السبت 28 سبتمبر 2024

علاء رأفت: دار العلوم لابد أن تعامل معاملة الكليات العسكرية فى اختيار الدارسين

19-4-2017 | 14:13

حوار : سلوى عبد الرحمن

مائة وستة وأربعون عامًا هى عمر كلية دار العلوم التى أنشأها على مبارك باشا عام ١٨٧١، وطوال هذا العمر تعرف الكلية بأنها الأصعب فى دراستها والأكثر تشددًا فى شهاداتها.

لكن أضيقت إليها صفة أخرى فى السنوات الأخيرة.. أنها إحدى المؤسسات المتهمة بتصدير الفكر المتطرف من خلال خريجيها ليتحولوا بعد ذلك لإرهابيين يحملون السلاح أساتذة الكلية يرفضون الاتهام برمته ويعتبرونه تجاوزا غير مقبول لدور الكلية، وإهدارا لجهدها فى محاربة التطرف . في دار العلوم طلب منا عميد الكلية ألا نكتفي بالحديث معه وأن يكون الحوار جماعياً يشترك فيه اثنين من كبار أساتذة دار العلوم، دار العلوم لم تخرج متطرفين والإرهابيين؛ ليوضحا لنا ما هو دور الكلية فى معالجة هذا التطرف والإرهاب.. فإلى نص الحوار:

وكانت البداية من رؤيتهم للهوم الذى تتعرض ده كلية دار العلوم واتهامها بالتطرف؟

دار العلوم من الكليات العريقة التى أنشئت عام ١٨٧١ على يد مؤسسها الأول على مبارك باشا، الذى كان يريد بإنشائها أن يحاكى المعاهد العلمية على مستوى العالم، والتى تواكبت مع افتتاح دار الكتب المصرية، والهدف منها أن تكون هناك كلية تجمع بين الأصالة والمعاصرة، فكان يدرس بها جميع العلوم كالكيمياء والفيزياء، ثم استقرت بعد ذلك مناهج دار العلوم عندما التحقت بالجامعة عام ١٩٤٦ وأصبح مفهوم دار العلوم مقصورا على العلوم العربية والإسلامية والتاريخية فقط، وخريج دار العلوم يستطيع أن يدرس اللغة العربية والدراسات الإسلامية فى نفس الوقت بالمدارس الحكومية.

سألته هناك دعوة لتطوير المناهج لتواكب العصر.. أين دار العلوم من ذلك؟

بخصوص الدعوة إلى تطوير المناهج بكليات مثل دار العلوم والتربية والدراسات الإسلامية، نحن جميعا نرحب بهذا التطوير، لأن الدولة الآن تحاول أن تعيد صياغة الخطاب الدينى وصياغة الخطاب اللغوى وصياغة التعامل مع الآخر، فنحن فى وطن يجمع بين ثقافات وأيدلوجيات وديانات مختلفة، فلابد من التعايش فى هذا الأمر، ولا ننسى النموذج الذى كان فى بداية الإسلام فى المدينة المنورة، عندما انتقل الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة للمدينة، وكان يجاوره فى المدينة اليهود والمسيحيون، وكان هناك ميثاق للتعايش والتعاون، إذا نحن الآن بداية بالدولة ننادى بإعادة مفهوم التعايش ولك دينك ولي دينى ولك ما لى. والخلاصة أن جميع الجامعات ترحب بتغيير المناهج، وتحاول أن تنقى المواد من الشوائب الموجودة، والتى قد يفهم من تدريسها أنها توجه بعض الأشخاص إلى مفهوم مختلف، فلابد من الاتفاق على ميثاق معين ومعايير وصفات محددة، وهذا ما تدعو إليه هيئة الاعتماد والجودة عندما تعتمد أى مؤسسة، لابد من وجود برامج موفقة ولها توصيف يعتمد عليها الأساتذة فى كلياتهم، وتكون هناك ملامح لدورجميع قطاعات الكلية فى جميع المحافظات المتواجدة فيها، فجميعهم ينطلقون من منطلق واحد وليس من منطلقات متعددة، وكيلا تتهم مؤسسة بعينها بأنها تخرج إرهابا وما إلى ذلك.

