قررت النيابة العامة نَدْب أحد الأطباء الشرعيين لتشريح جثمان المتوفى المتهم شادي حبش بمحبسه، والمحبوس احتياطيًا على ذمة القضية ٤٨٠ لسنة
٢٠١٨ حصر أمن الدولة العليا، بالعيادة الخاصة بسجن القاهرة بمنطقة سجون طرة، لبيان السبب المباشر الذي أدى إلى وفاته، وإذا ما كان بجثمانه أية
إصابات وسبب وكيفية وتاريخ حدوثها إن وجدت ـ، وأخذ عينة حشوية منه لبيان مدى
احتوائها على أية مواد مخدرة أو مسكرة أو سامة أو كحولية من عدمه، وفي حالة وجودها
بيان مدى تسببها في وفاته، ومدى جواز حدوث الواقعة وفق التصوير الذي أسفرت عنه
التحقيقات حتى تاريخه، وكذلك بيان مدى صحة الإجراءات الطبية التي اتخذها الطبيبان
اللذين وقعا الكشف عليه.
وتلقت النيابة العامة إخطارًا من قطاع مصلحة السجون مساء اليوم الأول
من شهر مايو الجاري بوفاة المتهم شادي حبش ـ المحبوس احتياطيًا على ذمة القضية ٤٨٠
لسنة ٢٠١٨ حصر أمن الدولة العليا ـ بالعيادة الخاصة بسجن القاهرة بمنطقة سجون طرة،
فأمرت النيابة العامة بالتحقيق في الواقعة.
وبانتقال النيابة العامة لمناظرة جثمان المتوفى لم يُعثر على أية
إصابات ظاهرة فيه، وبسؤال الطبيب المنوب المكلف بسجن القاهرة يوم الواقعة؛ قرر
بإخطاره فجر هذا اليوم بإعياء المتوفى، وبتوقيعه الكشف الطبي عليه تبين حُسن
إدراكه وطبيعية معدلات علاماته الحيوية، بينما أعلمه الأخير بشربه خطأً كمية من
الكحول ظهيرة اليوم السابق على وفاته، مُدعيًا إليه بعدم علمه قدرها واشتباهه في
كون الزجاجة التي كانت معبأة فيها زجاجة مياه، وشعوره لذلك بآلام بالبطن، فأعطاه
مطهرًا معويًا ومضادًا للتقلصات وأعاده لمحبسه لاستقرار حالته، وطالع ملفه الطبي
فتأكد من عدم سابقة إصابته بأي أمراض مزمنة - وقد طالعت النيابة العامة صورة من
الملف
وفي صباح ذات اليوم أُبلِغ مرة أخرى باستمرار إعياء المذكور وإصابته
بقيء، فكشف عليه وتأكد من طبيعية معدلات علاماته الحيوية، ثم حقنه بمضاد للقيء
وأعاده لمحبسه وتواصل مع طبيب منوب آخر يعاونه أكد له صحة ما اتخذه من إجراءات
لعلاج المتهم، ولإبلاغه ظهيرة ذلك اليوم باستمرار شكوى المتوفى خاصة من آلام
بالبطن، حَقنَه بمضاد للتقلصات عقب كشفه عليه وتأكده من سلامة معدلات علاماته
الحيوية، وفي المساء ولاستمرار إعيائه أخبر الطبيب المعاون بأمره ليستكمل علاجه،
والذي بسؤاله قرر بطلبه - فور إخطاره - نقل المتوفى إلى عيادة السجن حتى وصوله
لتوقيع الكشف عليه، وعلمه من الطبيب الآخر بادِّعاء المتوفى شربه كمية من الكحول،
وأنه تبين من توقيع الكشف عليه اضطراب درجة وعيه وضعف نبضه وضغطه، فأجرى إسعافات
أوليه له، وشرع في اتخاذ إجراءات ترحيله الفوري لمستشفى خارجي، وتجهيز سيارة إسعاف
لنقله، وإثر سوء حالته أعطاه محاليل وحاول إنعاش قلبه ورئتيه، إلا أنه لم يستجب
وتوفى إلى رحمة الله
وسألت النيابة العامة ثلاثة من مرافقي المتوفى بالغرفة التي كان
محبوسًا فيها، فشهد أحدهم بتفاجئه ظهيرة اليوم السابق على الواقعة بدخول المتوفى
في نوبة من الضحك الهستيري باديًا على غير طبيعته، ولما استعلم منه عن سبب ذلك
أعلمه بشربه خطأً رشفة من الكحول المسموح به لتطهير أيدي المحبوسين احترازًا من
فيروس "كورونا"، وفي مساء هذا اليوم فوجئ بإصابة المتوفى بقيء وصداع
شديديْن، وباستطلاعه أمره طمأنه المتوفى وأعلمه بشعوره بألم في عينه، فحاول بعض
المحبوسين رفقتهما إطعامه ولكنه تقيأ مرة أخرى، فأعطاه بعضهم عقارا مضادا
للقيء كان بحوزتهم؛ ولكن حالته لم تستقر بتناوله واستمرت مظاهر الإعياء عليه
شاكيًا من عدم قدرته على الإبصار بوضوح، ولتشككه فيما أعلمه المتوفى به مِن مجرد
شربه خطأً رشفة من الكحول، أعاد سؤاله عما شربه تحديدًا فلم يجبه لشعوره بالدوار،
ثم أخذ والمحبوسون رفقته في التأكد من مدى نقصان الكحول حوزتهم؛ فتأكدوا من سلامته
بينما عثروا بسلة المهملات على عبوتين من الكحول فارغتين سعة الواحدة نحو مائة
مللي تقريبًا من نوعية مغايرة لم يستخدمها سوى المتهم وحده، إذ وجدوا في متاعه
عبوة من ذات النوع.
