الأربعاء 26 يونيو 2024

الإرهاب والحكومة والمجتمع

19-4-2017 | 14:25

بقلم –  السفير د. عزمى خليفة

مع إعلان حالة الطوارئ بعد تفجير كنيستى الإسكندرية وطنطا فى وقت متزامن مع أعياد أسبوع الآلام وعيد القيامة، ظهرت مجموعة من الظواهر التى تحتاج لوقفة ولفهم، أين نحن وإلى أين نتجه؟، وأهم هذه الظواهر الإرهاب أولا وهو ظاهرة لم تخلُ منها عاصمة عالمية خلال العامين الأخيرين، حتى يمكن المساهمة ولو بقدر بسيط من المعلومات الغائبة عن طبيعته وتمويله وأهدافه وكيفية السيطرة علية، وثانى هذه الظواهر دور مختلف مؤسسات الدولة سواء كانت حكومية أم لا فى مقاومة هذا الوحش الذى انطلق دون رادع، وثالث هذه المظاهر انطلقت من الإعلام الذى خصه الرئيس فى كلمته القصيرة التى أعلن فيها فرض حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر بضرورة تحمل المسئولية فى حماية البلد، وأخيرا لابد من التنويه بدور المجتمع فى مكافحة الإرهاب مكافحة إيجابية تخلو من المزايدة وروح الانتقام التى أصبحت تسوده بفعل عوامل عديدة.

 

أولا: الإرهاب وجيله الرابع فى عصر المعلومات:

ظهر الإرهاب فى المنطقة العربية تاريخيا على يد جماعة الإخوان المسلمين فى أربعينيات القرن العشرين باغتيال النقراشى باشا رئيس وزراء مصر والمستشار الخازندار، وكان تسليح الجماعة أو جزء منها تحقيقا لنبوءة عبد الرحمن الكواكبى التى عبر عنها فى مؤلفة عن طبائع الاستبداد وتحديدا فى فصل كامل عن الاستبداد الدينى، الذى وصفه بأسوأ أنواع الاستبداد وأخطرها على الإطلاق، وأعقب ذلك ظهور جيل جديد من الجماعات الإرهابية الإسلامية فى حقبة السبعينيات وامتدت إلى تسعينيات القرن العشرين وكانت أبرز حوادثها اغتيال الرئيس السادات واغتيال الأستاذ د. رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب الأسبق ومحاولة اغتيال الرئيس الأسبق مبارك فى أديس أبابا عام ١٩٩٥، وكان ظهور هذا الجيل الثانى من الجماعات الإرهابية الإسلامية مرتبطا أيضا بالظروف السياسية فى مصر ورغبة الرئيس السادات بفتح المجال السياسى على مصراعيه للإسلاميين للقضاء على نفوذ الفكر الناصرى والاشتراكى، الذى امتد إلى عصره من عصر عبد الناصر، أى أنه ارتبط بظروف محلية مصرية أساسا وإن كان قد استفاد من تجربة إسقاط الروس فى مستنقع أفغانستان، وكانت هذه الاستفادة واضحة من أن من قام بهذه العمليات كانوا من العائدين من أفغانستان والاستفادة من تدريبات القاعدة لهم وارتباطهم بها لوجستيا وماديا.

أما الجيل الثالث من المنظمات الإرهابية فإنه جيل مثير للخلاف؛ لأنه تم على يد أولى المنظمات الإرهابية الإسلامية الحديثة وهى القاعدة ولكنه تم بعد تحولها أيديولوجيا من مواجهة العدو القريب إلى مواجهة العدو البعيد أى مواجهة أمريكا فى حادث سبتمبر ٢٠٠١ الشهير، وهو حادث ارتبط هنا بعوامل سياسية دولية وليست محلية، وكان تشكيل من قاموا بالحادث وجنسياتهم موحيا، مما أدى إلى نتيجتين مهمتين، الأولى تحول الفكر السياسى الأمريكى إلى تأكيد أن الإرهاب موطنه الشرق الأوسط، على الرغم من أن هذه الحقبة شهدت إرهابا يابانيا وإيطاليا وألمانيا وأيرلنديا، والادعاء أن هذا الإرهاب مرتبط بالبيئة السياسية الشرق أوسطية، مما أدى لظهور مشروع الشرق الأوسط الموسع وفى نفس الظروف ظهر مشروع كلينتون للقرن الإفريقى الكبير، الذى وضع ليكون مكملا استراتيجيا للشرق الأوسط الكبير ومتكاملا معه فى الأهداف، أما النتيجة الثانية فتمثلت فى تشريع الدول الراعية للإرهاب المعروف بقانون «جاستا» الأمريكى الذى يتيح الفرصة لتعويض ضحايا الإرهاب الأمريكيين بمليارات الدولارات.

