يواصل العلماء في مختلف دول العالم جهودهم الحثيثة لاكتشاف لقاح يشفي من فيروس "كورونا" المستجد "كوفيد-19" الذي تحول إلى جائحة عالمية وأزهق أرواح نحو عشرة آلاف وأصاب أكثر من 200 ألف حول العالم بعد نحو 4 أشهر من ظهوره في مدينة ووهان الصينية منتصف شهر ديسمبر الماضي.
ومن سوق للمأكولات البحرية والحية في مدينة ووهان بمقاطعة "هوبي" وسط الصين بدأ كورونا رحلته في الانتقال من الخفافيش كما يعتقد بعض العلماء إلى البشر مسببا بعض الأعراض أبرزها الحمى، والسعال، وضيق النفس، وتمكن من الانتقال من شخص إلى آخر بدون حتى ظهور أعراض، وقد صنفته منظمة الصحة العالمية في 11 مارس الجاري وباء عالمي "جائحة" بعد أن وصل إلى معظم أنحاء العالم.
وأمام عدم وجود علاج أو لقاح لهذا الوباء الذي يجتاح العالم أو سلالات كورونا الأخرى، مثل "سارس" و"فيروس كورونا"، واتجاه أنظار البشرية جمعاء لما يقوم به العلماء في مختبرات البحث العلمي بكبرى شركات الأدوية والجامعات في العديد من الدول، لم يكن أمام الحكومات إلا فرض إجراءات وقائية مثل غلق الحدود وإيقاف التجمعات وإلغاء الفعاليات الرياضية والثقافية والاجتماعية، ووصلت في بعض الدول إلى فرض حظر التجوال خوفا من انتشار الفيروس.
فمن المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية بالولايات المتحدة الذي أعلن هذا الأسبوع عن بدء أول تجربة بشرية للقاح محتمل للفيروس، إلى المركز الوطني الصيني لتطوير التكنولوجيا الحيوية الذي بدأ في إجراء التجارب السريرية أيضا، مرورا بكبرى شركات الأدوية ومختبرات الجامعات في بريطانيا وفرنسا وألمانيا وكندا وروسيا واليابان، يتسابق الجميع للتوصل إلى هذا اللقاح ولكن تواجههم مراحل معقدة يتحتم عليهم المرور بها لصناعة هذا اللقاح في حال نجحت تلك الجهود.
ومع الإعلان اليومي لشركات أدوية وجهات علمية حول العالم عن قرب إنتاج لقاح لفيروس كورونا، تتزايد التساؤلات حول كيفية ومراحل تصنيع اللقاح وما الوقت اللازم لذلك في ظل ارتفاع مخيف في أعداد الضحايا التي باتت تزيد كل دقيقة وتتضاعف يوميا في أكبر تهديد للبشرية جمعاء منذ عقود وأسوأ أزمة صحية تواجه العالم بحسب وصف منظمة الصحة العالمية.
وينبئ السباق العالمي المحموم لإنتاج دواء كورونا بأن يكون أسرع لقاح جديد يتم تطويره واختباره على وباء منتشر، بالنظر إلى العملية الطويلة والمعقدة التي تستغرق مراحلها في العادة سنوات قبل أن يتمكن العلماء من إنتاج لقاح آمن وفعال، ولذلك يرى أكثر المتفائلين من علماء التكنولوجيا الحيوية والصناعات الدوائية أن فترة 18 شهرا قد تكون كافية لصناعة لقاح يقضي على الفيروس التاجي المستجد.
وأدى تحديد الصين السريع لتسلسل المادة الوراثية للفيروس الجديد ومشاركتها مع العالم في أوائل يناير الماضي إلى تسريع الجهود وإتاحة الفرصة أمام مجموعات البحث في جميع أنحاء العالم للانتقال إلى مرحلة زراعة الفيروس الحي ودراسة كيفية غزوه للخلايا البشرية مما يسرع من إمكانية اكتشاف لقاح جاهز للاختبار وليس التوزيع خلال أشهر قليلة.
وبعد الانتهاء من الدراسات ما قبل السريرية التي تستخدم زراعة الأنسجة، أو زراعة الخلايا المنسقة والتجارب على الحيوانات لتقييم سلامة اللقاح المرشح ومناعته أو قدرته على إثارة استجابة مناعية، تبدأ التجارب السريرية التي تمر بثلاث مراحل لا يمكن اختصارها؛ تشمل الأولى عشرات المتطوعين الأصحاء لاختبار مدى سلامة اللقاح الجديد ورصد آثاره الجانبية عبر مراقبتهم لمعرفة ردود الفعل والتأكد أن أجسامهم تبدأ في إنتاج أجسام مضادة للفيروس.
وإذا جرى اختبار السلامة بسلاسة وتم التأكد من سلامة اللقاح المقترح، يمكن الانتقال إلى المرحلة الثانية التي تستهدف اختبار اللقاح على عدة مئات من الأشخاص، وعادة ما يتم ذلك في جزء من العالم المتضرر من المرض، للنظر في مدى فعالية اللقاح، وهى مرحلة صعبة وتحتاج إلى شهور حتى يتم اختبار اللقاح المقترح على أشخاص يعيشون بالقرب من بؤر تفشي المرض ومعرضين للعدوى.
وإذا نجحت المرحلة الثانية وأظهر اللقاح المحتمل استجابة لمقاومة الفيروس، يتم الانتقال إلى المرحلة الثالثة والأخيرة من التجارب السريرية على عدة آلاف من البشر، ولابد للقاحات التجريبية أن تمر عبر هذه المراحل التي تختبر فعالية اللقاح المرشح في توفير الوقاية من الأمراض، والوقاية من العدوى بمولد المرض، وتوليد الأجسام المضادة أو أنواع أخرى من الاستجابات المناعية المتعلقة بمولد المرض، قبل أن يبدأ صانع اللقاح إلى الحصول على ترخيص للبدء في إنتاجه وفي حالة فيروس كورونا سيحتاج العالم لملايين الجرعات التي سيستغرق صناعتها المزيد من الوقت قبل أن تصل إلى المرضى في شتى أنحاء العالم.
وفي ظل هذه المراحل الطويلة والمعقدة لإنتاج لقاح يقضي على فيروس كورونا المستجد، ليس أمام البشر سوى اتباع تعليمات منظمة الصحة العالمية التي تهدف إلى الحد من انتشاره، والالتزام بالإجراءات الحكومية المتخذة في أغلب دول العالم الرامية إلى وقف انتشار الفيروس بين المواطنين.
ومن أبرز الوسائل الفعالة في محاربة انتشار الفيروس هي غسل اليدين بالمياه والصابون أو الكحول، وتجنب لمس العين والفم والأنف وخاصة عند التواجد خارج المنزل، ومنع السلام بالأيدي، وتطهير الأسطح والملابس بالكلور، حيث يمكن أن يبقى كورونا على الأسطح عدة ساعات أو أيام، حسب نوع السطح، ولا يتأثر بدرجة الحرارة، وينتقل بسهولة من إنسان إلى آخر عبر الهواء وبدون حتى تلامس.