لم تشهد أسواق النفط العالمية في تاريخها مثل هذا الانهيار في الأسعار الذي تمر به حاليا، فصناعة البترول والغاز الطبيعي التي تلبي نحو 60 % من احتياجات العالم في الطاقة، باتت اليوم تعاني من أزمة مستحكمة بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد ، ومن حرب الأسعار بين الدول المنتجة للحصول على حصة من الأسواق ، وذلك وفق دراسة نشرتها مجلة الشئون الدولية ( فورين أفيرز ) الأمريكية على موقعها الإليكتروني.
وبالنسبة لأزمة جائحة كورونا، وما يتوقعه الخبراء الاقتصاديون من حدوث أسوأ موجه كساد منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، أشارت الدراسة إلى أن انهيار الطلب على النفط حاليا سيكون أكبر من معدلاته من أية مرحلة سابقة منذ أن أصبح البترول سلعة عالمية، حيث انخفضت أسعار النفط بالفعل بنسبة الثلثين منذ بداية العام الجاري، وتوقعت أن يكون التراجع في معدلات الاستهلاك العالمي للنفط خلال شهر أبريل وحده، أكبر بسبع مرات مقارنة بالتراجع الفصلي الكبير في أعقاب الأزمة المالية خلال عامي 2008 - 2009.
وأكدت الدراسة أن هذا التراجع الحاد في الأسعار سيسبب متاعب اقتصادية كبيرة للدول المصدرة، كما سيزيد من متاعب الأسواق المالية، إلى جانب ظهور مجموعة أخرى من التعقيدات لتزيد صعوبة الوضع الجيو-سياسي الحالي المشحون بالتوتر، ومن بينها تدخل الولايات المتحدة في أزمة انخفاض الأسعار للمحافظة على مصالحها بعد أن أصبحت مؤخرا أكبر منتج للبترول في العالم.
وأوضحت أن إنتاج البترول الأمريكي وصل إلى أعلى مستوياته في فبراير الماضي، مسجلا 1ر13 مليون برميل في اليوم، متخطيا معدلات أكبر الدول المنتجة للبترول، وجاء هذا الرقم القياسي بعد أن ساعدت التطورات التقنية على استخراج النفط من الحقول الصخرية بتكلفة ذات جدوى اقتصادية، لتتحول الولايات المتحدة من دولة مستوردة إلى مصدرة.
وعلى الرغم من أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان مؤيدا لأن تطرح الدول المنتجة للبترول منتجاتها بأسعار منخفضة، فإن الانهيار الحالي في الأسعار دفعه لتغير موقفه، حيث يمثل تحديات فريدة من نوعها لقطاع البترول الأمريكي، وهي تحديات سيكون لها تداعيات ملحوظة على الاقتصاد الأمريكي، في ظروف تحيط بها المخاطر.
وأشارت الدراسة إلى أن صناعة النفط - مثلها في ذلك مثل غيرها من الصناعات - تأثرت سلبا إلى حد كبير بجائحة كورونا، حيث أن الصين التي تعد أكبر مستورد للنفط في العالم، أوقفت وارداتها بسبب إغلاق معظم أنشطتها الاقتصادية نتيجة انتشار العدوى بالفيروس، بينما انخفض الطلب العالمي بنحو ستة ملايين برميل يوميا وهو معدل غير مسبوق خلال الربع الأول من العام الحالي، وأدى الإغلاق الذي تعرضت له كثير من الأنشطة الاقتصادية في العالم بسبب جائحة كورونا، إلى انهيار الطلب على النفط بمستوى لم يشهده العالم من قبل، وقدرت الدراسة أن حجم هذا الانخفاض يمكن أن يصل في شهر أبريل الجاري، إلى 20 مليون برميل يوميا وربما أكثر، أي بنسبة 20% من إجمالي الطلب.
وبرغم التراجع الحاد في أسعار النفط، فإن الدول المنتجة ما زالت تستخرجه من الآبار، وفِي حالة عدم استهلاك هذه الكميات فستتجه الدول المستوردة إلى تخزينه، ويمكن أن يتم ذلك عن طريق شاحنات البترول العملاقة التي ستتوقف بالموانئ، مع التوقعات بتشبع أماكن التخزين في مختلف أنحاء العالم مع نهاية أبريل الجاري أو أوائل مايو المقبل، واحتمال توقف الدول المنتجة الصغرى عن ضخ البترول من الآبار لعجزها عن تصريف إنتاجها، خاصة تلك الدول التي تتزايد فيها تكلفة استخراج البترول، مما يمثل ضربة مؤلمة لاقتصادها، فيما وصفته الدراسة بانهيار النظام النفطي الجديد.
وأشارت الدراسة إلى أن منتجي النفط الصخري سيتأثرون أيضا بهذا التطور، لأن تكلفة استخراجه عالية، وقالت إنهم يخفضون حاليا عمليات التنقيب عنه، ومن هنا فإن الإنتاج الأمريكي من النفط يمكن أن ينخفض بمقدار ثلاثة ملايين برميل يوميا بحلول نهاية العام الحالي، مما يؤدي إلى تراجع المكانة التي تتربع عليها الولايات المتحدة حاليا في مقدمة الدول المنتجة للبترول، إلى جانب فقدان آلاف الوظائف.