هل هناك معايير لديكم تطبقونها الآن لقبول الدارس بالكلية؟

المعيار الوحيد الذى لدينا هو المجموع فقط، لذلك نحتاج إلى إعادة نظر، فنحن كلية نوعية، وتتهم بأنها تخرج أناسا يفهمون الدين بصورة خاطئة، لذلك أنادى بأن تعطى الفرصة لهذه المؤسسات أن تختار الطالب الذى يدرس عندها، كما يحدث فى كليات الشرطة والكليات العسكرية، عندما يكون هناك كشف وامتحان هيئة، وأيضا يعطون الفرصة للأعداد التى تأتى إلى مكتب التنسيق؛ لنقدم لها امتحانا تحريريا، ومن ينجح يدخل امتحانا شفويا، وتكون هناك أيضا مقابلة لهذه الأعداد، ونختار منها الصالح للدراسة فى هذه الكليات، إذن أعطنى فرصة لفهم هذا الخريج وتعليمه بمناهج محترمة، ثم بعد ذلك حاسبنى بأن هناك أخطاء أو خروجا عن الخط، وهذا الأمر لا يكون من خلال مؤسسة تعمل وحدها منفردة بل لابد وأن تكون كل القطاعات المختلفة، يجتمع علماؤها ورؤساؤها لوضع ميثاق يلتزم به الجميع وتؤيد الدولة هذا الأمر، ويكون هناك قرار علوى بإعطاء الفرصة لوضع مناهج تتناسب مع الجميع، وأن يكون هناك خبراء علم نفس وخبراء علم اجتماع وعلم السلوك وخبراء فى مستويات اللغة والدين والدراسات الإسلامية، حتى تكون المسألة ليس فيها أمر يفسدها. فدار العلوم ترحب وتفتح ذراعيها لأى تطوير يخدم المواطنة والدولة والخريج، وبدون التفكير فى إصلاح منظومة التعليم فى كل مراحله لن تكون هناك نهضة ولن يكون هناك إصلاح مجتمعي، وستكون صيحات فى الهواء، وسيكون رد فعل لأى حادث يحدث ثم تنام المسألة بعد ذلك، فلابد أن نهتم بالتعليم والمناهج والمؤسسات والكل يعى الهدف من هذا الإصلاح.

هل ترى أن تغيير المناهج يقتصر على الجامعات فقط، أم يجب أن يكون فى باقى المراحل؟

إن الذين يضعون المناهج خبراء، فسواء كانت الجامعات أو المدارس، المهم أن نبدأ من المرحلة الابتدائية بوضع مناهج محترمة، وتؤصل إلى الأخلاق والعلم وتنقى المناهج من أى شئ يؤثر على سلوك الطفل فى هذه السن الصغيرة، فمرحلة ابتدائى مرحلة خطيرة ومهمة فهى مرحلة التلقى، والأمر الثانى ينتقل خبراء للمرحلة الإعدادية ويبنون على ماحدث فى المرحلة الابتدائية، ولايكررون أنفسهم، ويعطون جرعة لكل مرحلة تبنى الشخصية لكل المرتكزات من الجانب النفسى والاجتماعى والتاريخى والعلمى والدينى وهكذا، ثم ينتقل للمرحلة الثانوية وتأتى المناهج التى تخرج هذا الخريج الذى سيأتى إلى الجامعة مجهزا، وكلية التربية لها ضلع كبير فى هذا الأمر، لأنها تخرج كل المدرسين الذين يدرسون فى المراحل ما قبل الجامعة، فلابد أن نركز على هذا المدرس من خلال منهج أكاديمى محترم ومنهج تربوى مكتمل، هكذا سيكون الإصلاح شاملا إذا تم تطبيق هذا النظام سنصلح كل خلل يطفو على السطح أولا بأول ونعطى من ميزانية الدولة الحد الكبير للتعليم وللصحة لأن العقل السليم فى الجسم السليم.

