قد لايعرف الكثيرون أن التي أنشأت
السينما المصرية هي السيدة عزيزة أمير التي نالت لقب أم السينما، فقد جازفت
بعمرها ومالها لكي تولد السينما المصرية، ولا ينكر أحد أن الأخوين لاما، بدر
وإبراهيم كانا قد قدما من أمريكا الجنوبية واستقرا في الأسكندرية بالمعدات
السينمائية التي جلباها بعد أن كسبا الكثير من رحلتهما، وهما كانا ثاني المفكرين
في ميلاد السينما، وعملا جاهدين لسباق عزيزة أمير التي تفوقت عليهما وعرضت فيلمها
الروائي الأول "ليلى" يوم 16 نوفمبر 1927، وبالتالي أصبح لها شرف نشأة
السينما المصرية، أما فيلم الأخوين لاما فقد عرض في يناير 1928.
كثير من الصعاب والمال المهدر تكبدتها
عزيزة أمير هي وزوجها الوجيه أحمد الشريعي الذي سخر كل ماله لتنفيذ رغبة زوجته
عزيزة، وهي ميلاد أول فيلم روائي مصري، وواجهت الكثير من أكاذيب وتضليل وفشل
المدعي التركي "وداد عرفي"، وهو الذي أفسد فيلمها بعد تصويره في مشاهد
غير مترابطة، بعد ادعائه أنه خبير سينمائي مما اضطرها إلى اللجوء للفنان استيقان روستي
الذي تعلم فنون التمثيل والإخراج السينمائي في الخارج.
تولى استيقان روستي إخراج أول فيلم
روائي لعزيزة أمير، وساعدته في تصميم الديكور وتنفيذ الملابس والموسيقى وغيرها من مستلزمات
التصوير، وبعد رضاهما عن الفيلم طلب منها استيفان أن يعرض الفيلم لأول مرة يوم
ميلاده، واعترافا من عزيزة أمير بفضل وبراعة استيفان نفذت له مطلبه، وولدت السينما
يوم ميلاد استيفان روستي ببطولة عزيزة أمير للفيلم .
أما كواليس الفيلم فتؤكد أن عزيزة
أمير لم تفقد أموالها فقط في سبيل ميلاد السينما المصرية فحسب، بل كادت أن تفقد
حياتها أيضا.. ففي مشهد النهاية كان على البطلة عزيزة أمير أن تلقي بنفسها في
النيل بغرض الإنتحار، وفي الرمق الأخير من حياتها وهي في الماء كان عليها أن تفتح
فمها وتصرخ بأعلى صوت "الوداع يا ابنتي" ثم يبتلعها البحر، واستقر الرأي
على تصوير مشهد النهاية في جزيرة الذهب بالقرب من حلوان، وبالفعل ذهبت مع فريق
العمل إلى هناك ومع بداية تصوير المشهد ألقت بنفسها في الماء، وبدأت الكاميرا تدور
والجميع ينظر إليها في دهشة من براعتها في التمثيل، وجاءت اللحظة الحاسمة لتفتح
فمها وتقول كلمة الوداع، وما ان فتحت فمها وقالتها إلا ودخل الماء اليه، وتقلصت
عضلاتها ثم سقطت غريقة بالفعل.
ظن فريق العمل أن هذا تمثيلا بديعا من
عزيزة أمير وتوقفت الكاميرا، فقد انتهى التصوير وانتظر الجميع أن تطفو على سطح
الماء، وطالت الدقائق ولم تظهر عزيز فقفز على الفور عدة رجال من فريق التصوير
ليخرجوها فاقدة للوعي تماما وهي بين الحياة والموت، وبعد محاولات لإفاقتها بين
ذهول الجميع عادت عزيزة إلى الحياة، وبضحكة جميلة أدهشت الجميع كانت أول جملة تنطق
بها " أما مشهد .. ينفع يتعاد تاني بشكل أجمل" ، وهنا اكتفى الجميع بهذا
المشهد الذي تم تصويره، وكادت عزيزة تفقد حياتها بسببه.