في صباح يوم الوفاة، استغاث المحبوسون رفقة المتوفى بأفراد الحراسة
لإسعافه وتوقيع الكشف الطبي عليه، فنُقل فجرًا إلى عيادة السجن، ومكث فيها قرابة
عشرين دقيقة ليعود مخبرًا إياهم بتوقيع الكشف الطبي عليه وحقنه بعقار مضاد للتقيؤ،
ثُم سقط حال تحدثهم إليه وابيضت عيناه وأصابه القيء مرة أخرى، فحاولوا إطعامه
ولكنَّه استمر في التقيؤ وأصيب بهذيان، فاستغاثوا له مرة أخرى مع مطلع النهار،
فنقل لعيادة السجن في غضون العاشرة صباحًا ومكث بها قرابة ساعتين ثم عاد إلى
محبسه، حيث علموا منه بطلبه من الحراسة العودة إلى محبسه لحين حضور الطبيب الذي لم
يكن وصل للسجن بعد، وآنذاك شكا المتوفى إليهم مِن عدم تمكنه من الإبصار بوضوح
وخشيته من العمى، فظلوا يستغثيون له حتى نُقل في الثانية ظهرًا لتوقيع الكشف الطبي
عليه، ولما استيقظ الشاهد أبصر المتوفى نائمًا وعلم من رفقائه بتناوله محلولًا
لعلاجه وأن الأطباء أخبروهم باحتمالية استمرار تَقَيُّئِه ثم استقرار حالته من بعد
ذلك، وفي مغرب هذا اليوم استيقظ المتوفى متألمًا بشدة جاحظ العينين فاقدًا للوعي
مصابًا بحالة من الهذيان، فاستغاثوا لإسعافه، ونُقل لذلك إلى عيادة السجن ثم علموا
لاحقًا بوفاته، وقد أكد الشاهد على استقرار حالة المتهم الصحية – البدنية والنفسية
- قبل وفاته، وعدم شكواه سلفًا من أية أمراض مزمنة، وعدم التعدي عليه من قبل،
نافيًا احتمالية إقدام المتوفى على الانتحار.
بينما سألت النيابة العامة نزيلين آخريْن من رُفقاء المتوفى بمحبسه،
فشهد أحدهما بمضمون ما شهد به سابقه موضحًا حيازة المتوفى ثلاث زجاجات من الكحول
سعة الواحدة نحو مائة مللي – من نوع ليس مع غيره - وأنه ورفقاءه بمحبسه عثروا على
عبوتين منها فارغتين بسلة المهملات مؤكدًا على استقرار حالة المتوفى النفسية قبيل
وفاته، وعدم شكواه من أية أمراض مزمنة من قبل، وعدم تعرضه لسابقة تعدي عليه طوال
فترة حبسه.
بينما شهد النزيل الآخر بإبصاره المتوفى ظهيرة اليوم السابق على وفاته
بساحة السجن ـ صحبة آخريْن ـ وبحوزته زجاجة مياه غازية؛ فشرب هو رشفة منها فتذوق
طعما غريبًا بها، وآنذاك ضحك المتوفى فلما سأله علم منه بخلطه المياه الغازية
بمادة الكحول المستخدمة في تطهير الأيدي؛ ليكون لها تأثير كتأثير الخمر، ثم لما
عادا لمحبسهما وحل وقت المغرب لاحظ تردد المتوفى أكثر من مرة على دورة المياه، ثم
أصابه لاحقًا قيء وصداع، فسأله رفقاؤه عن سبب سوء حالته الصحية فقرر إليهم بشربه
مادة الكحول، وأكد الشاهد لهم ذلك مخبرًا إياهم بشربه كذلك رشفة من زجاجة المياه
الغازية المخلوطة بالكحول والتي كانت حوزة المتوفى، ثم أدلى بتفصيلات ما حدث
للأخير حتى وفاته على نحو ما شهد به الشاهدان الآخران، وأضاف بإصابته في
اليوم التالي على واقعة الوفاة بالإعياء والقيء، فأحال رفقاؤه سبب ذلك إلى ما شربه
من المياه الغازية المخلوطة بالكحول التي كانت حوزة المتوفى، ونصحوه بالإفصاح عن
ذلك لسلطة السجن، فأبلغ عن الواقعة وتلقى العلاج اللازم، هذا وقد أنهى الشاهد في
سؤاله بأن تلك المرة كانت الثانية التي شاهد فيها المتوفى يشرب مياة غازية مخلوطة
بالكحول، وأنه علم من رفقائهما بالمحبس أنه شرب نحو زجاجتين من تلك المادة سعة
الواحدة نحو مائة مللي تقريبًا، مؤكدًا على عدم تعرض المتوفى لأي تعد سابق خلال
محبسه، وأن حالته النفسية قبل وفاته كانت جيدة ومستقرة