حوار: رانيا سالم
أكد الدكتور عمر حمروش، أمين سر لجنة الشئون الدينية فى مجلس النواب، أنه بعد مرور أكثر من عامين على دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسى بتجديد الخطاب الدينى وإظهار صورة الإسلام الوسطى، النتيجة لم ينجح أحد.
إلا أنه فى الوقت نفسه يشدد على أن الأزهر الشريف وشيخه خط أحمر، ولن يقبل المساس أو التطاول على قيمة وقامة بقدر الأزهر وشيخه، لكنه دعا فضيلة الإمام أن يأخذ المبادرة بتقديم رؤى إصلاحية للمؤسسة الأزهرية، بدل أن يفرض عليه هذا الإصلاح.
أمين سر اللجنة الدينية يؤكد أن اللجنة ستدعو لمؤتمر بمجلس النواب يدعو جميع الأطياف، للوصول إلى رؤية توافقية عن تجديد الخطاب الدينى الإسلامى والمسيحى قابلة للتطبيق على أرض الواقع.
ماذا يعنى تجديد الخطاب الدينى؟
البداية كانت بدعوة الرئيس عبد الفتاح السيسى لشيخ الأزهر فضيلة الإمام محمد الطيب والدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، فى عدة مناسبات بتجديد الخطاب الدينى وإظهار صورة الإسلام السمحة والفكر الوسطى، الذى اعتاد عليه المجتمع المصرى، لكن فى النهاية لم ينجح أحد.
ومسألة تجديد الخطاب الدينى تحولت إلى ضرورة ملحة للدولة المصرية، التى تواجه تحديات داخلية وخارجية، وتقود حربًا شرسة ضد عناصر تكفيرية تثير الفتن، بجانب معركتها وتحديها من أجل البناء.
وفى ظل هذه التحديات لابد من وجود خطاب دينى إسلامى ومسيحى يواكب تطوات العصر، وقادر على التصدى للأفكار الإرهابية والتكفيرية والفتاوى الشاذة المتطرفة، على أن يعالج هذا الخطاب كافة هذه القضايا.
لكن الواضح أن المؤسسات الدينية سواء الأزهر أو الأوقاف تعمل فى جزر منعزلة، حتى وإن أعلنت كل مؤسسة أنها تمتلك رؤى واستراتيجيات لتجديد الخطاب الدينى، لكن لايتم تطبيقها، وإن طبقت فليس لها أى مردود إيجابى، ولم نلمس أى تغيير يذكر.
فلا نزال نتحدث عن قضايا لم تحسم وأبرزها عدم قبول الآخر، تهنئة أخواننا الأقباط فى أعيادهم، ولو تواجد الفقهاء الأوائل وتعايشوا معنا بعض من الظواهر الحياتية لكان لهم أقوال تتماشى مع متطلبات العصر الحالى، ومنها الطلاق الشفوى، فرغم أن الطلاق يقع وهى حقيقة لا يمكن إنكارها، لكن علينا التصدى لحالات عدم إثبات الطلاق وضياع حقوق المطلقات، ومحاولة إيجاد حل لها، وهنا تكمن فلسفة تجديد الخطاب الدينى، ليس تغييرا فى أصول الفقه والشريعة، ولكن تقديم رؤى وحلول دينية تتناسب مع متطلبات العصر ومشاكله وقضاياه.
هل فشلنا فى تجديد الخطاب الدينى؟
بالتأكيد، وحادثتا تفجير كنيستى مارجرجس بطنطا، والمرقسية بالإسكندرية، ومن قبلهما تفجير كنيسة البطرسية بالعباسية، هو دليل فشل تجديد الخطاب الدينى، فمسألة تجديد الخطاب الدينى مازالت لاتخرج عن حيز الخطب، «كلام فى كلام»،أو «المكلمة»، لم ترتقى أو تصل إلى أرض الواقع.
وعلى من تقع مسؤولية فشل تجديد الخطاب الدينى؟
المسؤولية تقع على جميع مؤسسات الدولة، فالجميع يتحمل مسؤولية فشل تجديد الخطاب الدينى الإسلامى أو المسيحى، وتقع المسؤولية الأكبر منه على المؤسسة الأزهرية.
هل هذا يفسر إلقاء اللوم على الأزهر الشريف والهجوم عليه طوال الفترة الأخيرة، وخاصة بعد كل حادثة إرهابية؟
الأزهر الشريف، مؤسسة دينية عالمية تنادى بسماحة الدين الإسلامى الوسطى، البعيد عن الغلو والتطرف والتشدد والعصب، وشيخ الأزهر، الإمام الأكبر، قيمة وقامة كبرى، ويكفى دوره فى ٣٠ يونيه، ودوره فى نشر الفكر الوسطى فى العالم أجمع، فالإمام الأكبر وسفراء مؤسسة الأزهر يجوبون العالم شمال وجنوبا وشرقا وغربال، لنشر هذا الفكر، وتنديد بالفكر المتطرف والمتعصب.
