الأربعاء 26 يونيو 2024

في مئوية أمير الرومانسية.. هل قضت السينما على عزالدين ذو الفقار؟

28-10-2019 | 06:50

تحل اليوم مائة عام بالتمام والكمال على ميلاد أمير الرومانسية في السينما المصرية عز الدين ذو الفقار، ذلك المبدع الذي أثرى السينما بأعمال لا تنسى، والمتابع لمسيرة عز الدين يجد أنه لم يكن فقط مخرجا، بل كان كاتبا للقصة والسيناريو ومنتجا، فمن جدية الجندية دلف عز الدين إلى رحابة الرومانسية عبر فن السينما، فهل كانت السينما هي العامل الأول في مرضه وفشله في زيجاته وعجلت برحيله عن عمر يناهز 44 عاما؟ في السطور التالية نكشف الكثير من مشواره الفني وحياته الشخصية وتأثير السينما عليهما.

 

روى عز الدين ذو الفقار لملجة الكواكب في عدد 2 يونيو 1953 كيف سحرته السينما وأخرجته من عالم الجدية والإلتزام في الجيش بعد أن أصبح ضابطا به ليعمل بها مساعدا في الإخراج بعد أن صحبه صديقه المخرج كمال سليم الاستوديوهات ليرى كيف تصنع الأفلام، فقد كانت شغفه الأول بعد تخرجه في الكلية الحربية، وكان يداوم على مشاهدة السينما وبلغ به التمكن من أن ينتقدها بينه وبين نفسه، وهذا يبين عدم رضاه على العديد من المشاهد قبل أن يدخل إلى عالم السينما.

 

بدأ عز الدين رحلته كمخرج سينمائي بفيلم "أسير الظلام" الذي ألف هو قصته وكتب له السيناريو، ولأن الفيلم هو وليده الأول في ذلك العالم الساحر فقد اعتز به، وبعد نجاحه وعرضه في فبراير عام 1947، أراد عز أن يعيد الفيلم مرة أخرى للحياة، فاختار الفنانة نجاة الصغيرة ليضفي على الفيلم بعدا غنائيا ببطولتها، واختار لاعب الكرة الشهير صالح سليم ليشاركها البطولة، ولنؤكد أن السينما أنهكت قوى عز الدين ذو الفقار وحطمته، فسنروي ثلاث مشاكل لاقاها عندما بدأ الإعداد للفيلم.. أولها حدثت بينه وبين زوجته الثانية كوثر شفيق معركة كبيرة بسبب غيرتها من نجاة الصغيرة التي كان يقضي معها عز الدين الكثير من الوقت ليلقنها دورها، فقد كانت نجاة تسكن معه في نفس العمارة، وفي مقال كتبه صديقه جليل البنداري أكد أن كوثر اقتحمت شقة نجاة وأحدثت ضجة كبيرة اعتقادا منها أن زوجها وقع في غرام مطربة الفيلم، وطلبت من عز الطلاق، وهنا تدخلت مجلة الكواكب وحاولت تهدئة الأمر بينهما من خلال حوار مع عز في عدد 15 مارس 1960، وأوضح عز خلاله أنه وهب حياته للسينما ولا يجد نصف ساعة ينام فيها، واعترف أنه مقصر في حق زوجته كوثر، فهو يؤلف ويخرج وينتج، وأحيانا يترك البيت عدة أشهر حتى يختلي بنفسه لينتهي من القصة، ثم يعود ليبدأ في الإخراج، وأن شكوك زوجته نحوه ليست في محلها، فهو يقترب من كل نجمات أفلامه ويعيش هو في دور البطل قبل التصوير حتى يتأكد من نجاح العمل.

