الخميس 23 مايو 2024

تجربتي مع مهرجانات السينما في مصر من القاهرة 1985 إلي شيك الصندوق

16-4-2017 | 10:47

بقلم: سمير فريد

نمطان من المثقفين نجدهما في كل عصر وفي كل مكان، نمط يتفرغ لتنمية معرفته، وتنمية معرفة الآخرين عن طريق كتبه وأبحاثه، مثل عبدالرحمن بدوي، أو عبدالغفار مكاوي، ونمط لا يكتفي بذلك، ويعمل أيضاً علي تغيير الواقع من خلال العمل العام عبر القبول بالانتماء إلي حزب سياسي، أو القبول بوظائف حكومية في مجال تخصصه.

كان حلمي أن أكون الأول، أن أكتب تاريخ السينما في مصر أو في العالم أو كليهما، أو أن انتهي علي الأقل من وضع فيلموجرافيا للأفلام المصرية أو العربية أو كليهما، وأن أقوم بترجمة أهم الكتب عن تاريخ السينما، ولكن رجاء النقاش، وهو أستاذ وصديق في الوقت نفسه منذ الستينيات، دفعني لاكون من النمط الثاني، أو بالأحري النمط الآخر، وكان ما كان من إنشاء للجمعيات والمهرجانات السينمائية والقبول بوظائف حكومية من عضوية اللجان إلي عضوية المكتب الفني لوزير الثقافة.

كنت أحضر مهرجان كان منذ عام 1967، وهو المثل الأعلي للمهرجانات في العالم. ومن خلال حضوري مهرجان كان، تعلمت أن لكل مهرجان رئيسا مثل رئيس مجلس إدارة المؤسسة الصحفية مثلا، ومديرا مثل رئيس التحرير، وتعلمت كيف يوضع البرنامج بحيث يحترم قواعد الاتحاد الدولي. وضعت ميزانية المهرجان علي أساس دعم حكومي قدره مائتا ألف جنيه، ولكن رئيس مجلس الوزراء علي لطفي آنذاك كان يرفع شعار الجهود الذاتية، وفضل سعد الدين وهبة أن يقام المهرجان بالجهود الذاتية، وكان قراره هذا في آخر لحظة، وفي وقت أزمة السفينة أكيلي لاورو، وكان يعني إلغاء بند الأجور تماما، ومع ذلك نجح المهرجان وغطي تكاليفه وحقق أرباحا بلغت 50 ألف جنيه مصري دون عرض أية أفلام غير مراقبة بعد منتصف الليل، وبالاحترام الكامل للقواعد الدولية.

وفي يوم ما بعد أسبوعين أو نحو ذلك من نهاية المهرجان استدعاني سعد الدين وهبة رحمه الله وقال لي إنه أخذ المهرجان من وزارة الثقافة، وسوف ينظمه بواسطة اتحاد النقابات الفنية، وكان يرأس الاتحاد إلي جانب كونه نقيبا للسينمائيين. سألته وهل وافق أحمد هيكل بهذه البساطة، قال نعم. قلت له وما الهدف من ذلك قال إن المهرجان يمكن أن يحقق 500 ألف جنيه. لا 50 ألفا وبذلك يصبح مهرجانا كبيرا، ولن يمكن عمل ذلك من خلال وزارة الثقافة، وسألني أن استمر في العمل كمدير للمهرجان علي هذا الأساس فاعتذرت، وضحك رحمه الله وقال كنت أعرف ذلك، وقد «ذاكرت» جيداً ما فعلته في المهرجان، ويمكنني الاستمرار بدونك.

ومنذ دورة 1986 جعل سعد الدين وهبة من رئيس المهرجان كل شيء في المهرجان، ولم يعد الأمر مثل مهرجان كان أو غيره من المهرجانات الدولية، وأصبح تعبير رئيس المهرجان في مصر يعني كل شيء في أي مهرجان سواء للسينما أو غير السينما، ولاتزال مصر تنفرد بهذا الوضع الإداري. ولكني عندما كلفت بمهرجان الاسماعيلية سميت نفسي مديرا علي أن يكون الرئيس مدير صندوق التنمية الثقافية الذي ينظم المهرجان، فلا يمكنني تجاهل معرفتي، واقتنع مدير الصندوق بذلك، ولكنه أثناء المهرجان لم يستطع التفرقة عمليا بين حدود رئيس المهرجان وحدود مدير المهرجان.

لا أستطيع تقييم مهرجان 1985 في القاهرة أو مهرجان 1995 في الاسماعيلية فالمرء كما ذكرت لا يستطيع أن يقوم بعمل ما، ويقوم بتقييمه في الوقت نفسه.

مقتطفات من مقال نقدى له بالكواكب - العدد 2448- 30/6/199