بضع ساعات وتشرق شمس شم النسيم فى كل أرجاء مصر وفيه يشترك المسيحيون والمسلمون بتبادل الزيارات للأهل والأقارب ودور المسنين والأيتام لإدخال البهجة عليهم، الكل يشارك فى بهجة وسعادة من القلب تغمر الحدائق والمتنزهات وسط ألوان زاهية من الزهور الملونة والبيض بمختلف الألوان والنقوش.
“الهلال اليوم“ شاركت المصريين رحلاتهم في المتنزهات ودور المسنين، والتقينا "مارينا نبيل"، 24 سنة، فى رحلتها إلى القناطر وقالت: بدأت رحلتنا اليوم على متن السفينة متوجهين إلى مدينة القناطر مع أصدقائى وهى عادتنا كل عام نحتفل معا .. وعلى الرغم من ارتفاع سعر الرحلة التى وصلت إلى 30 جنيها بعد أنا كانت 10 للفرد، ولكن هو يوم سنوى ومهما حصل من أحداث تؤلمنا لكن هى على الكل.
محمود المنسى، 25 سنة، من بنها قال: شم النسيم عيد على المصريين جميعا واليوم فى رفقة زملائى إلى الغيط .. الربيع يعنى الخضرة والزهور لذلك قررنا قضاء يوم وسط الخضار لتهدئة نفوسنا ولقضاء يوم من الاسترخاء.
أما أزهار محمد، 24 سنة، فقررت فى يوم شم النسيم أن تزور دور المسنين وتقضي معهم يوما بمشاركة زملائها من الشباب لإدخال البهجة عليهم.. وتوضح: هم آباء وأمهات واجب علينا إسعادهم وزيارتهم وأن نضعهم فى خارطة أولوياتنا ولا ننساهم .. فالعناية بكبار السن واجب رئيسيّ .. وهم بركة هذه الحياة، فقد أفنوا زهرة شبابهم في رعاية أبنائهم وتوفير كل سبل الراحة لهم وحملوا على كاهلهم مسؤولية التربية وصحة أبنائهم باعتبارهم فلذات أكبادهم، لكن من المؤسف أن نجد فى يومنا هذا أبناء يتناسون كل ما قدمه الأبوان لهم ومنهم من يظن أن الأبوين عندما يكبران يصيران عالة عليه وعلى تطوره في الحياة وعلى الجانب الآخر تضم دور المسنين الكبار في السن الذين لا يجدون مأوى يلجأون إليه بسبب أنّهم فقدوا كلّ من لهم صلة به من قريب أو من بعيد.
وفي زيارة إلى إحدى دور المسنين للتعايش وسطهم وإدخال البهجة عليهم وللتعرف كيف يعيش كبارنا فى عالمهم وهل يحتفلون مثلما نحتفل بأعياد الربيع وشم النسيم أم يشردون بعيدنا محاطين بالوحدة والعزلة، أوضحت هدير محمود أخصائى اجتماعى بإحدى دور المسنين، أن المسن يأتى إلى الدار بكامل موافقته بعد أن يكون مر بمرحلة من العذاب وسط أبنائه أو من الوحدة وموت الأقارب ومنهم من أساء إليه أبناؤه الذين جفت قلوبهم من الرحمة.
وتضيف الأخصائية الاجتماعية: كلنا هنا شباب أعمارنا ما بين 20 و30 عاما وهناك شباب من كافة الجامعات يأتون لمساعدتنا فى إدخال البهجة على المسنين من احتفالات ورحلات وهدايا بمعنى الكلمة.. احنا اللى أبناؤهم بجد، وهنا الدار قائمة على التطوع وكلنا كبير وصغير نسعى لرفع الروح المعنوية لديهم وذلك بحسن استقباله والترحيب به وذلك لابد وأن يتوافر فى المعاملة مع كبار السن عموما وبالأخص أننا وجوه جديدة عليهم، فالتبسم فى وجههم يشعرهم بحب المجتمع لهم واحتوائهم من جديد وأنهم غير منبوذين أو مكروهين فى مجتمعهم.. ومن خلال دراستى وتجاربى معهم وجدت أن سؤال المسن عن ماضيه وذكرياته وإنجازاته والإصغاء إليه وعدم مقاطعته ضرورة واجبة علينا جميعا فالمسن تظل ذكرياته الماضية حية ماثلة أمامه.