هل هناك مبادرة بتش كيل لجان لدراسة المناهج بدارالعلوم؟

نحن من عامين بالتحديد بدأنا نعيد النظر فى المناهج وإعادة النظر فيما يقدم للطلاب، فكان يقدم للطلاب فى المقرر الواحد أكثر من ستمائة أو سبعمائة صفحة، أصبح الآن يقدم للطالب فى كل كتاب حوالى مائتين وخمسين صفحة، ذلك لأننا نقدم له التوصيف المنضبط بعيدا عن الحشو والأقوال الكثيرة، ولا نكرر أنفسنا فى هذا المجال، فكان الطالب يدرس فى العام الواحد سبعة وعشرين كتابا أصبح الآن يدرس أحد عشر مقررا، فالمادة يدرسها أستاذان وثلاثة، إلى جانب أننا تقدمنا للاعتماد والجودة من خلال توصيفات محددة، اكتشفنا أنه لابد من وجود مقررات تخدم الطلاب فى دراستهم، فأنشأنا مقررات جديدة لقاعة البحث؛ ليجد الطالب فى المكتبة ما يريده وينمى نفسه، وأيضا الطالب كان يخرج خلال أربع سنوات ويلقى فى اليمّ ليدرس، أصبحنا الآن فى السنة الثالثة والرابعة نجعله يذهب إلى المدارس يتدرب من خلال مقرر التربية الميدانية، فنحن نقيد تقييم مقرراتنا كل أربع أو خمس سنوات، وإن كان هناك خلل نصلحه، وإن كان هناك أمر جيد نحاول أن نحسنه.

..هل هناك تعاون بينكم وبين أى كلية موازية خارج مصر؟

خارج مصر ليس هناك أى تعاون، ولكن نحن نضع معايير كليتنا، ويقاس عليها، ولكن التعاون بين الفروع والكليات الموازية داخل مصر.

.. ما هو شكل التعاون بينكم وبين الكليات المماثلة فى الجامعات المصرية للتنسيق بالنسبة للمناهج؟

نحن نمثل قطاع الآداب ودار العلوم، فهناك أربع كليات مثلى، فلدينا كلية الآداب تدرس لغة عربية، نتشاور معهم فى المناهج والاتفاق بين المجلس الأعلى للجامعات فلديه قطاع، وهذا التعاون يوافق عليه من خلال لجان متخصصة.

هل دور الكلية ينحصر ما بين جدرانها دور الجامعة لاينحصر أبدا بين الجدران فقط بل نخرج للمجتمع، ونقدم مؤتمرات وندوات وقوافل توعية، ولدينا مراكز تدريب على أعلى مستوى، ويأتى لنا طلاب وإعلاميون وصحفيون وإذاعيون للتدريب لدينا، فنحن منفتحون على المجتمع الذى يستقى منا المعلومات وليس كما يشاع عنا كلية منتجة للإرهاب.

• • • • •

.. هل توجد بالكلية مناهج تدعو للتطرف وخاصة فى قسم الشريعة الإسلامية؟

توجهت بالسؤال إلى دكتور محمد المنسى رئيس قسم الشريعة الإسلامية ووكيل الكلية الذى أكد أنه لا يمكن أن تكون كلية بحجم وتاريخ دار العلوم تتضمن منهجا واحدا على الأقل يدعو إلى التطرف، ولكن التطرف يوجد بصفة عامة ليس فى دار العلوم فقط، ولكن فى أماكن مختلفة لأسباب متعددة، إذا ليس لدينا منهج بأكمله يخلق حالة تسمى بحالة التطرف، ولكن قد تكون لدينا آراء متطرفة لا تتعلق بالوضع الحالى بل تتعلق بأحكام شرعية فى الغناء وسماع الموسيقى مثلا وكثير من الفنون الحديثة والمعاصرة، فنجد هناك من يشدد أو يخرج آراء متشددة فى هذا الإطار فالكلية لا تخرج متطرفين إرهابيين دائما تخرج مؤهلين والتتشدد له أسبابا أخرى.

