الأحد 29 سبتمبر 2024

هل وصل تنظيم داعش إلى الصعيد؟

19-4-2017 | 14:58

بقلم –  أحمد بان

قبل عامين فى شهر أبريل من عام ٢٠١٥ أعلن المدعو أبوسفيان المصرى أحد أعضاء تنظيم أنصار بيت المقدس فى سيناء، الذى سبق وبايع تنظيم داعش عن اقتراب تأسيس فرع جديد للتنظيم فى صعيد مصر، ذاكرا فى تغريدات له على موقع التواصل الاجتماعى تويتر أنه قريبا الإعلان عن ولاية الصعيد، وعلى الرغم من أنه من المعروف أن بعض محافظات الصعيد شكلت تحديا للدولة المصرية فى فترة الثمانينيات وحتى منتصف التسعينيات عبر عصابات الإرهاب والتطرف؛ إذ ضمت أبرز عناصر جماعات الجهاد والجماعة الإسلامية التى دخلت فى صدام مفتوح مع الدولة المصرية، حتى تمكنت الدولة من كسر شوكتها وتتويج ذلك بالمراجعات التى أمنت حالة من حالات رفض العنف والقناعة بعدم جدواه، لدى قطاعات واسعة ممن انتموا لتلك التنظيمات فى السابق.

تعامل مع تلك التصريحات باعتبارها لونا من ألوان الحرب النفسية التى يحاول التنظيم من خلالها كسر معنويات النظام السياسى، وإشعاره بأنه يتقدم بمنطق شعار الدولة فى سوريا والعراق «باقية وتتمدد»، وعلى الرغم من أن الثقافة القبلية فى صعيد مصر وفوضى السلاح، فضلا عن انتشار التيارات السلفية بشكل أو بآخر، وضعف معدلات التنمية فى العقود الأخيرة مع تماس مع حدود غربية وشرقية وجنوبية تنشط فيها تلك المجموعات، كل ذلك قد يصنع نظرية بيئة حاضنة لإعادة تمركز مجموعات عنف دينية.

لكن تجربة الصعيد مع تلك التيارات وأجواء صراعها مع الدولة خلقت خبرة سلبية عميقة، وأقنعت تلك الجماعات بأنها غير قادرة على تحمل كلفة الصراع مع الدولة.

فى شهر سبتمبر من العام نفسه تمكنت قوات الأمن المصرية من إحباط محاولة لما قيل إنها محاولة لتأسيس فرع داعش فى الصعيد، وتحديدا فى المنطقة بين مدينتى القوصية وديروط بمحافظة أسيوط، وكانت قوات الأمن قد رصدت بناءً على معلومات دقيقة تسلل عناصر إرهابية من ليبيا وسيناء إضافة إلى بعض العناصر المحلية، وقامت بمداهمة بعض المناطق الجبلية التى يتحصنون بها ودارت اشتباكات، تولى سلاح الجو المصرى تغطيتها جويا وكانت تلك العناصر تعتزم الاستقرار فى المنطقة الصحراوية المتاخمة للصعيد، وتأسيس بؤرة جديدة تتصل بفرعها فى ليبيا ومجموعات العنف الأخرى فى الجنوب، وربما حذرنا فى مقالات سابقة من أن مخطط داعش يتوخى إحداث فوضى تساعده على تأسيس فروع فى الشمال والشرق والغرب والجنوب، مؤملا أن ينشط خلاياه النائمة فى توقيت محدد يساعد على هدم الدولة، وليست المسألة فقط تخفيف الضغوط عليه فى سيناء التى أحكم الجيش المصرى حصاره عليها، ولعل تمشيط جبل الحلال وإخلائه من تلك العناصر كان أحد تجليات التراجع الذى دفعه لاستهداف الأقباط، باعتبار أنهم العصب المكشوف للدولة وتحظى أى محاولة لاستهداف أمنهم بتغطية واهتمام دولى إعلاميا وسياسيا واسعا، ولكن كيف أمكن لتلك العناصر أن تنتقل إلى الصعيد، أتصور أنها مرت عبر طرق فرعية غير مطروقة ومدقات جبلية يعرفها المهربون وعصابات الجريمة، ومن المعروف أن داعش هى صيغة جمعت المهربين مع تجار السلاح والمخدرات مع التطرف فى سلة واحدة، وقد مروا فى الغالب عبر أربع طرق فرعية موجودة فى الصحراء الغربية هى طريق دلجا وسمالوط والقوصية وديروط، وكلها قريبة من واحة الفرافرة وسيوة فى اتجاه واحة جغبوب الليبية.