ووعدت هدير محمود باصطحاب المسنين في رحلات جماعية إلى الأزهر بارك أو حديقة الحيوانات وسواحل مصر من بور سعيد واسكندرية وذلك عقب أعياد الربيع تفاديا للزحام.
وأوضح الدكتور أحمد محمود الأخصائى النفسى أن من الضرورى الاقتراب من المسن بشكل عام وخلق كيان اجتماعى له من أقارب وأصدقاء.. ففى هذه المرحلة من العمر يزداد الشعور بالوحدة والغربة، وعلى دور المسنين مساعدة المسن دائما على المشاركة الاجتماعية وحضور المناسبات والعزائم لمساعدته على التكيف مع وضعه الجديد وجبر خاطرهم بلطف تعاملهم لكى لا يصل لما يعرف بالانسحاب الاجتماعى نتيجة تقدم السن والعجز والأمراض من ضعف السمع والبصر فكلها علامات الشيخوخة.
وفى جلسة "الهلال اليوم" وسط المسنين التقينا ماما بطوطة ذات 104 أعوام وقالت لنا بصوت ضعيف متقطع والدموع تسيل من عينيها: "الحياة نقطتين وبس واحدة ميلاد والأخرى وفاة ليه نؤذى بعض.. ابنى طردنى من بيته علشان مرضى وهرب"..
أما عبد الحليم، 70 سنة، قعيد على كرسى متحرك، فرغم ضعفه ومرضه إلا أنه لا تفارقه الابتسامة والنكتة الحلوة قائلا: "كل أهلى ماتوا وعشت 10سنوات وحيدا بعد رحيل زوجتى وأتيت إلى الدار كى أكون صداقات وألاقى حد يكلمنى وأكلمه الوحدة صعبة يابنتى وما عاد حد يطيق حد .. بس القناعة رضا تدوم .." .
سعاد محمد 67 سنة عندما توجهنا إليها قالت: "لم يرزقنى الله بأبناء وبعد وفاة زوجى وبعد إخواتى وسفرهم بالخارج وجدت حالى بموت كل يوم 10 مرات من الوحدة والاكتئاب .. وفكرت فى الدار قولت ألاقى اللى من سنى وأفرح وياهم باللى باقيلى فى عمرى وهنا بنطلع رحلات إلى بورسعيد وحديقة الحيوانات فى شم النسيم.
نبيلة جرجس 54 سنة ورغم صغر سنها إلا أن مرضها وما رأته من ضرب وعنف من قبل أخواتها بعد وفاة والديها وتركها فى الحياة غريبة ضحية جفاء الأهل وصل بها الحال لأن كل ما تتذكره هو بضع كلمات من أغانى كوكب الشرق أم كلثوم حيث غنت لنا احتفالا بشم النسيم وأيام الربيع "كل ليلة وكل يوم أسهر لبكرة فى انتظارك يا حبيبى .. صهرت السهر فى عنيا صحيت المواجع فيا" .. وأجمل ما فى نبيلة رغم قسوة الأيام عليها أنها تبتسم وتسعد ما حولها بأغانيها التى تتذكرها من أيام صباها.
وفى جولتنا داخل الدار قابلنا بابا محمد، أفغانى، وهو أكبر مسن من الرجال وعند مصافحته وجدناه يشكو لنا قائلا: "كنت أعمل مهندسا معماريا وكنت وكيل أول وزارة كده عيالى آخرتها ابنى لمجرد شللى يأخد كل ما أملك ويهرب وبنتى دكتورة كبيرة فى اسكندرية ما تسألش عليا وكل ممبرراتها أن الطبيب وقته مش ملكه .. علمتها لتصبح طبيبة تداوى الناس وتنسانى ولا تداوينى .. مليش عيال تعالى زورينا يابنتى ومتنسناش .."