والمكانة الرفيعة للمؤسسة الأزهرية هى التى تجعلنا نطالب بمعالجة السلبيات فى المؤسسة الأزهرية، وهو أمر ليس خفيًا على الجميع، ومواجهة السلبيات لا تعنى أن نقبل التطاول على الأزهر وأمامه ومشايخه.
ولهذا أوجه نداء إلى الإمام الأكبر الدكتور محمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وهو خط أحمر بالنسبة لى، وبالنسبة لكافة أعضاء لجنة الشئون الدينية والأوقاف بمجلس النواب، على أن تكون المبادرة من جانب فضيلة الأمام الأكبر فى الإصلاح وتعديل فى المؤسة الأزهرية، بدل أن يفرض عليه هذا التعديل والإصلاح.
ما أبرز الرؤى الإصلاحية التى ترى أن شيخ الأزهر عليه أن يتبناها؟
أولًا: إعادة النظر فى تشكيل هيئة كبار العلماء، ومجمع البحوث الإسلامية، ولجنة الفتوى بالأزهر الشريف، وهنا لا يعنى وجود أسماء بعينها، ولكن مراجعة التشكيلات فى الهيئات الثلاث بما يضمن وجود عناصر قادرة على التوافق مع متطلبات ومقتضايات العصر، عقول قادرة على تقديم الوجه الحقيقى للدين الإسلامى دون تشدد أوتعصب كالفقهاء الأوائل فى معالجتهم وطرحهم للقضايا، التى تمت إثباتها فى مجتمعاتهم.
الأمر الثانى هو تطوير المناهج التعليمية فى التعليم الأساسى والثانوى والجامعى، لتناول هذه المناهج مزيدًا من المعالجة للقضايا الفقهية المعاصرة، وأن تتضمن المناهج وخاصة فى مرحلة التعليم الأساسى والثانوى موضوعات تبرز سماحة الدين الإسلامى، والفكر الوسطى البعيد عن التشدد والغلو أو التفريط والتهوين، على أن تكون المناهج مناسبة لمستحدثات العصر الذى نتعايشه.
ويرتبط بالنقطة السابقة الاهتمام بعنصرى العملية التعليمية الأزهرية، أولهما الاهتمام بالطالب الأزهرى، ليكن خريجو الأزهر مسلحين بعلوم الدين والدنيا، وهى الفكرة الأساسية، الذى بُنيت عليه التعليم الأزهرى، والاهتمام بالقائمين على العملية التعليمية من المشايخ وأساتذة الجامعة، على أن يكون التخصص كل فى مجال هو أساس الاختيار، للتدريس فى المعاهد الأزهرية للتعليم الأساسى والثانوى.
والمبادرة بالإصلاح فى التعليم الأزهرى الأساسى والثانوى والجامعى، يستلزم ما يجعل هذه المؤسسات قادرة على الحصول على شهادة الجودة والاعتماد، ف٢٪ فقط من المعاهد هى الحاصلة على شهادة الجودة، أى ما يقارب ١١٩ معهدا أزهريا مقابل ٩ آلاف معهد أزهري، وعلى مستوى الجامعات فهناك كلية واحدة هى كلية الطب البشرى بنات واحدة من ضمن ٧٣ كلية بجامعة الأزهر.
وما سبق سينعكس على النقطة الأهم وهى الثالثة، التى يجب أن يطرحها الأزهر كأهم الرؤى الإصلاحية لهذه المؤسسة الدينية، وهى تجديد الخطاب الدينى وتطويره وتفعيله ليكون مطبقًا على أرض الواقع، ومكافحة الترف والعصب والتشدد، فعندما تنقح المناهج الأزهرية، ويتم الاستعانة بأساتذة جامعيين ومدرسين على قدر من التنوير والثقافة الدينية، التى تتبنى فكرا وسطيا سمحا للدين الإسلامى، هنا سيكون التجديد فى الخطاب الدينى يسير فى الاتجاه الصحيح.
هل خضعت مناهج التعليم الأزهرى للتطوير من قبل؟
فى ٢٠١٣ شُكلت لجنة لتطوير منظومة التعليم الأزهرى من ١٠٠ عالم، وبالفعل ضمت عددا من العلماء الأجلاء الذين تولوا دراسة وبحث أساليب التطوير فى المناهج الأزهرية، وتم إصدار توصيات، لكن فى الغالب هذه التوصيات حبيسة الأدراج حتى الآن، ولم يتم الأخذ بها.
