الثلاثاء 18 يونيو 2024

لماذا اختفت قيم الشهامة والمروءة من الشارع المصري؟.. خبراء: لا ترتبط بالضغوط الاقتصادية وبعض المسلسلات وغياب الثقافة تسببا في ذلك.. واستعادتها مسئولية والأسرة والمؤسسات الدينية والتعليمية والإعلام

تحقيقات4-5-2020 | 16:41

حوادث عديدة شهدها المجتمع المصري خلال السنوات الأخيرة غابت خلالها قيم الشهامة والمروءة، بعكس القيم والعادات والتقاليد الأصيلة، التي تتكاتف فيه الأفراد عندما تحل الشدائد والملمات، حيث بات أمراً مألوفاً وعادياً أن تتعرض الفتيات والسيدات للتحرش وربما الاغتصاب وفى أماكن مكتظة بالآخرين دون تدخل منهم، وكم من مواطنين تعرضوا للسرقة والضرب وربما القتل فى بعض الأحيان، ذلك فى وضح النهار وعلى مرأى ومسمع  الجميع دون أن يحرك أحدا منهم ساكنا.

فيما قال خبراء علم اجتماع وأزهريون أن هذه الأخلاقيات تراجعت بفعل عدة أسباب من بينها الدراما والمعالجة الإعلامية وتخويف البعض من تبعات الشهامة والمروءة في المواقف، موضحين أن الشهامة لا ترتبط بالضغوط الاقتصادية أو الغنى والفقر ولكن بحسن التربية وثقافة التعاون، مشددين على دور الإعلام والمؤسسات التعليمية والدينية والثقافية ووضع خريطة عمل لتعزيز هذه الأخلاقيات.

 

 

دور الإعلام والأسرة والمؤسسات الدينية

وفي هذا السياق، قالت الدكتورة سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، إن قيم الشهامة والمروءة تراجعت بسبب العديد من الأسباب منها المعالجة الإعلامية التي تصور أن مقابل الشهامة هو فقدان الحياة أو التعرض للضرر، وليس الشكر أو التقدير، مضيفا إن هذا الأمر يؤثر سلبا على الأجيال الجديدة ويجعلهم يخسرون الكثير من شهامتهم .


وأوضحت في تصريح لـ"الهلال اليوم"، أن الشهامة قيمة أصيلة في الشخصية المصرية، وكانت تزرع عبر الفن والدراما والمؤسسات التعليمية، مضيفة إن نسبة 30% من المجتمع المصري تعاني من الأمية، لافتة إلى أن استعادة الأخلاقيات المفقودة مرة أخرى مسئولية تقع على عاتق الأسرة عبر دور الأب والأم وكذلك الإعلام الذي لا يقل دوره عن دور الأسرة وكذلك المؤسسات الدينية والمدرسة والجامعة.

 

وأضافت إنه لا بد من العمل بكل قوة على أن تعود الثقافة المصرية بكل مقوماتها العظيمة وأخلاقياتها، مشيرة إلى أهمية الإعلام والفن بكل أدواتهما سواء البرامج أو المسلسلات أو الأفلام أو الأغاني في عودة مصر والمصريين إلى قيمهم وأخلاقياتهم الأصيلة، فالإنسان المصري سيظل دائما شهما.


وأشارت إلى أن سلوكيات الشعب المصري تأثرت بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة بفعل العديد من الأسباب من بينها الفضائيات ومن بعدها وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا الحديثة، مضيفة إنه بعد أن تربى جيل من الشعب المصري على مسلسلات هادفة لتعزيز قيم الانتماء والأسرة وغيرها أصبحت المسلسلات الحالية لا تركز إلا على معايير الجمال والنظر للمرأة وكأنها سلعة.

 

 

وأشارت إلى أن هذه المسلسلات بها الكثير من مشاهد العنف والاعتداء على المرأة مما يؤثر على وجدان المشاهدين وخاصة أن هناك 60% من المجتمع من الشباب، مضيفا إن هؤلاء الشباب إما أن يكون وعاء قويا للتقدم والفكر والتحضر أو وعاء لقيم وسلوكيات العنف وإهانة الآخرين.

 

وأكدت أهمية أدوار وزارتي الإعلام والثقافة والمجلس الأعلى للثقافة في مواجهة هذا الانهيار، مضيفة إن الرئيس عبد الفتاح السيسي يستهدف بناء الإنسان، وهو أمر يتطلب إعادة النظر في الإعلام المصري وفضائياته، والسوشيال ميديا وعدم تركها لمن لا يقدر دور مصر العظيم على مر التاريخ.