أما الجيل الرابع للإرهاب فهو جيل «الدولة الإسلامية”سواء فى العراق أو سوريا أو الشام، وبوكو حرام فى شمال نيجيريا، وعدة تنظيمات مرتبطة بالقاعدة فى الصومال واليمن وشمال مالي، ومنطقة المغرب العربى، وقد أسرع بعض الأساتذة فى العلوم السياسية لاعتبار هذا التنظيم «فاعل من دون الدولة» بدعوى سيطرته على جزء من الإقليم وهو خطأ استراتيجى وقع فيه الكثيرون بالمنطقة العربية؛ لأن المعيار هنا هو موقف التنظيم من العملية السياسية فى الدولة، فأى تنظيم يقف فى وجه الدولة، ويقاومها بالسلاح، لتحقيق أهداف سياسية هو تنظيم إرهابى إجرامي، وهو نفس المعيار الذى أخذ به الفكر السياسى الأمريكى نفسه فيما يتعلق بتصنيف عصابات المخدرات فى أمريكا اللاتينية التى تسيطر على مساحات من أراضى الدولة بقوة السلاح أيضا من خلال تعيين مندوب لها بكل المؤسسات الحكومية بالإقليم وشبكة واسعة من المخبرين التابعين لهذه العصابات، ولا يجرؤ الموظف الحكومى على التوقيع على ورقة حكومية إلا بعد العرض على مندوب العصابة، فالإقليم وسياساته عمليا تحت سيطرة هذه العصابات التى تم تصنيفها كجريمة منظمة، وجماعات إجرامية تخضع للقانون الدولي.

المهم ظهر هذا الجيل الرابع من الجماعات الإرهابية مرتبطا بظروف وعوامل سياسية إقليمية ممثلة فيما أطلق عليه الصراع السنى الشيعي، وهو مصطلح صكته النيوز ويك الأمريكية لأول مرة عام ١٩٨٠ فى أعقاب نجاح الثورة الإيرانية فى ملف خصص لتبعات نجاح هذه الثورة وكيفية محاصرتها أمريكيا وعربيا، أى أن هذا الجيل ارتبط أيضا بعوامل سياسية دولية، ويتميز هذا الجيل من الإرهاب بوفرة مصدر التمويل، والدموية الفظيعة فى عملياته، وأيديولوجية إسلامية تعود لأكثر العهود الإسلامية تخلفا فكريا وعلميا.

وعلى الرغم من ذلك نجد أن تنظيمات هذا الجيل فى مجملها تجيد استخدام جميع وسائل الإعلام بما فيها وسائل التواصل الاجتماعى الحديثة بكفاءة عالية جدا، ولديها أفكار حديثة للغاية لتسويق نفسها، وبث الرعب فى قلوب مجمل سكان المنطقة، ولديها إمكانيات مادية رهيبة لم تتوافر لغيرها من التنظيمات، وهو ما يعنى ببساطة توافر الدعم المادى لها محليا أو إقليميا، وهو ما أكدته اليابان بالإعلان عن الدول الشرق أوسطية التى اشترت سيارات الدفع الرباعى التى ضبطت لدى داعش فى سوريا والعراق، وتوافر الدعم الفنى عالميا من دول متقدمة أجادت تدريبهم وتنظيمهم وفق أحدث نظم التنظيم والإدارة.

