تحقيق: طاهـر البهـي
كان لحفلات أضواء المدينة فضل كبير فى تألق نجوم ونجمات الغناء المصري والعربي وإدخال السرور على الأسرة المصرية على اختلاف مستوياتها الاجتماعية حيث كانت تجد الأسر المتوسطة متعتها في حضور تلك الحفلات، أو الاستماع إليها عبر الراديو في سهرات تجمع الأهل والأصدقاء.
وبعد غياب استمر لأكثر من عشر سنوات لتلك الحفلات أعلنت الإذاعة المصرية عن تنظيمها للحفل بمدينة شرم الشيخ بمشاركة أنغام ووائل جسار ما أثار العديد من التساؤلا من قبل الملحنين والمطربين حول قدرة الفنانين على جذب الجمهور وإنجاح الحفل، لكن سرعان ما اعتذرت الفنانة أنغام عن إلغاء الحفل قبيل انطلاقه بوقت قصير.
فلماذا ألغى حفل أضواء المدينة؟ وما سبب غيابه طوال السنوات الماضية؟ وهل الإذاعة المصرية الآن قادرة على تنظيمه مرة أخرى؟ إجابة هذه الأسئلة، والقصة الكاملة لإلغاء الحفل تعرفها فى التحقيق التالى..
مؤخرا تم الإعلان عن عودة ليالي أضواء المدينة بمشاركة الفنانة أنغام والمطرب وائل جسار، وهما مطربان كبيران لا غبار عليهما، ولكن الملاحظات كانت قوية من حيث قدرتهما على تحريك الجمهور للذهاب إلى شرم الشيخ - مكان إحياء الحفل- كما كان الحال في الليالي الأولى لأضواء المدينة وقت أن كان يحييها كبار المطربين أمثال: عبدالحليم حافظ وفايزة أحمد والكبيرة نجاة الصغيرة وغيرهم من نجوم الطرب المصري والعربي، إلى أن حدث التطور المؤسف قبيل إقامة الحفل مباشرة حيث تابعنا على صفحة مطربة الحفل الفنانة "أنغام" اعتذارها عن السفر إلى مدينة شرم الشيخ حيث كتبت على صفحتها ما نصه: "تم إلغاء حفل أنغام ووائل جسار بشرم الشيخ نظرا لعدم التزام الجهة المنظمة – اتحاد الإذاعة والتليفزيون – بإرسال تذاكر الطيران ودفع أجور الموسيقيين والإقامة".
وكانت هذه الكلمات على قلتها سببا فى هجوم ضار على منظمى الحفل، وحاولنا الاتصال بقيادات إذاعية، وبأنغام نفسها، إلا أنه لم يجب أحد، وبعد نحو ساعتين تلقينا بيانا صحفيا يوضح بعض الحقائق الغائبة جاء فيه: "في محاولة جادة من الإذاعة المصرية لعودة أضواء المدينة لصالح صندوق تحيا مصر، فقد اتفقت الإذاعة مع منظم الحفلات وليد منصور والذى تقاضى من الجهات الراعية مبلغ 675 ألف جنيه للتعاقد مع الفنانين وحجز تذاكر الطيران والإقامة، لكننا فوجئنا بالمطربة أنغام تخرج على صفحتها "فيس بوك" ببيان تدين فيه الإذاعة واتحاد الإذاعة والتليفزيون، كما أرسلت رسالة صوتية لرئيسة الإذاعة أكدت فيها عدم حصولها على أي مستحقات.
رد رئيسة الإذاعة
وردت رئيسة الإذاعة نادية مبروك فى بيان رسمى أنها حرصت من البداية على أن يخرج الحفل بشكل يليق بالإذاعة المصرية ودورها التاريخي في حفلات أضواء المدينة، لذلك لم يبخل أحد على التنظيم بتجنيد كافة الإمكانيات البشرية والفنية وما جرى كان خارج عن إرادتنا لذا نعتذر لكل المستمعين والمشاهدين على وعد بالتصحيح وإقامة الحفل في وقت آخر بنجوم آخرين.
محمــد سلطـــان
ذهبنا إلى كبار المبدعين للأغنية المصرية الذين أحيوا حفلات أضواء المدينة في عصرها الذهبي وكان في مقدمتهم الموسيقار الكبير محمد سلطان الذي بادرنا بقوله: آن الأوان لكي نفكر بطريقة مختلفة عما نحن فيه، أضواء المدينة كان يتوفر لها نجومها الجاذبين للجمهور أمثال الراحل العندليب عبد الحليم حافظ وفايزة أحمد وشادية، لكن أين النجوم القادرين على استعادة جمهور الحفلات؟ بصراحة ليس لدينا نجوم قادرة على ذلك خاصة بعد أن أصبح الجمهور يأخذ معه النجم إلى بيته بالكمبيوتر والموبايل ويفكر ألف مرة قبل أن ينزل من بيته لحضور حفل لمطرب أو مطربة، لذلك معظم المطربين يخافون الحفلات، وبعضهم يسأل عن عدد التذاكر المباعة ساعة بساعة قبل الحفل.