استعادتها مسئولية مشتركة

ومن جانبه، قال الدكتور طه أبو حسين، أستاذ علم الاجتماع بجامعة الأزهر، إن قيم الشهامة والمروءة والإقدام ومساعدة الآخرين كلها أخلاقيات مرتبطة بعنصر الإنسان، وهناك أسباب كثيرة  جعلت هذه الأخلاقيات تتراجع خلال السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ منها، التعقيدات الإدارية والحالة الاقتصادية سواء كانت ضاغطة أو غير ضاغطة وكذلك التكنولوجيا الحديثة.

 

وأوضح في تصريح لـ"الهلال اليوم"، أن البعض يرى أن تدخله للدفاع عمن يتعرض للاعتداء أو ما شابه يجعله يتعرض للمساءلة ويجلب له المتاعب بشكل قد يصل إلى المحاكم أو حتى القتل، رغم أن الله تعالى قال في كتابه "لا يضار كاتب ولا شهيد" بمعنى أن الرجل الذي يهم بالدفاع عن الآخرين لا يتضرر، ما ساهم في هدم رغبة التدخل وإنقاذ الآخرين.

 

وأكد أن المروءة والشهامة أخلاقيات سامية وعلى الشخص أن يتفهم تبعات هذه الأخلاقيات، فهي عادة وخلق أصيل في الشخصية المصرية العربية والإسلامية، مضيفا إن من أخلاق العرب حتى قبل الإسلام امتلاكهم الجرأة والشهامة والمروءة والكرم والشجاعة فهي أشياء أصيلة عندهم.

 

وأشار إلى أن السوشيال الميديا تنازع أيضا هذه الأخلاقيات، وجاءت السنوات العشر أو الـ12 الأخيرة لتؤكد تراجع الأخلاقيات وغياب قيم الشهامة، فأصبح الناس يرون البطولة فقط في نجوم الرياضة والفن، وليس في العلماء في كافة المجالات أو حتى النماذج الملهمة، موضحا أن معالجة هذه السلبيات هو مسئولية مشتركة.

 

وأوضح أن العودة للأسس التربوية السليمة والقيم الدينية وزيادة دور مؤسسات الدولة الدينية والإعلامية والثقافية مهمة جدا لاستعادة هذه القيم مرة أخرى.

 

الشهامة لا ترتبط بالضغوط الاقتصادية

فيما قال الدكتور عبد المنعم فؤاد، أستاذ العقيدة بالأزهر، إنه لا يمكن تفسير تراجع أخلاقيات الشهامة والمروءة في المجتمع المصري خلال السنوات الأخيرة بفعل الضغوط الاقتصادية، فالشهامة لا ترتبط بالغنى والفقر وإنما ترتبط بحسن الخلق والتربية الصالحة ونشر ثقافة التعاون في المجتمع.

 

وأوضح في تصريح لـ"الهلال اليوم"، أن غياب هذه الثقافة عن الإعلام وبعض المسلسلات والأفلام أدى لتراجع تلك القيم، مضيفا إننا نحتاج لهذه القيم وأن نذكر الناس بأن الأوطان لا تبنى إلا من خلال الأخلاق، فإذا أردنا أن تعود هذه الأخلاقيات مرة أخرى فيجب علينا وضع منظومة كاملة تدعو إلى هذه القيم عبر الإعلام والتربية والتعليم ووزارتي الثقافة والشباب والرياضة.

 

وأكد أن الشهامة لم تذهب عن الجميع لكنها ذهبت عن البعض الذي يعد بمثابة الزبد، مضيفا "أما الذهب فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض"، فبلادنا وأمتنا بها خير كثير لكن هذا القليل هو الذي يطفو على السطح، ومعالجته تكون بوضع خريطة تعليمية وشبابية وثقافية وإعلامية.

 

 

 

وأشار إلى أن بعض المسلسلات التي ظهرت في الآونة الأخيرة أدت إلى تراجع الأخلاقيات ومن بينها الشهامة والمروءة عبر التخويف وإظهار أن من يمسك العصا من المنتصف هو القوي في المجتمع، لذا يجب نشر القيم والأخلاقيات مرة أخرى عبر الدراما والفن الذي يبني ولا يهدم.