إذن الإرهاب الحديث هو ناتج تحولات سياسية إقليمية فى شقها المحلى وعالمية فى شقها الدولى، وبالتالى يتمتع بأقوى دعم لوجستى ومادى بما يفوق أى تنظيم آخر، وهذا يعنى ضرورة مواجهته ماديا، وفنيا، وفكريا ودينيا، ومجتمعيا، فى وقت واحد، ولذا يمكن القول إن مواجهة هذه الموجة الحديثة تتطلب عدة خطوات يمكن إجمالها فيما يلى:

مواجهته من خلال مواجهة كافة أبعاده من خلال مواجهته محليا فى الداخل أولا من خلال رصد «الشبكات التى يتكون منها المجتمع المصرى حاليا»، فقد ثبت من بعض الدراسات العلمية أن المجتمع المصرى قد سبق الدولة فى إعادة تشكيل نفسه فى شكل شبكى، مما زاد فعاليته وأكسبه دينامية مما يستدعى ضرورة إعادة التوازن بين الدولة والمجتمع إذا أردنا النجاح فى الإصلاح الاقتصادى والأمنى والاجتماعي، فالقضية داخليا تعدت الإرهاب، خاصة أن تمكين المجتمع الشبكى فى مصر يزداد يوما بعد آخر بفعل استخدام تكنولوجيا المعلومات.

كما أن مواجهة هذه الموجة من الإرهاب مطلوبة إقليميا من خلال دفع دول المنطقة إلى التخلى عن استخدام الشبكات الإرهابية التى أصبحت فى بنية بعض هذه الدول لتحقيق أهدافها السياسية فى المنطقة، ونقطة البدء فى هذا الإقناع هو الاتفاق النووى الذى وقعه المجتمع الدولى مع إيران، فهذا الاتفاق لا يستهدف مجرد نزع القدرات النووية الإيرانية كما يتصور البعض، ولكنه يستهدف تغيير توجهات السياسة الخارجية الإيرانية تجاه جيرانها، وقد وضح ذلك من خلال أسلوب التفاوض الغربى مع إيران وهو نمط وصفه من قبل الأستاذ هيكل بأنه نمط غير مسبوق وغير مفهوم ويحتاج لدراسة وكان محقا تماما، فقد اتبع الغرب أحدث نمط من أنماط التفاوض الدبلوماسي، الذى يطلق عليه الميجا دبلوماسي، وهو نمط يقوم على تبادل تحقيق الالتزامات بين الطرفين مع تعبئة موارد عالمية لحل مشاكل محلية يمكن أن تتطور إلى خطر عالمى، ومن ثم سيتطلب الأمر تنازلات متبادلة بين إيران والدول العربية وخاصة دول الخليج العربية، فإذا كانت هذه الدول قد التزمت بتنازلات بدأت تظهر ملامحها تجاه إسرائيل مقابل تسوية القضية الفلسطينية، فما المانع من تقديم تنازلات متبادلة مع إيران من أجل مستقبل أفضل للمنطقة؟

وثالثا: لابد من مواجهة الإرهاب على المستوى العالمي، وذلك من خلال تعهد الدول الكبرى وفى مقدمتها الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الأوربى وألمانيا واليابان، ولا مانع من توسيع النطاق ليشمل الهند وباكستان فى إطار صفقة تتم داخل مجلس الأمن وبمشاركة الجامعة العربية، لضمان الأمن الدولى فى مجمل منطقة الخليج فى مقابل تطبيع العلاقات بين دول المنطقة فى إطار مكسب يمكن تحقيقه لجميع الأطراف دون أى استثناء.

إن مكافحة الإرهاب اليوم لم تعد عملا عسكريا كما كان الأمر، ولكنها أضحت عملا سياسيا اجتماعيا عسكريا فكريا بالدرجة الأولي، وهناك مدرستان حققتا تقدما ملحوظا فى هذا المجال هما المدرسة الألمانية التى تدين بنجاحها إلى جهود علماء أجلاء فى مدرسة فرانكفورت، والمدرسة الفرنسية التى تدين بالفضل لمركز الدراسات الاستراتيجية بوزارة الدفاع الفرنسية ويمكن لمصر، بل واجب عليها الاستفادة من جهودهما فى هذا المجال، وهما من الدول الصديقة لمصر ويلعبان دورا حيويا فى تنويع مصادر السلاح لها ودعم نهضتها الاقتصادية، كما أن الصين وروسيا يمكن أن يلعبا دورا رئيسيا فى تحقيق توازن دولى لهذه الصفقة