هل هذا التشدد من قبل الطلاب أم الأساتذة؟

التشدد يكون من قبل الطلاب، فمنهم من يتبنى هذه الآراء، ونحن نعلم أن تبنى التشدد يعكس حالة عقلية ونفسية للشخص.

كيف تخرج داعية مستنيرا يحمل فكرا يضع المجتمع على المنهج الوسطى؟

إذا تأملنا جميع أساتذة الشريعة والإسلاميات عموما فلدينا العلوم الإسلامية ثلاثة أقسام قسم الشريعة الإسلامية الذى يعلّم الطالب أحكام العبادات والمعاملات، ويعطى له قواعد الاستنباط الفقهى فى أصول الفقه، ويعطى له كميات من النصوص فى القرآن والسنة التى يتعلم منها المعاملات والآداب الشرعية، التى لابد أن يلتزم بها الطالب، ويدعو الناس إلى الالتزام بها فى الزواج والطلاق وسائر المعاملات، فنحن ننطلق فى تدريسنا للعلوم الشرعية من القرآن والسنة وتفاسير الفقهاء، ولكن من الممكن كأستاذ أعثر على رأى فقهى به نوع من التشدد فأعالجه ولا أتركه بمفرده هكذا أمام الطلاب لأن هذا جزء من دورى كمعلم فلا أستطيع أن أمحو الرأى الفقهى المكتوب فى كتب الفقهاء، ولكن أستطيع أن أرد عليه وأناقشه، فأنا اليوم أناقش مع الطلاب فى منهجى فى السنة الثالثة كيفية التعامل مع غير المسلمين وقواعده، ونحن نعلم ما تعرضنا له من أحداث فى الفترة الأخيرة يرجع إلى قناعة عند بعض الناس بأن غير المسلمين ليس من حقهم الحياة، وبالتالى هو يسعى إلى إبادتهم.

هل هذا النوع من الطلبة يوجد فى الكلية لديكم وكيف تعالجون هذه الأفكار؟

أنا لا أستطيع أن أتحكم فى الحياة الاجتماعية لهؤلاء الطلبة أو فى الأفكار التى يتلقونها من هنا أو هناك، لكننى أمتلك أن أصحح الفكرفهذا دورى كمعلم فى دار العلوم، فنحن فى فترة وجيزة نقلنا دار العلوم من سمعة لم نكن نرضى عنها إلى سمعة جديدة، فهناك واقع جديد لدينا وتصد للقضايا المعاصرة فأنا أقوم بتدريس غلاء الأسعار والانتماء للوطن، والتى ضعفت فى مؤسسات تعليمية كثيرة جدا فأنا الآن من شرحى لأحاديث النبى صلى الله عليه وسلم أثبت أن الانتماء إلى الوطن فريضة والكفر بهذه الفريضة يعرض الإنسان إلى الوقوع فى كبائر الذنوب لأن عقوق الأوطان ليس أقل من عقوق الوالدين بل هو أشد، فبالتالى نحن فى ظل هذا المناخ المضطرب الذى يعيش فيه الطالب ونعيش فيه جميعا نحتاج إلى رؤية معاصرة تتناول كافة القضايا التى هى محل جدل عند الطلاب، وبالطبع محاولة لبعض الاتجاهات تحاول أن تفرض رأيها وأسلوبها فى التفكير على الشباب عموما، فنحن لدينا القاعدة الطلابية شبابية، وهؤلاء الشباب مستهدفون من تيارات متعددة بعضها متوسط وأكثرها متطرف وبعضها لديه شيء من العلم وأغلبها يستخدم العلم لخدمة أغراض شخصية أو أغراض فئوية، أو كما يسمونها أغراض دعوية لكنها تصب فى عكس المسار العام الذى تحاول الدولة أن توصله للشبا ب الآن.

