السبت 23 نوفمبر 2024

تفجيرات الأحد الدامى

  • 14-4-2017 | 11:43

طباعة

الأحد الموافق ٩ أبريل ٢٠١٧ كان يوم عيد يحتفل فيه المسيحيون بأحد الزعف أو أحد الشعانين وهو ذكرى دخول السيد المسيح إلى أورشاليم راكباً «أتان”. دخل فى حالة فرح وحبور تسيطر على الشعب الذى استقبله بزعف النخيل فارشين له ملابسهم حتى يمر عليها علامة على الفرح والتقدير.

والمفارقة أنه بعد ذلك الدخول وذاك الاستقبال قد تم تنفيذ المؤامرة التى تم بعدها تسليم السيد المسيح إلى اليهود الذين قاموا بتعذيبه وبصلبه حسب المعتقد المسيحى ولذا وبعد أحد الشعانين هذا يبدأ ما يسمى بأسبوع الآلام حيث تقام الصلاة الجنائزية الحزينة حتى يوم السبت هو ذكرى قيامة المسيح من الأموات. ومن الواضح أنه من مفارقات وسخريات القدر والأحداث أن يتزامن هذا اليوم مع انفجارين كبيرين يستهدفان كنيسة مارجرجس بطنطا بمحافظة الغربية والكنيسة المرقسية بالإسكندرية والتى كان يرأس الصلاة فيها قداسة البابا تواضروس، هذا وقد استعجل الإهاربيون فى التوقيت فحولوا الاحتفال بأحد الشعانين إلى الدخول مباشرة إلى أسبوع الآلام.. ومن الواضح أن أسبوع الآلام الذى سببته تلك الحوادث الإرهابية لن ينتهى يوم السبت القادم حسب الطقس الكنسى ولكنه سيصبح أسبوعاً ممتداً عبر الزمن واقراَ فى الضمير الجمعى المسيحى بل الضمير الجمعى المصرى كله. حيث إن هذه التفجيرات قد كانت نقلة نوعية فى العمليات الإهاربية ضد المسيحيين وضد كنائسهم ليس لأنها تحدث للمرة الأولى ولكنها نوعية وللأسف لأنها حدثت مراراً قبل ذلك وبنفس الطريقة وبذات السيناريو فى مثل هذه الظروف. فهل كانت مثل هذه العمليات متوقعة؟ للأسف الشديد فإن هذه العمليات لم تكن متوقعة فقط ولكنها كانت معلنة ومعروفة ومحددة المكان كيف؟ فلابد أن نذكر بعدة أشياء لابد منها حتى نصل إلى نتائج يمكن دراستها واستيعابها والاستفادة منها حتى لا نظل كالعادة نستقبل الحادث ونرفع وتيرة الكلام واللت والعجن ثم بعد أيام ننسى ونتناسى، وتعود ريما إلى عادتها القديمة من اللامبالاة والخمول. ولذا مازلنا نعيش نفس الأحداث ونفس النتائج “من يتوقع نتائج مختلفة بنفس الأسلوب السابق فهذا غباء” بداية من المعروف أن هبة ٣٠ يونيه ٢٠١٣ هى هبة جماهيرية حقيقية شارك فيها الشعب المصرى مسلموه ومسيحيوه وأستطيع أن أقول إن المصريين المسيحيين قد شاركوا لأول مرة بشكل مباشر وفعلى فى هذه الهبة كما لم يشاركوا من قبل طوال التاريخ. حيث إنهم قد شاركوا كمواطنين مصريين بعيداً عن الأرضية الدينية حيث إن لا الأزهر ولا الكنيسة قد قالوا لأحد بالنزول حتى وإن كانوا قد شاركوا فى اجتماع ٣ يوليو ٢٠١٣. هذه المشاركة كان قد سبقها موقف جماعة الإخوان فى عام حكمهم من المسيحيين حيث إن الإخوان كانوا ومازالوا يتصورون ويصرون على أن المسيحيين مصريون فاقدو حق المواطنة ولذا فخروجهم للتعبير السياسى كمواطنين ليس من حقهم وبالتالى حسب رؤية الجماعة إن المسيحيين قد خرجوا وشاركوا فى إسقاط الجماعة بصفتهم الدينية تلك الصفة التى لا تريد حكم الإسلام ولا تبتغى تطبيق الشريعة كما يريد ويسوق الإخوان. وللأسف فهذا السلوك وذلك الموقف مازال يتبناه الجماعة وكافة الفصائل الإسلامية التى تتفق مع الجماعة فى الهدف الاستراتيجى. وقد اعتمدوا على هذا التصور ومازالوا اعتماداً على حضور