نجحت البورصة المصرية على مدار الأسابيع الخمسة الماضية، وبفضل إعلان البنوك عن خطط لإنقاذها، في استعادة أكثر من 80 مليار جنيه من خسائرها الحادة والتي تجاوزت 235 مليار جنيه منذ بدء تفشي فيروس كورونا وتداعياته السلبية على الاقتصادات وأسواق المال العالمية في منتصف فبراير الماضي.
وأكد خبراء ومتعاملون بالبورصة المصرية في تصريحات نقلتها وكالة أنباء الشرق الأوسط، أن شرارة تعافي بورصة مصر بدأت مع إعلان بنكي الأهلى ومصر (أكبر بنكين حكوميين في مصر) في التاسع عشر من مارس الماضي عن ضخ 3 مليارات جنيه لدعم سوق الأسهم المصرية، أعقبها بأيام إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي عن ضخ 20 مليار جنيه لدعم البورصة عبر البنك المركزي المصري.
وقالوا إن البورصة المصرية كانت تعاني مثل نظيراتها من الأسواق العالمية من النزيف الدامي والمتواصل للنقاط منذ منتصف فبراير الماضي ما أفقدها قرابة ثلث القيمة السوقية لشركاتها المقيدة ونحو 6 ألاف نقطة تعادل أكثر من 40 % من قيمة مؤشرها في أقل من 20 جلسة تداول متواصلة بين شهري فبراير ومارس الماضيين ليعادل وقتها المؤشر مستواه قبل أكثر من 3 أعوام.
وبحسب تقرير رسمي صادر عن البورصة المصرية، فقد سجل رأس المال السوقي لأسهم الشركات المقيدة بالبورصة المصرية بنهاية الأسبوع الماضي مستوى 4ر555 مليار جنيه، وهو مستوى يزيد بأكثر من 80 مليار جنيه عن قيمته بعد بدء تداولات يوم التاسع عشر من مارس الماضي والذي بلغ فيه 474 مليار جنيه وبنحو 60 مليار جنيه عن إغلاق اليوم السابق البالغ 494 مليار جنيه، وهو أدنى مستوى له في أكثر من 3 سنوات، كما بلغ مؤشر السوق الرئيسي "إيجي إكس 30" عند إغلاق الخميس الماضي مستوى 10120 نقطة، وهو مستوى أعلى بنحو 24% عن مستواه صبيحة يوم 19 مارس الماضي والذي كان قد لامس فيه مستوى 8200 نقطة.
وكان بنكا الأهلى ومصر قد أعلنا صباح يوم 19 مارس الماضي عن خطة تحفيزية لدعم البورصة المصرية بقيمة 3 مليارات جنيه بواقع 5ر1 مليار جنيه لكل بنك، لينجح هذا الإعلان في تبديل اتجاهات البورصة التي كانت تغرق في بحر الهبوط الحاد منذ النصف الثاني من فبراير السابق عليه، ويسترد رأسمالها السوقي في ساعات قليلة بعد الإعلان أكثر من 30 مليار جنيه من خسائره في جلسة واحدة وسط عمليات شراء قوية للمؤسسات وصناديق الاستثمار المحلية على الأسهم خاصة في القطاعات القائدة.
وجاءت بعدها بأيام قليلة توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي للبنك المركزي المصري بضخ 20 مليار جنيه لدعم البورصة، لتؤكد استمرار دعم الدولة ممثلة في أعلى مؤسساتها للبورصة المصرية كقطاع حيوي لطالما ظن بعض المتعاملون فيه بأن الدولة لا تعيره أي إهتمام.
ويأتي تدخل القطاع المصرفي لدعم البورصة المصرية، ضمن خطط الدولة المصرية سواء من قبل الحكومة أو البنك المركزي لمواجهة تداعيات تفشي فيروس كورونا على الاقتصاد، حيث أعلن المركزي عن العديد من الإجراءات لدعم الاقتصاد بدأت بخفض تاريخي لمعدلات الفائدة بواقع 3% أعقبها إجراءات لدعم السياحة والصناعة والعقارات والأفراد والمتعثرين ساعدت بشكل كبير في تخفيف تداعيات الفيروس على الأوضاع العامة للاقتصاد والمواطنين.
ويؤكد هذا التدخل من البنك المركزي والبنوك لدعم البورصة، والذي جاء بشكل مباشر لأول مرة في التاريخ، ليؤكد سرعة تفاعل الدولة مع الأزمات التي تصيب قطاعات الاقتصاد المختلفة، كما أن قدرة القطاع المصرفي على تقديم هذا الدعم الضخم الذي يصل إلى 23 مليار جنيه دفعة واحدة، هو نتاج مباشر لثمار برنامج الإصلاح الإقتصادي الذي بدأته مصر في نهاية 2016.
ويقول محمد عسران العضو المنتدب لإحدى شركات تداول الأوراق المالية، إننا ولأول مرة نجد أن البنوك وبتوجيهات سواء من أعلى مؤسسة في الدولة وهي مؤسسة الرئاسة أو البنك المركزي توجه دعما مباشرا للبورصة، لافتا إلى أن البورصة مر عليها على مدار العشرين عاما الماضية أزمات عديدة لم تتفاعل معها أية من جهات الدولة الرسمية، وهو ما يؤكد التغيير الكبير الذي تشهده مصر منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي حكم البلاد من حيث التعامل السريع والفعال مع الأزمات.