كيف يمكن أن تحارب دار العلوم الإرهاب والتطرف؟

نحن الآن نقدم فكرا نشرف أننا نقدمه من خلال هذه المؤسسة لأن رؤيتنا هنا أن نخرّج خريجا متميزا بين الكليات والمؤسسات فى المحيط المحلى والإقليمى والدولى، وهذا امتداد لفكر من أسس هذا المكان العريق، وهو على مبارك فهو رجل أراد أن يجمع بين العصر والتراث، ويجب أن نعلم أن جزءا كبيرا من مقاومة الإرهاب أننا لا نعطى ثقافة قديمة مقطوعة الصلة بالعصر، ولا تعطى ثقافة معاصرة مقطوعة الصلة بالماضى، فلدينا فى الماضى كنوز نختارها، ولدينا فى الواقع المعاصر قضايا نختارها، ونمزج بين الأمرين ونقدم فكرا جديدا وفقها ولغة جديدة، يجب أن تكون سهلة ومفهومة وواضحة لأغلب الناس وهذا أطبقه فى برنامج بريد الإسلام على إذاعة القرآن الكريم منذ عشر سنوات وأرد فيه على المستمعين بأسلوب بسيط وسهل، وهذا ما شجعنى على استخدام هذا الأسلوب فى الجامعة والعمل، وبالفعل أريد أن أقدم نموذجا للفكر والخطاب الدينى المعاصر ونموذجا للشخصية المسلمة التى ينتظرها العالم كله، فلايجب أن يغيب عن بالنا أن هناك أزمة فى الفكر الغربى، ودعنا من السياسة مؤقتا ولنتحدث عن الفكر، فهناك حروب فكرية، فالحداثة التى يعيشها الغرب لم تحل كل المشكلة بل أوجدت مشكلات كثيرة للإنسان الغربى، فرغم تهيئة كل وسائل الترفيه، وكل ما يتمناه ولكن كل هذا لم يخاطب روحه، فيبدأ يبحث عن الروح بعد أن أصبح لديه خواء روحى والذى بسببه ألقى بنفسه فى أحضان الجماعات المتطرفة والاتجاهات المخابراتية التى تصطاد هذه النوعية من الذين زهدوا فى الحياة لتزين لهم أن يكملون الحياة بشكل آخر، وهذا كلام يعرفه أهل الاختصاص أكثر منا ولكن بطبيعة الحال نحن أمام أزمة حقيقية وحل هذه الأزمة يكمن لدينا بما نملكه فالإسلام كفيل بحل هذه الأزمات لأنه يقوم بعمل توازن بين متطلبات المادة والجسم ومتطلبات الروح، هذا التوازن هو الذى يعصم الإنسان من التطرف كالغلو والتشدد وتفجير النفس والآخرين الذين وضعتهم المقادير فى طريقه وهنا لا أقصد التفجير المادى، فهناك تفجيرات نفسية أخرى قد لا نلتفت إليها، مما يدمر بنية الحياه الإنسانية نفسها، ويخلق مشكلات يستطيع علم النفس الذى يساعد الإنسان فى التخلص فى الكثير من المشكلات لاينجح لأن هناك جانبا مهم جدا فى الإنسان تم إغفاله لأن الإنسان المعاصر لديه نوع من الحنين فى أن يسمع نداء روحه وقلبه وضميره من الداخل لكى يكون لديه حالة من التوازن ليستطيع الاستمرار.

هل ترى أن الشباب يفتقد الرسوخ الدينى الحقيقى وما هى الأسباب؟

هذه حقيقة وذلك لأنه لم يتلق من العلم الحقيقى مايشبعه إذا هناك فقر فى العملية التعليمية وفقر فى الأفكار نفسها وهذا الفقر أعطى فرصة لأشخاص أن يملأوا هذا الفراغ بدون ما يكون هناك وسائل مقاومة، فالتعليم الجيد يجعل الإنسان يستطيع أن يقاوم أى فكرة فيها خطر أو ضرر عليه، ولكن عندما يكون لديه قشور من المعلومات، ففى الطب والهندسة وغيرها من العلوم قشور من المعلومات وفى الفكر الدينى لديه قشور من الأفكار لا تمكنه من أن يقاوم دعاة الفكر المتطرف بشكل من الأشكال.