على الرغم من أن الخلية التى أعلنت وزارة الداخلية أسماء أعضائها بدا جلهم من محافظة قنا، إلا أن محاولة ربط هذه المحافظة بالإرهاب واعتماد مكان جغرافى محدد كبؤرة إرهابية أو حاضنة للإرهاب غير دقيق، ربما لأنه على الأقل أى محاولة لتقصى إمكان وجود أخطر المتطرفين الذين عرفتهم الساحة المصرية، سنجد أنهم يتوزعون على كل محافظات الجمهورية دون تركز فى مكان جغرافى محدد، بل إن أخطر تلك العناصر وهو أبوحمزة المهاجر ظل الإعلام يتحدث عنه باعتباره من أبناء محافظة سوهاج، على الرغم من أنه من إحدى قرى محافظة الشرقية بالوجه البحرى، كذلك عناصر العنف استوطنوا مدنا ساحلية لفترات طويلة كالسويس والإسماعيلية والامتداد الصحراوى لهما فى الشرقية، فضلا عن محافظة كالقليوبية التى شهدت ميلاد العديد من تنظيمات العنف منذ الثمانينيات وحتى خلية عرب شركس فى العام قبل الماضى، والتى كانت مرتبطة بتنظيم داعش، خارطة التنظيم لا يمكن أن نلصقها بمحافظة محددة حتى سيناء، حيث يضم التنظيم عناصر سيناوية محدودة جدا بينما باقى عناصره أجانب ومصريون من محافظات مختلفة، لذا لا ينبغى أن نستسلم لتلك القراءة التى تحاول وسم الصعيد بأنه من منابع التطرف

فى الأسماء التى أعلن عنها فى خلية قنا، لفتنى أمران هما ما يجب أن يشغلا الجميع:

