلاقات البرلمانية الوثيقة التي تربط بين البرلمان الفرنسي ومجلس النواب المصري والزيارات المتبادلة في هذا الصدد، بما تحمله من تعميق للبُعد الشعبي في العلاقات الثنائية.