غريبة هي الحياة، لاتبقى أبدا على
حال، ودائما تدور الدوائر، فربما لن يصدق أبدا أي أحد أن الفنان إسماعيل يس الذي تحل
ذكرى رحيله اليوم انتهت مسيرته الفنية وحياته كما بدأ، فقد عمل منولوجست في فرقة
بديعة مصابني، وعلمه الفنان سيد سليمان تلك المهنة ليتفوق عليه ويصبح أشهر
منه، ثم ينطلق إسماعيل في رحلته السينمائية مشاركا بدور بسيط في فيلم خلف الحبايب
عام 1939 لتستمر رحلته كممثل مساعد أو صاحب الدور الثاني أو الثالث لمدة عشر سنوات
كاملة.
كان إسماعيل قد أثبت موهبته وتصينفه
كممثل كوميدي، بالإضافة إلى إثراء الأعمال التي شارك فيها بمنولوجات غناها تواكب
أحداث الأفلام حتى مطلع عام 1949 حيث بدأت البطولة في رحلته، حتى وإن كانت جماعية
مع شادية وشكوكو في فيلم "ليلة العيد".. وقد يذهل القارئ لو عرف أن ذلك العام شهد أغزر مشاركة لإسماعيل يس حيث شارك بالبطولة والدور الثاني في 19 فيلما .
رغم احتلال إسماعيل يس الأفيش وضلوعه
بالبطولة المطلقة منذ عام 1950 ومنها مثلا فيلم "المليونير"، إلا أن
الغرور لم يتملكه واستمر في قبول دور الممثل المساعد في العديد من الأفلام مع محمد
فوزي وأنور وجدي وفريد الأطرش، ومع بداية عام 1954 أصبح إسماعيل يس نجم الشباك
والاسم اللامع، حيث قام ببطولة أفلام "بنت البلد وبحبوح افندي وإوعى تفكر
وإنسان غلبان والآنسة حنفي" مع سلسلة "إسماعيل يس في الجيش" وغيرها من الأفلام.
ووجب التنويه إلى أن العديد من أفلام
إسماعيل يس قد تم تغيير أسمائها، ومنها فيلم "السعد وعد" وكان اسمه "ماحدش
واخد منها حاجة" وفيلم "اسماعيل يس في الجيش" كان إسمه "إسماعيل يس
دفعة" وفيلم "إسماعيل يس يقابل ريا وسكينة" كان إسمه "إسماعيل
يس في بيت ريا وسكينة".
وفي عام 1966 داهمت الضرائب إسماعيل يس وطالبته بمبلغ 31 ألف
جنيه وكان نجمه قد أفل حيث مثل أخر بطولة له عام 1965 وهو فيلم "العقل والمال"،
وعندما ضاقت به الحياة في مصر ككثير من الفنانين سافر إلى الكويت ومنها إلى لبنان
ليقوم بعدة أدوار هامشية هناك ومنها "فرسان الغرام وعصابة النساء وطريق الخطايا".
وعاد إسماعيل إلى مصر وأعاد تكوين
فرقته المسرحية وما لبث أن أصيب بالمرض وتوقفت عروض الفرقة، وأدار المنتجون
والمخرجون وجوههم عنه وأصبح يتسول العمل، وهدد بأنه سيفتح مطعما للكشري لأنه لايجد
عملا بالسينما أو المسرح، وفي حديث له بمجلة الكواكب عام 1967 أشاد إسماعيل بفؤاد
المهندس ووصفه بأنه يتقن أدواره ويختار نصوصه بعناية، وهذا سر نجاحه، وأيضا قال إن
فؤاد نجح في تكوين فرقة الفنانين المتحدين وهو مستعد للعمل معه في الفرقة لو سمحوا له.
جهات عديدة لم تهتم بنداءات إسماعيل
يس، سواء رسمية أو فنية لكي تدعمه لينقذ فرقته أو حتى ليوفروا له فرصة عمل، وطال
انتظاره، ووضح للضرائب أن معظم أفلامه تم احتساب الضريبة عليها مرتين، مرة بالاسم
القديم ومرة بالجديد، لكن لم يعبأ أحد بتوضيحه وحجزت الضرائب على عمارتيه وسيارته
وبعض الجنيهات الموجودة في البنك، ولم يجد إسماعيل مفرا من أن يعود للعمل مرة أخرى في
الملاهي الليلة كمنولوجست حتي يكسب بعض الجنيهات التي تعينه على الحياة، ورحل
إسماعيل يس في مثل هذا اليوم عام 1972 وهو لم يكمل الستين عاما، وكانت نهايته فقيرا
بائسا مكتئبا كما بدأ فقيرا بائسا ليستحق لقب .. المليونير الفقير.