وجَّه فضيلة الإمام الأكبر الدكتور
أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، اليوم الأحد، رسالة تلفزيونية إلى العالم أجمع بشأن
فيروس «كورونا»، أكد خلالها ضرورة أن يتحمل الجميع مسؤوليته في مكافحة «كورونا» وحماية
الإنسانية من أخطاره، والالتزام بالتعاليم الصحية والتنظيمية وأن ذلك واجب شرعي يأثم
تاركه، وأن اختلاق الشائعات وترويجها وإفقاد الناس الثقة في إجراءات الدولة حرام شرعًا.
وأكد شيخ الأزهر، أن ما يقدمه الأطباء
وطواقم التمريض وكل العاملين بالمجال الصحي يجب أن نذكره بفخر واعتزاز، داعيا فضيلته
إلى ضرورة التقرب إلى الله وبذل الصدقات والالتزام بالتعاليم الوقائية للقضاء على
«كورونا»، تقديم يد العون إلى كل المتضرّرين والمنكوبين من «كورونا»، وتضامنه مع كل
الدول والشعوب التي كان تكافح هذا الوباء الخبيث.
نص رسالة فضيلة الإمام الأكبر..
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تعلمون أنّ عالمنا اليوم يعيش في رعب
كبير وكرب شديد، نتيجة الانتشار المتسارع لوباء كورونا المستجدّ، والذي تسبب في إصابة
مئات الآلاف ووفاة الآلاف من البشر، وأربك سَيْرَ الحياة الطبيعية بعدما قطع وصالها
في كل أنحاء العالم.
وفي ظل هذه الظروف القاسية وجب علينا:
دُوَلا وشعوبا وأفرادا ومؤسسات وهيئات، أن يتحمل كل منا مسؤوليته في القيام بدوره في
مكافحة هذا الوباء وكبح جماحه، وحماية الإنسانية من أخطاره.
ووجب كذلك أن نذكر بكل الفخر والاعتزاز
والتقدير، التضحيات الهائلة التي يبذلها الأطباء والممرّضون وكل العاملين في المجال
الصحي، هؤلاء الذي يخاطرون بأرواحهم وأنفسهم؛ من أجل التصدي لهذا المتربص بالإنسانية
كلها.
وهذه الجهود العظيمة التي يبذلها المسؤولون
لمحاصرة الفيروس لتبعث الأمل في قدرتنا على دحر هذا الوباء والتخلص منه، غير أن نجاحنا
في هذه المعركة يتوقف بالدرجة الأولى على تصميمنا على الاستمرار في تحمل المسؤولية
في عزم لا يلين، بصرامة لا تعرف الفتور ولا التراخي. وإنني ومن مسؤوليتي في الأزهر
الشريف، وانطلاقا من القاعدة الشرعية: "درء المفاسدِ مُقدّم على جلب المصالح"،
والقاعدة الأخرى: "يزال الضرر الأكبر بالضرر الأصغر"، انطلاقا من كل ذلك،
أؤكد أن الالتزام بالتعاليم الصحية والتنظيمية التي تصدرها الجهات الرسمية المختصة،
والتي من بينها الاعتناء بالنظافة الشخصية، والتقيد بعادة التباعُدِ الاجتماعي، والالتزام
بالبقاء في البيوت، وتعليق صلوات الجمعة والجماعات قليلة كانت أو كثيرة، مع الالتزام
بأداء الصلاة في أوقاتها في المنازل دون تجمع، كل هذه التعاليم وغيرها -سواء في مصر
أو في أية دولة أخرى تقام فيها الصلاة- كل ذلك ضرورات شرعية وامتثالها حتم واجب يأثم
تاركه، والخروج عليها خروج على قوله تعالى: {وَلَا تُلۡقُوا۟ بِأَیۡدِیكُمۡ إِلَى ٱلتَّهۡلُكَةِ}
[ البقرة ١٩٥]، ومما يحرم شرعا في هذه الظروف، اختلاق الشائعات وترويجها وبلبلة الناس
وترويعهم وإفقادهم الثقة في الإجراءات التي تتخذها الدولة لحماية الوطن والمواطنين.
هذا ورسالتي إلى إخوتنا من المصابين
بفيروس «كورونا» في مصر وفي كل أنحاء العالم، أننا معكم بقلوبنا ودُعائنا، وأننا نصلي
لله -عز وجل- ونتوجه إليه بالدعاء، أن يمُنّ على الجميع بالشفاء العاجل، وأن يرحَمُ
كل مَن فارقوا الحياة بسبب هذا المرض، وأن يلهم أهلهم وذويهم الصبر والسلوان.
ولا يفوتني هنا أن أعبر عن تضامن الأزهر
الشريف مع كل الدول والشعوب التي تكافح تفشي هذا الوباء وانتشاره، وأؤيد أن تقديم يد
العون والمساعدة من القادرين إلى كلِ المتضرّرين والمنكوبين في أية بقعة من بقاع الأرض،
لهو واجب شرعي وإنساني، بل تطبيق عملي للأخوّة الإنسانية، التي تضعها هذه الأزمة على
محك اختبار حقيقي، يكشف عن مدى صدقنا والتزامنا بتباينها السامية.
ونصيحتي في كشف هذه الغمة أن نأخذ بالأسباب
الوقائية والأساليب الطبية والعلمية التي أمرنا بها الشرع بالتزامها والتقيد بها، وأن
نكثر من الصدقات، وأن يلجأ المؤمنون بالله إلى ربهم بالصلاة وبالدعاء بأن يفرج الله
هذا الكرب، ويكشف عن عباده هذه الغمة، وأن يلهم العلماء والباحثين، وأن يُعجل على أيديهم
اكتشاف العلاج من هذا الفيروس الخطير، فهو -سبحانه وتعالى- ولي ذلك والقادر عليه.
اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا
يخافك ولا يرحمنا يا أرحم الراحمين، اللهم يا حنان يا منان، يا قديم الإحسان، يا رحمان
الدنيا والآخرة ورحيمها، يا أرحم الراحمين، ويا ظهر اللاجئين، ويا جار المستجيرين،
يا أمان الخائفين، يا غياث المستغيثين، يا كاشف الضر، ويا دافع البلوى، نسألك أن تكشف
عنا من البلاء ما نعلم، وما لا نعلم، وما أنت به أعلم، إنك أنت الأعز الأكرم. وصلى
الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.