عدد من أعضاء مجلس النواب اتهموا الأزهر بالتقصير فى تجديد الخطاب الدينى، حتى أن هناك من طالب بإعادة النظر فى قانون الأزهر وتعيين شيخ الأزهر؟
الدستور حصن منصب شيخ الأزهر، وبالتالى لا ينبغى أن نصطدم مع الدستور بالحديث عنه، فشيخ الأزهر رمز للدين الوسطى السمح، ويجب علينا أن نحافظ على هذه الرمزية، وعلى المستوى الشخصى لا أتوافق مع الرؤى، التى تطالب بالتغيير فى منصب شيخ الأزهر، وخاصة فما يتعلق باختصاصات فضيلة الإمام، التزامًا بالنص الدستور، كما أننا لا يمكننا أن نتناسى أن لفضيلة الإمام الأكبر الشيخ الدكتور أحمد الطيب طيبات كثيرة وعدد من الأمور الإيجابية على المستوى العربى والإقليمى والإسلامى والعالمى.
وماذا عن قانون تنظيم الأزهر؟
لم يصل إلى لجنة الشئون الدينية والأوقاف حتى الآن أى مشاريع قوانين خاصة بعديل قانون تنظيم الأزهر، أنا مثل باقى أعضاء اللجنة سمعنا عن تقدم النائب محمد أبوحامد، وكيل لجنة الشئون الاجتماعية والتضامن بقانون عن تنظيم الأزهر، لكن القانون لم يطرح إلا من خلال وسائل الإعلام، ومثل هذه المشاريع القانونية تثير الجدل واستياء وغضب القائمين على هذه المؤسسات، وخاصة أن الأوضاع الحالية تتطلب قدرا كبيرا من عدم إثاة الجدل.
وقانون الفتوى العامة؟
القانون لايزال قيد البحث والدراسة داخل اللجنة، فمشروع القانون خاص بالفتوى العامة، التى تتعلق بتنظيم عملية الإفتاء، ومعاقبة الأفراد غير المتخصصين بإصدار فتوى لأغراض شخصية وسياسية
تحمل قدرا من العنف والتعصب، فالقانون يحظر الصدى للفتوى لغير المتخصصين من الأزهر والإفتاء، أو من يرخص لهم بممارسة الإفتاء من الجهتين.
وماذا عن دور مجلس النواب وبالتحديد لجنة الشئون الدينية والأوقاف، بعد أن أكد الدكتورعلى عبد العال فى الجلسة العامة أنه سيعمل على تجديد الخطاب الدينى دون انتظار أحد؟
لجنة الشئون الدينية والأوقاف ستعقد مؤتمر ثانى لتجديد الخطاب الدينى، وسيتم توسيع دائة المشاركة، على أن يشارك فيه جميع الأطاف والتوجهات والأطياف م المؤسسات الدينية الإسلامية والمسيحية، وشخصيات عامة وممثلى لوزرات الثقافة والشباب والتضامن الإجتماعى، وذلك لوضع رؤية توافقية مشتركةقابلة للتطبيق على أرض الواقع، على أن يتم متابعتها من جميع الجهات، على أن يشمل التجديد الخطاب الدينى الإسلامى والمسيحى، فمثلما يوجد ما هو متشدد فى الدين الإسلامى، يوجد ما هومتشدد فى الدين المسيحى.
على أن يعقد عدد من اللقاءات خلال هذا المؤتمر بحضور شباب من فئات محتلفة الأطياف للتعرف على آراءهم، بجانب كافة أطراف العلمية التعليمية من وزيرالتعليم والتعليم العالى للوقوف على فكرة معينة تحصل على موافقة جميع الأطراف من أجل ايجاد خطب دينى يطبق على أرض الواقع، ونفكر جديًا فى أن تكون هذه الدعوة لممثلين من العالم أجمع فالإرهاب والتطرف ليس قاصرًا على مصر فقط ولكن كما شاهدنا جميعًا تحول إلى آفة يعانى منها العالم أجمع.
ومن قبل عقدت اللجنة لقاء موسع داخل مجلس النواب بحضور كافة أطياف المجتمع من علماء ورجال دين اسلامى ومسيحى، حضره عدد من رموز دار الإفتاء المصرية كالدكتور نصر فريد واصل والدكتورعلى جمعة، وحضره ممثلى الكنائس الثلاث فى أعلى تمثيل لهم، وعدد من الشخصيات العامة منهم الدكتور مصطفى الفقى، ورؤساء الأحزاب واللجان النوعية بمجلس النواب.
كما أن اللجنة والبرلمان لن يتناوى بوجود كل ما يلزم من تشريعات، أوما يخرج به المؤتمر من توصيات، لتترجم فى تشريعات، ومن قبل تصدى المجلس لقانون بناء وترميم الكنائس، كبداية للتشريعات التى تواجه الإرهاب والتطرف فى المجتمع.