وعن الأزمة التي تشهدها أضواء المدينة قال سلطان: أنا مندهش من جرأة بعض المطربين والمطربات على جمهورهم وعلى الإذاعة المصرية صانعة النجوم، وأتذكر أن فايزة أحمد أصيبت بوعكة شديدة قبل أحد حفلاتها في أضواء المدينة حتى وصلت درجة حرارتها إلى "أربعين وشرطة" وقال لها الطبيب أنا مش مسئول لو ذهبت إلى الحفل لأنك ستصابين بالتهاب رئوي، فردت فايزة قائلة: ولو ماغنتش النهاردة هموت، وبالفعل ذهبت إلى الحفل، وكانت المفاجأة المذهلة أن حرارتها انخفضت أثناء غنائها بسبب تصفيق وتحية الجمهور لها، وعلقت وقتها قائلة: أنا أسيب جمهور جاي علشاني؟!
ويستطرد الموسيقار محمد سلطان: نحن تعجلنا بأضواء المدينة دون أن يكون لدينا استعداد لصناعة أصوات جديدة وهذا يحتاج إلى صبر ومعاناة وناس قادرة على العطاء، ولك أن تعلم أنني وصديقي حلمي بكر أعضاء لجنة الاستماع في الإذاعة ونحن لا نجتمع منذ فترة طويلة جدا لغياب الإنتاج الغنائي في الإذاعة بسبب ضعف الميزانية، فكيف تعود حفلات أضواء المدينة فى ظل غياب أصوات تحتضنها ولا حفلات قادرة على جذب الجمهور؟
ونصح سلطان قيادة الإذاعة بالاستعانة بخبرات كبار الموسيقين والمطربين الذين كان لهم إسهام كبير فى تلك الحفلات، كما نصحهم بالصبر والعمل على ضخ دماء جديدة من الأصوات الشابة الذين لا يسعون إلى المال بل إلى صقل موهبتهم من كبار الملحنين.
صـلاح فايــز
أما الشاعر الكبير صلاح فايز، أحد نجوم أضواء المدينة، وأول من قدم أشعاره إلى المطربة أنغام في أول أغنياتها "في الركن البعيد الهادي" فيقول: يجب أن نعترف بأننا قد تغيرنا كثيرا، وبصراحة أشعر أن هؤلاء المطربين ليسوا من دربناهم وتربوا على أيدينا، فكيف يقول مطرب "هاتوا فلوسي أولا"، كان هدفنا الأول من وراء غنائنا هو الجمهور وفننا، فأنا قدمت 49 عملا مع أنغام ولكني أشعر الآن أنني أمام شخص آخر لا أعرفه!!
ويرى صلاح فايز الذي تغنى بأشعاره كبار المطربين أن استنساخ أضواء المدينة في ظل الظروف الحالية من وجود فقر في الأصوات الشابة خاصة النسائية أمر صعب في ظل الثورة التكنولوجية، واعتماد الشباب وهو الجمهور المستهدف الأول على وسائط تكنولوجية تجعله منعزلاً ووحيداً في ساعات استماعه، مشيرا إلى أن اختيار مدينة شرم الشيخ مكانا لإحياء الحفل غير موفق فهى مدينة سياحية من طراز فريد لكن لا توجد بها سياحة مصرية داخلية ولا عربية حالياً بالشكل الكافي.
وعن مطربة الحفل يقول صلاح فايز: أنغام مطربة كبيرة، لكن يجب أن يكون معها برنامج قوي أيضا، فالزمن تغير عندما كان نجوم الحفلات: حليم وفايزة، وشادية، وليلى مراد، وشريفة فاضل ومحمد رشدي ومحرم فؤاد، كان الحفل الواحد يضم 4 أو 5 نجوم.
ويحذر الشاعر صلاح فايز من الانزلاق وراء الظواهر الشبابية التي لن تعيش طويلا -على حد وصفه- ويستطرد مخففا من وقع الأزمة "هو احنا في سيرك حضرتك"، أضواء المدينة التي نعرفها حفلات رصينة جمهورها يرتدي البدلة والكرافت.
ومن يقدم الحفل الأول لأضواء المدينة بعد عودتها؟
قال بلا تردد.. عندكوا إيناس جوهر لماذا لا تستفيدوا من ثقافتها وصوتها المتميز.
وما ملاحظاتك على برنامج الحفل الملغي؟
ملاحظة وحيدة هي أن أنغام صوت مصري جميل لكنها تصلح للأماكن المغلقة وليس المسرح المفتوح، هذا بعد أن تتخلى عن التفكير الزائد في الماديات، ويجب أن نربي نجومنا على الالتزام، فالجمهور ليس له ذنب في الخناقات بين المنظمين والمطربين، الجمهور دفع بالفعل تذكرة وتكبد مشقة السفر من أجل الاستمتاع بفن محترم، فلماذا نتخلى عنه؟