وأكد أن ثقة المستثمرين في الاقتصاد وسوق المال زادت بشكل مطرد، ما أدى إلى عودة شرائح عديدة من المستثمرين إلى البورصة، بل نجح ذلك في جذب شرائح عديدة من المستثمرين بعدما شاهدوا رئيس الدولة يعلن ولأول مرة اهتمامه بالبورصة، وهو أمرا لم يكن معهودا من قبل.
ونوه بأن تدخل البنوك المصرية لدعم البورصة كان تدخلا مباشرا من خلال شراء الأسهم التي هبطت أسعارها إلى مستويات متدنية للغاية مقارنة بقيمها العادلة، معتبرا أن التدخل المباشر كان أكثر نجاعة في إحداث أثرا إيجابيا على مؤشرات البورصة وأسعار الأسهم بعكس ما حدث في بورصات أخرى دعمتها دولها لكن لم يكن ذلك بشكل مباشر.
ولفت إلى أن أهم ثمار قرار تدخل البنوك بدعم البورصة، تمثل في قيامها بمواجهة مبيعات الأجانب المكثفة على الأسهم المصرية خاصة في الشركات والبنوك القائدة، مشيرا إلى أن الأجانب كانوا يقومون بعمليات بيع عشوائية وعنيفة على الأسهم هبطت بها إلى مستويات لا تقارن بقيمها العادلة الحقيقة، وجاء دخول البنوك الحكومية لشراء حصص الأجانب في هذه الأسهم قرارا حكيما أعطى الثقة في الشركات المصرية.
ما حدث من تحول في اتجاهات مؤشرات البورصة المصرية بعد التاسع عشر من مارس الماضي، جعل وكالة بلومبرج العالمية تسلط الضوء في تقرير لها على أن بورصة مصر تفوقت على بورصات العالم، وتعافت مؤشراتها بفضل تدخل البنوك المباشر وإعلان الرئيس السيسي عن حزم لدعم البورصة.
ويقول سمير رؤوف خبير أسواق المال، إن تدخل البنوك الحكومية (الأهلي ومصر) وبتوجيهات مباشرة من محافظ البنك المركزي طارق عامر لدعم البورصة وإعلانها عن ضخ 3 مليارات جنيه الشهر الماضي أنقذ البورصة المصرية من النزيف الحاد والمتواصل للخسائر، مشيرا إلى أن العديد من المحافظ المالية للمستثمرين كانت قد أوشكت على الإفلاس ومحافظ أخرى أصبحت بالسالب نتيجة عمليات الائتمان.
وأضاف أن قبلة الحياة للبورصة المصرية جاءت من الجهاز المصرفي وبالتحديد من البنك المركزي سواء بعد إعلان بنكا الأهلي ومصر عن خططها للدعم، قبل أن يعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي في الثاني والعشرين من مارس الماضي عن توجيهاته للبنك المركزي بضخ 20 مليار جنيه لدعم البورصة وهو إجراء يتخذ لأول مرة في تاريخ القطاع المصرفي والبورصة بأن يتم توجيه هذه المبالغ الضخم لدعم سوق البورصة.
وأشار إلى أن إعلان هيئة الرقابة المالية أيضا عن إدخال تعديلات في النظام الأساسي لصندوق حماية المستثمر بما يسمح باستخدام نحو 10 % من أمواله الضخمة التي تصل إلى 4 مليارات جنيه، عز أيضا من تعافي السوق ومن ثقة المستثمرين بالبورصة.
ونبه رؤوف إلى أن مؤشرات البورصة كانت مرشحة لمزيد من الهبوط الحاد بأكثر من 30 % أخرى فوق ما تكبدته من خسائر منذ بدء أزمة فيروس كورونا والتي تجاوزت 45 % من قيمة مؤشرها، ليأتي تدخل البنوك بمثابة نقطة التحول الرئيسية في مصير البورصة وبريق الأمل للمستثمرين في وقف خسائرهم بل واستعادة أموالهم، مشيرا إلى أن غالبية من الأسهم استردت بالفعل أكثر من 50% من خسائرها بعد ذلك.
وأكد خبير أسواق المال أن قرارات البنوك لم تشكل دعما مباشرا فقط للبورصة، بل شكلت حافزا للمستثمرين للعودة إليها وعدم فقدان الأمل، بعدما رأوا أموالهم تتلاشى أمام أعينهم فضلا عن نجاحها في إعادة الثقة للمستثمرين الحاليين بأن الدولة ترعى وتتابع عن كثب هذه سوق المال.
وذكر أن هذا الاهتمام غير المسبوق بسوق الأوراق المالية جعل البورصة بمثابة الفرصة البديلة للمضاربين في سوق العملة بعدما ضيق عليهم البنك المركزي النطاق، وأيضا في ضوء هدوء الاستثمار في القطاع العقاري في ظل الأوضاع الحالية، ما جعل مستثمرو هذا القطاعات يقدمون على دخول البورصة وبعضهم يفعل ذلك لأول مرة.
وتوقع استمرار تعافي البورصة المصرية في ضوء اهتمام الدولة والبنوك بهذا القطاع ليعكس بشكل مباشر الأوضاع الاقتصادية في البلاد والجهود التي تتخذها مصر على الصعيد الاقتصادي بعد برنامج إصلاحي شامل منح الاقتصاد والدولة القدرة على التحرك بمرونة كبيرة في التعامل مع الأزمات، ولولا برنامج الإصلاح الاقتصادي لكانت الأوضاع سيئة بدرجة لا يتحملها أحد.