هل نسبة المنتقبات والملتحين فى دار العلوم كبيرة؟

النسبة ليس كبيرة كما يشاع فهى لاتزيد عن ٥٪ أى لا تكاد تذكر، ولكن هذه النسبة كانت حتى خمس سنوات مضت عالية جدا ولأن تعديل مناهج دار العلوم أدى فى تقديرى إلى حدوث تراجع فى عدد الملتحين وعدد المنتقبات، هؤلاء من يمثلون تقريبا الاتجاه السلفى الذى يركز على المظهر الدينى، وكيف يكون المظهر شديد القوة والإثارة.

نحن نعلم أن كلمة سلفى فى علم اللغة تعنى وسطيا فكيف يكون متشددا؟

نحن كلنا سلف، والسلف الذى يكون مرجعيته القرآن والسنة، والسلف هم من كانوا يعيشون فى الثلاثة قرون الأولى بعد الإسلام، فكان السلف فى أفضل حالاته ولكن بعد ذلك بدأ التراجع الحضارى الذى أوصلنا إلى ما نحن فيه الآن ولكن السلفية المعاصرة، فهذا تنظيم ودعوة تستند إلى الآراء المتشددة، وترى أن التشدد هو السلف وهذا خطأ كبير فلم يكن السلف متشددين وإذا أخذنا مثالا فى قصر الصلاة وسألنا كم يوما يمكن أن يقصر الصلاة وجدنا فى هذا عشرة آراء إذا أين التشدد فأنا أرى أننا ظلمنا السلف الذين لم يكونوا متشددين كما يتشدد المتسيلفون المعاصرون، فالتيسير يجعل الإنسان أن يستمر فى العمل والالتزام أما التعسير عمره قصير ومن ثم من عثر على نفسه فكأنه حكم أن لن يستمر إلى نهاية الطريق.

كأستاذ شريعة كيف يتم تنقيح الكتب التى تقرأ على المطلق؟

أنا أرى أنه يجب على جميع الكليات مراجعة المادة العلمية كل خمس سنوات يختار من التراث الأجود والأنسب للعصر والأنفع للناس، ولكن المشكلة هنا فى الاختيار نفسه من قبل الأستاذ الذى سيقوم بعملية الاختيار فليس شرطا أن آخذ ما كتبه القدماء كما هو واضعه أمام طالب العصر الحديث.

ولابد أن نفرق بين مجتمعين مجتمع قديم لم نعش فيه ومجتمع حديث نعيش فيه، فالأول لم يكن مختلطا بهذه الصورة أما الآن فهناك اختلاط ونجد الناس جميعا على مختلف مستوياتهم وثقافاتهم لابد من التعايش والمشترك الإنسانى بين الناس جميعا، فإذا اختلفنا فى الدين فالوطن يجمعنا، والوطن له مصالح لابد من المحافظة عليه، وهذا رد على بعض الجماعات الدينية التى كانت تردد أن الولاء للأديان يسبق الولاء للأوطان، ولكن الصحيح هو أن الولاء للإنسان يسبق الولاء للأديان، فالإنسان عندى هو الأهم بغض النظر عن دينه، فالإنسانية يجب أن تكرم لذاتها بغض النظر عن دينها وفكرها ومستواها الاجتماعى، فأنا أتصور أن التنقية مهمة، فعلى سبيل المثال كل مايتعلق بأحكام العبيد نحن نحذفها من المناهج لأنها لاتناسب العصر وأيضا كل مافيه إهدار لكرامة المرأة نحذفه أيضا من المناهج لأن صورة المرأة المعاصرة اختلفت عن صورة المرأة القديمة.

ما هى أكثر القضايا التى تحتاج لتنقيح الآن؟

ما يتعلق بكرامة الإنسان وكرامة المرأة وما يتعلق بطريقة الشورى والحكم لأن النظام السياسى الآن يختلف عن النظم التى كانت فى تاريخ المسلمين، فالنظام الحديث لابد أن يواكب المتغيرات العالمية، ويحقق جوهر النظام الإسلامى، وهو الشورة وجميع الأفكار المتشددة لابد أن تراجع.