البابا اجتماع ٣ يوليو ٢٠١٣ والأهم هو تلك العلاقة التى أخذت فى التغير والتطور بين الدولة والنظام وبين المصريين المسيحيين. فهذه العلاقة قد ظهرت فى عدة مواقف لا تخفى على أحد منها موقف الدولة عندما قامت بالضربة الجوية ضد داعش ليبيا عندما قاموا بذبح المسيحيين المصريين وكان هذا حفظاً لكرامة الدولة. ظهر هذا فى عملية المعايدة التى يقوم بها السيسى للمعايدة على المسيحيين فى عيد الميلاد وهذه بادرة غير مسبوقة. منها موقف النظام من حادثة البطرسية وتصدر السيسى للجنازة الرسمية وطلع مسمى الشهداء رسمياً على الضحايا كل هذه الأشياء أحدثت متغيراً نوعياً فى علاقة الدولة بالمسيحيين ناهيك عن الموقف الداعم للبابا والواضح فى مساندة النظام السياسى على طول الخط. هذا السلوك وتلك العلاقة قد جعلت هذه التنظيمات تضع الأقباط فى سلة واحدة مع النظام هذا إضافة إلى المعتقد الذى يؤمنون به وهو التعامل مع المسيحيين ككفار يجب محاربتهم بل يجب التخلص منهم وهدم كنائسهم وهذا يظهر كثيراً ليس فى مثل هذه العمليات الإرهابية ضد الأقباط فقط، ولكن يظهر كثيراً من اتباع التيار السلفى وما نراه من فتاوى وممارسات خاصة فى الإسكندرية والصعيد. إذن فالأقباط مستهدفون باعتبارهم أقباطاً على الأرضية الدينية التى لا تقبل الآخر الدينى ومستهدفون لأنهم شاركوا فى إسقاط نظام الإخوان فى ٣٠ يونيه. إضافة إلى الرسائل التابعة دائماً لهذه التفجيرات وهى إحراج النظام وإظهاره بأنه ضعيف غير قادر على حماية المسيحيين ولا مانع من إثارة الخارج للعب بورقة حماية الأقلية الدينية المسيحية إضافة لخلق مناخ طائفى يثير المتطرفين من هنا وهناك ضد بعضهم البعض خاصة الذين يرفضون الآخر دينياً وإنسانياً ووطنياً. فهل هذا فقط هو ما يجعلنا نتوقع مثل هذه العمليات التى أصابت وآلمت وأوجعت المصريين؟ هنا نذكر بأن الأقباط ومنذ سبعينيات القرن الماضى وهم يعتبرون الحلقة الضعيفة التى يتم التعامل معها ليس للأسباب التى ذكرناها ولكن لأن تلك العمليات الإرهابية ضد الأقباط تكون حافزاً مضافاً لهؤلاء أكثر من عملياتهم ضد الجيش والشرطة والمواطن المسلم وإن كان الجميع مستهدفين الآن بلا تفرقة. هنا أيضا نذكر بأن كل ما يكون هناك ضغط على الإرهاب فى الإطار الأمنى ولا يستطيعون القيام بأعمال ضد الجيش والشرطة خاصة فى سيناء وبعد العملية الناجحة فى جبل الحلال. فمن الطبيعى التوجه إلى الوادى أى إلى العمق بعيداً عن الأطراف. وجدناهم يقتلون ويهجرون الأقباط من العريش . شاهدنا الفيديو الذى يبثه داعش فى فبراير الماضى والذى هدد فيه علناً وبصراحة الأقباط وكنائسهم وبطركهم وفى كل مكان. فهل لم نسمع ولم نشاهد هذا؟ شاهدنا وعشنا عملية البطرسية التى لحقها هذا التهديد. لم نع أن هناك رد فعل لضربة جبل الحلال؟ ألم ندر أن هناك تهديدات معلنة ومبررة من جهة تلك التنظيمات على الأقباط؟ هناك مبررات أن الإرهاب لا دين له ولا وطن له وأن الإرهاب قد أصاب الجميع بلا استثناء. نعم وكان هناك استحداث لعمليات إرهابية للإفلات من القبضة والمتابعة الأمنية نشاهدها الآن فى أوربا مثل عملية الطعن بالسلاح الأبيض وعمليات الدهس التى تكررت فى فرنسا وألمانيا وبريطانيا. ولكن أن تتكرر نفس العملية ونفس الأوضاع وبذات السيناريو فهذا خطأ جسيم واسستهتار عظيم لا يليق بالدولة ولا بالأمن.