إن البعد المجتمعى فى مكافحة الإرهاب ضرورة حيوية ويمكن أن يكون نقطة انطلاق نحو التوازن المنشود بين الدولة والمجتمع والذى أصبح ضرورة، فالدولة تقاوم التغيير باعتباره يفقدها بعض مظاهر قوتها، مع أن ما تفقده من قوة فى أحد المجالات تكتسبه فى مجالات أخرى، كما أن الدولة الوطنية العربية هى ظاهرة محلية، بينما المجتمع المصرى والعربى أصبح ظاهرة عالمية وهو تناقض يحتاج إلى حل عاجل وسريع؛ لأنه كلما ترسخ هذا التناقض كلما أدى ذلك إلى ضعف الدولة وظهور أنماط جديدة من الإرهاب وهو ما بدأ يحدث بالفعل بظهور «الإرهاب الناعم» أى الذى يغيب عنه العنصر البشرى مثل زرع العبوات الناسفة، واستخدام طائرات من دون طيار، واستخدام تكنولوجيا المعلومات فى إحداث تفجيرات مميتة، وهو ما دعا واشنطن لمنع دخول الكومبيوتر الشخصى للطائرات برفقة رعايا بعض دول الشرق الأوسط، وهى مظاهر للإرهاب يصعب مكافحتها عسكريا أو فى غياب المجتمع نفسه.

والخلاصة أننا فى عصر جديد، ويحتاج لتفكير جديد، وأساليب جديدة لمكافحة الإرهاب وتحقيق أعلى درجات الأمن القومى ولن يتأتى ذلك بالانكفاء على الداخل بل بالانفتاح على العالم وما حققه من إنجازات فى مجال مكافحة الإرهاب التى تأكد أنها ظاهرة عالمية لا يمكن مكافحتها محليا فقط.

ثانيا: الفكر والفن والدين والتعليم أسلحة ضرورية:

من المؤكد أن أسلحة مصر التكتيكية أو العملياتية فى معركة مكافحة الإرهاب لن تكون البندقية والدبابة فقط، فالفكر والفن والدين والتعليم أسلحة رئيسية، وهؤلاء الذين يرون أن الوقت لا يسمح بتفعيل كل هذه الأسلحة الآن أصيبوا «بسوء الإدراك» ولا أقول “المزايدة دون وعي»، فمكافحة الإرهاب معركة شاملة وليست أحادية البعد، هى لم تعد مع الإخوان فقط، أو غلاة المتطرفين دينيا، أى ليست معركة محلية أو إقليمية مع شق من مواطنى المنطقة ولكنها معركة عالمية تشارك فيها دول داعمة للإرهاب إقليميا وعالميا، ودول أخرى مناهضة له إقليميا وعالميا، وبنوك عالمية يتم من خلالها تحويلات مالية ضخمة لهذه الجماعات الإرهابية الإجرامية، وتتعامل مع شبكات إجرامية من فنيين على مستوى عالٍ فى تكنولوجيا المعلومات وآخرين فى التصوير التلفزيونى سواء كان حقيقيا أو مزورا، بمعنى أننا أمام عالم غير مرئى ومن المهم لنا كخطوة أولى أن نظهر هذا الوجه الخفى ليعرفه العالم، هذا لن يتم بأعمال عسكرية او استخباراتية فقط رغم أهميتهما البالغة، ولكن سيتم فقط بتنمية الوعى القومى من خلال ما تملك مصر فيه ميزة نسبية وهو الفكر والفن والدين والتعليم.

من هذا المنطلق فمن المهم للغاية إعادة بناء الإنسان المصرى دون تغيير وفقا لمقتضيات العصر وأقول ذلك؛ لأن شباب مصر يحتاج لمن يأخذ بيديه بالفعل وعن تجارب خضتها فى الواقع، والشباب الذى وجد من يحاول الأخذ بيديه، عدده مازال محدودا لإجمالى شباب مصر، وفى نفس الوقت هذا الشباب سيكون السند السياسى لمستقبل مصر، وهو من سيتولى الدفاع عن هذا الوطن وينبغى أن يكون مدركا لإبعاد الحرب التى يخوضها دون تردد.