 

وربما كانت الجملة الأخيرة هي سر خلود أفلام عز الدين في السينما، إضافة إلى اهتمامه بكل تفصيلة في الفيلم، ولجأت كوثر شفيق إلى الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس تشكوه من إهمال عز لها، فما كان منه إلا أن أوضح لها أن حياة عز الدين وغرامه هي السينما، ورضت بحالها معه .. ثم كانت معركته الثانية مع النقاد الذين لاموه على اختيار صالح سليم لبطولة الفيلم، فأكد لهم أنه يقوم بتحمل نتيجة اختياره وواثق من آداء سليم بعد أن دربه على مشاهد الفيلم .. ومعركته الثالثة والأخيرة كانت مع الكاتب والشاعر الكبير كامل الشناوي، فقد رفض أن يعطيه أغنية "لاتكذبي" لتغنيها نجاة في الفيلم، اعتقادا منه أنه غريمه في الهوى الأفلاطوني للبطلة، مما جعل عز الدين يدفع مبلغا طائلا ثمنا للقصيدة بعد أن تدخلت نجاة لتقنع الشناوي، مما جعل الأخير يكتب قصيدته الثانية في عز الدين وهي قصيدة "حبيبها" .. حدث كل ذلك وأكثر في فيلم واحد، فغزت الآلام قلب وجسد عز الدين ذو الفقار.

 

أصيب عز الدين ذو الفقار في شبابه بالروماتيزيم، وفي بداية الستينيات تمكن منه المرض وأقعده 40 يوما في البيت، ونقص وزنه 30 كيلو جراما، وروى أن الروماتيزم لازمه طوال حياته، وكان عقبته الوحيدة التي حالت دون تنفيذ وإخراج فيلم الناصر صلاح الدين، ورغم نوبات المرض فقد كان يسير على آلامه ليكمل أفلامه، ومنها فيلم "نهر الحب" الذي أخرج مشاهده الأخيرة وهو على كرسي متحرك، أما فيلم "إني راحلة" فقد أصر عز الدين أن تبقى البطلة مديحة يسري في الكوخ الذي يجمعها بحبيبها بعد أن تشعل فيه النيران، وأعد بابا لها للخروج بعد أن تتصاعد النيران ليكون المشهد أكثر واقعية، فانهار سقف الكوخ على مديحة يسري وعز الدين أثناء التصوير ونجا من الموت بعد تدخل فريق العمل وسيارة الإطفاء التي استعان بها قبل التصوير.


اتسمت معظم أفلام بالوجد الدفين الذي يثير الشجون ويجعل الدموع تنهمر من أعين الجمهور، ولا يعرف أحد أن عز الدين نفسه كان يعيش كل مشهد من مشاهد أفلامه، وهذا ما يميزه عن أقرانه من المخرجين، ورغم إرساءه للرومانسية في السينما العربية بأفلام " نهر الحب وإني راحلة وبين الأطلال ورد قلبي وطريق الأمل" إلا أنه أحدث التنوع بأفلام الحركة والأكشن التي أخرجها، ومنها "الرجل الثاني وقطار الليل وبور سعيد"، ومن الأعباء التي أحبطت عز الدين وزادت من آلامه هي عدم تمكنه من إكمال تصوير فيلمه الأخير "موعد في البرج"، حيث أكدت زوجته الثانية كوثر شفيق أنه اضطر إلى تكليف غيره بإتمام الفيلم نظرا لمرضه الشديد، وتحت إلحاح بطل الفيلم شقيقه صلاح ذو الفقار، وعندما عرض الفيلم لم يرض عنه عز الدين، ورغم ذلك حاول مواساة نفسه بأنه سيعوضه بإخراج فيلم الناصر صلاح الدين، الذي أعد كل تفاصيله وجمله الحوارية، لكن القدر لم يمهله ليرحل في ريعان الشباب بعد أن سخر للسينما حياته وسنوات عمره.

 

بقى أن نرصد موقفا طريفا حدث بينه وبين جميل الباجوري الصحفي بمجلة الكواكب، والذي أجرى مع عز حوارا في عدد 13 فبراير 1962، فقد كانت زوجته كوثر على وشك الولادة، وسأله الباجوري في ختام الحوار: نفسك في ولد ولا بنت؟ فأجاب عز: كل اللي يجيبه ربنا كويس .. فقال جميل: لو كانت بنت، ناوي تسميها ايه؟ فأجاب عز: داليا .. فسأله الباجوري: ولو كان ولد .. وهنا رن جرس التليفون فابتسم عز وهو يرفع السماعة ويقول: لو كان ولد ح اسميه على اسم المتكلم الآن .. وصاح عز : "آلوو .. مين .. الدكتور شديد ؟ يا خبر اسود!!".