أن يتم اختراق كنيسة البطرسية ويتم تفجيرها فى العمق وفى صحن الكنيسة وأن يتكرر هذه الفعل على أكبر وأخطر وبنفس الأسلوب فى طنطا ويتم التفجير فى عمق الكنيسة لا شك أن هناك تقصيرا أمنيا واضحا وبلا مواربة ولا مجاملة. فحماية مصر وأمن الوطن وأمان المواطن ومواجهة الإرهاب يجعلنا نتصارح ونعلن الحقائق لإصلاح الأخطاء. فالوطن أهم مائة مرة من الأشخاص. كما أن التقصير الأمنى الذى أقصده لا يقتصر على الأمن الشرطى فقط فالشرطة لابد من استحداث طرقها والانفتاح على الأساليب العلمية والتكنولوجية المتطورة التى تعتمد على الأجهزة الحديثة ولا تعتمد على فرد الشرطة الذى يقوم بعمله خاصة فى مجال حراسة المنشآت. فنجد هؤلاء يضعون السلاح بجوارهم وهم جالسون يتسامرون ويشربون الشاى. ترى تلك البوابات الإلكترونية لا عمل لها ولا فائدة فهى دائمة الإنذار بأعلى صوتها ولا مجيب فأكثر الأمور تحذو ناحية الشكليات والمظهر لا الجوهر . نريد أن تكون الحراسات فى حالة استفزاز نفسى وعملى ومهنى. فالإرهاب لا يواجه بمثل هذه الطريقة. فلا الشرطة وحدها ولا الجيش بمفرده يمكن أن يقضى على الإرهاب فالمواجهة الأمنية هى أحد الأساليب وليست كل الأساليب. فأين الثقافة الأمنية لدى كل المواطنين؟ يقولون إن الأمن غير مسئول عن حماية الكنيسة من الداخل. فمن المسئول إذن؟ وكيف يحمى المسئول الكنسى الكنيسة من الداخل؟ وما هى علاقة هذا الداخل بالأمن وبطرقه الأمنية؟ هل هناك مسئول أمنى كنسى معروف ومدرب على مثل هذه الحماية؟ وإذا كان الأمن هو المسئول من الخارج. فكيف دخلت العبوة الناسفة إلى صحن الكنيسة بل إلى الصفوف الأولى منها إذا كانت عبوة ناسفة تم تفجيرها من الخارج؟ وإذا كان إرهابى دخل بحزام ناسف ففجر نفسه مثل ما حدث فى البطرسية فكيف دخل؟ وأين الثقافة الأمنية للشرطة فى الخارج أو لحراسة الكنيسة فى الداخل. لا شك هنا تقصير أمنى بل هناك حالة استرخاء أمنى شرطى وجماهيرى تشدنا الأحداث وتثور وتفور ثم ننزل على مافيش . فهل بعد تلك الحوادث التى استهدفت الأقباط على أرضية دينية وعلى أرضية سياسية ووطنية باعتبارهم إحدى قوى ٣٠ يونيه. فمن المعروف أن يونيو مستهدف والسيسى ونظامه مستهدف والأقباط مستهدفون والبابا مستهدف وهذا معروف ومعلن حتى أننا صبرنا وانتظرنا حتى تمت محاولة تفجير الكنيسة المرقسية بالإسكندرية التى كان يقود فيها الصلاة البابا. كما أن الانفجار قد حدث بالخارج فتصدى رجال الأمن الذين استشهدوا حتى لا يصل الإرهابى إلى داخل الكنيسة استهدافاً للبابا. وبالطبع فهم كانوا يعلمون بوجود البابا واستهدافه . فهل وصلت الأمور إلى هذا الحد؟ وهل لا نتعلم من الدروس؟ أما ما يستهدفونه من شق الوحدة الوطنية أو بالأصح العلاقة الإسلامية المسيحية نقول. لا وألف لا . فقبل ٢٥ يناير وعندما كانوا يستهدفون الأقباط ولسوء العلاقة فى الغالب بين الأقباط ممثلين فى الكنيسة وبين نظام مبارك كان الأقباط والكنيسة تنقلب على النظام والدولة بحجة عدم حمايتهم ولغياب الاهتمام بهم باعتبارهم ليسوا مواطنين ولذا كنا نرى رد الفعل والرأى العام غير متعاطف بالصورة المطلوبة من قطاع كبير من المسلمين. ولكن الآن وبعد إدراك الجميع أن الإرهاب لا يستهدف الأقباط فقط لكونهم أقباطاً ولكن لكونهم مشاركين ومتوافقين مع النظام السياسى ولكنه يستهدف الأقباط والنظام بل المسلمين المختلفين معه بل يستهدف الدولة ذاتها. هنا نجد أن التعاطف والمشاركة بين المصريين مسلمين ومسيحيين فى مثل هذه الظروف تدل على تغير حقيقى يؤشر لبداية طريق المواطنة التى نبتغيها لكل المصريين. ولذا فلا يجب أن ننظر أو نحلل هذه الاعتداءات وتلك التفجيرات على أنها ضد مسيحيين لأنهم مسيحيون ولكن لابد للنظر للأمور على أرضية سياسية فهذه التفجيرات هى ضد مصر وضد كل المصريين لأن الجميع مستهدف والكل فى خطر والاستهداف يطال الجميع بلا استثناء فالشرطة الذين استشهدوا فى عملية المرقسية بالإسكندرية هم مصريون مسلمون. والقوات الشرطية والجيش فى سيناء والوادى الذين يستشهدون مصريون مسلمون ومسيحيون. فهذه لعبة لا تأتى بالنتائج التى يريدونها. ولذا فمواجهة الإرهاب هى مسئولية الجميع بلا استثناء. والمواجهة الأمنية. هى تلك المواجهة للحالة الآنية ولكنها ليست كل المواجهات. فباقى المواجهات فى إطار تصحيح الفكر الدينى وليس الخطاب الدينى وفى إطار دور الثقافة والتعليم والإعلام والأحزاب والعمل الأهلى. الكل مسئول وهى المواجهات المتراكمة والمستقبلية والتى تواجه الفكر المنحرف وتخلق الحوار مع الآخر وتؤكد قبول الآخر الدينى وغير الدينى. فلن تكون مصر الوطن والحضارة والتاريخ والهوية بغير التوافق والتوحد فى مواجهة الإرهاب حتى تصبح مصر وبحق لكل المصريين.

    الاكثر قراءة