ولهذا فالهجوم الحالى على شيخ الأزهر ينبغى أن يوقف فى الحال وتماما، فالأزهر وشيخه مؤسسة مهمة من المؤسسات العالمية لمصر التى يناط بها إعادة تنقية الخطاب الدينى مما لحق بها من شوائب، وأعلم من واقع تجاربى أيضا أنه ليس أمرا سهلا أن تبدأ هذه المؤسسة العريقة فى تحقيق ذلك، ولكن من المؤكد أن تكوين لجان دينية اجتماعية تسهل الأمور،

كذلك على الإعلام أن يراعى الأوضاع المحلية والإقليمية والعالمية بفكر مستنير، وأن يوازن بين أهداف التطوير وأهداف وسياسات القنوات الخاصة والصحف الخاصة التى ينتمى إليها، فلا أستطيع تفسير استضافة أسرة إرهابى حاول تفجير كنيسة فى ليلة أعياد مسيحية وخلال صلواتهم وراح ضحية الحادث العشرات من المسلمين والمسيحيين، وأن أرى كما من التعاطف من كبار رجال الإعلام المصرى مع أسرة الإرهابي، من سمح بذلك ؟ وكيف؟ وما الهدف؟

كذلك لا يجوز لإعلامى مسيحى مهاجمة كل من يشير إلى وجود تطرف مسيحى، والادعاء أن الهدف من هذا القول هو تأكيد أن أصل المشكلة فى المسيحيين، واصفا كل من يقول ذلك بألفاظ بذيئة مثل «النطاعة» ناسيا أو متناسيا أن التأصيل لكراهية الآخر تشمل المسلمين والمسيحيين معا وما تسابُق الطرفين لبناء دور العبادة إلا مظهرا من مظاهر هذه الكراهية، أو السعى لتوسعة بعض دور العبادة دون وجه حق إلا مظهرا آخر من مظاهر ثقافة كراهية الآخر.

أيضا فإن مراجعة مناهج التعليم بمختلف أشكاله الخاص والعام والأجنبى والأزهرى والمسيحى والفنى أصبحت ضرورة عاجلة مع وضع كل أنواع التعليم تحت إشراف الدولة: ماديا وفنيا وتدريبيا، فالمعلمون فى حاجة لإعادة تأهيل وبناء قدراتهم واليوم أصبح الاستثمار فى الانسان وبناء قدراته أيا كان موقعه هو أفضل استثمار للمستقبل، فلم يعد هذا النمط من الاستثمار مجرد رفاهية ولكنه أصبح مسألة أمن قومى؛ لأن بناء القدرات أصبحت حجر الزاوية فى مكافحة «عدم المساواة» وفى تحقيق العدالة الاجتماعية سواء على المستوى العالمى بين الدول أم على المستوى المحلى بين مواطنى الدولة الواحدة، كما أوضح الاقتصادى الفرنسى توماس بيكت فى موسوعته الرائعة عن «رأس المال فى القرن الحادى والعشرين».

كذلك فإن وزارة مثل وزارة الأوقاف المصرية وكذا الأوقاف القبطية بالكنيسة مطالبتان بضرب المثل فى التعاون مع بعضهما لدعم الدولة فى سياساتها الإنمائية بالمشاركة فى إقامة المزيد من المدارس والمستشفيات لأبناء هذا الوطن بدلا من صرف المكافآت والمرتبات، مع ضرورة تصميم برامج لرفع مستوى الوعاظ وكل من يتولى نشر الخطاب الديني.

ببساطة لقد وصلت مصر إلى مرحلة الخطر الناتج من داخل وليس الخارج فقط، وعلى الجميع أن ينسى انتماءاته الدينية دون أن يتخلى عن دينه، ويعلى قيم الوطنية فى عصر لم يعد يتحمل المزيد من الانشقاقات السياسية أو الدينية، فالأزهر له دوره والكنيسة لها دورها، ومصر فى حاجة لجميع أبنائها، فالدين لله والوطن لنا جميعا دون أدنى تمييز ودون مجالس عرفية تعمق أزمة المواطنة، ولله الأمر من قبل ومن بعد.

 

    الاكثر قراءة