الأول أننا لسنا بصدد تنظيم سيحمل السلاح فى مواجهة الدولة فى مواجهات مفتوحة، يحاول معها استدراج بعض القوات إلى مواجهات مكشوفة فى الصحراء أو الجبال، لكن إعداد كتائب من الانتحاريين تمهد الطريق لعناصر أخرى تستوطن الصعيد وتعلن ولاية للتنظيم، فى المرحلة الأولى لدى داعش تأتى عمليات الانتحاريين والانغماسيين كمقدمة لنشاط التنظيم لفتح الطريق أمام عناصره، لإخلاء مناطق سكانية محددة قريبة من الظهير الصحراوى، لذا يبدو عنوان المرحلة هو الانتحاريين، منذ فشلت جماعة الإخوان عبر عناصرها فى إطلاق حالة من حالات الفوضى عبر ما تسميه بالحراك الثورى، الذى كان الغطاء المناسب لحركة أعضاء تنظيم داعش، لتحريك مجموعاته من كل الجهات شمالا وجنوبا وشرقا وغربا ومن الوسط، فى محاولة لتكريس الفوضى وإشعال الحرب الأهلية، على شاكلة ما جرى فى سوريا والعراق، لكن هذا السيناريو اصطدم بعوامل ساهمت فى هذا الفشل، منها فشل الحراك الإخوانى وإجهاضه الالتحام بين الشعب وقيادته ومؤسساته يقظة الأجهزة الأمنية ودعم مؤسسة الجيش الوطنى، الخطر فى هذه المرحلة أننا أمام أشباح يرتدون سترات متفجرة كانتحاريين، والحرب فى هذه المرحلة حرب معلوماتية بالأساس، ليست أدواتها البوابات الإلكترونية أو أجهزة كشف المعادن، خصوصا أن قائمة الأهداف حتى لو تحدثنا عن الكنائس تتجاوز ٤٠٠ كنيسة، تمثل خطط تأمينها بهذه الطريقة كلفة باهظة، وقد لا تكون فعالة بالقدر الكافى حتى لو نجح الأمن فى التصدى للعنصر بصدورهم كما جرى فى كنيسة مارمرقس بالإسكندرية، فالأمر ينطوى على أخطاء منها، لماذا يلتصق أو يتركز عناصر الشرطة بجوار بوابات كشف المتفجرات، إذا كانت تلك الآلة بالأساس مهمتها تجنب الخسائر البشرية؟، لماذا لا يكون هناك حرم أمن وأقفال إلكترونية تغلق البوابة فى حال اكتشاف خطر، كما قلت هذا لا ينفى أن الحرب فى هذه المرحلة معلوماتية بالأساس، خصوصا أن حالة التطرف قد اكتسبت فى الآونة الأخيرة حالة من حالات السيولة، التى طمست الحدود بين مجموعات التطرف التى كانت الأجهزة الأمنية تحتفظ لها بخرائط دقيقة، هذا تغير الآن وأصبح العنصر الانتحارى شابا فى العشرين أو الثلاثين، قد لا يكون معروفا بميوله المتطرفة أو وجود سجل إرهابى له وقد جرى تجنيده فى فترة وجيزة، إما عبر مراكز التجنيد فى أوربا وأعنى هنا مراكز إسلامية استوطنها عناصر متطرفة تدربوا فى كل الساحات الساخنة، وهم من جندوا مواطنى دول أوربية للحاق بعناصر التنظيم، أنت هنا أمام خطر عنصر انتحارى يتنكر فى زى سائح أجنبى يستطيع أن يدخل أى فندق خمس نجوم أو معلم سياحى بسهولة.

النقطة المتعلقة بحداثة سن هؤلاء الانتحاريين تشى بخطر آخر حذرنا منه فى السابق، وهو ما يطرح ضرورة تفقد أبنائنا والمواقع التى يرتادونها فى الفضاء الإلكترونى، سواء منتديات التعارف أو اللعبات الاستراتيجية التى تمكنت عناصر داعش من تفكيكها والدخول على أكوادها واستخدامها فى التجنيد، وسائط التواصل الاجتماعى التى يضخ عناصر داعش من خلالها يوميا أكثر من ٥٠ ألف تغريدة فى تويتر وحدها فقط، الشبكة الداكنة وهى التى لا يمكن الوصول لها عبر محركات البحث المعروفة، الجيل الذى تربى فى مدارس الرقة والموصل كتائب من الانتحاريين تستدعى تعاونا عربيا ودوليا لبناء قاعدة معلومات دقيقة عن تلك العناصر، لسنا أمام جيل الإرهابيين الذى كنا نعرف كيف نتعامل معه ممن لا يعرفون سوى لغة السلاح والعنف، نحن أمام جيل جديد مسلح بمعارف وخبرات العصر يخوض حربه بوسائل غير تقليدية، وشهدنا كيف حول السيارة إلى أداة دهس وقتل أو اخترق نظم تأمين شبكات مرافق أو مفاعلات نووية إلكترونيا.

لكل ذلك لا أتصور أن التنظيم مشغول بإعلان ولاية فى الصعيد أو قاعدة، بل هو يتوخى إرباك أجهزة الأمن ومحاولة توسيع نطاق معاركه ورفع كلفة الاستنفار الأمنى، ومحاولة تثوير الصعيد من خلال ردود فعل الأجهزة الأمنية، لخلق حاضنة شعبية تستعيد الصعيد لساحة العنف بردة الفعل، لذا تبدو الحاجة ماسة لخوض تلك الحرب بمبضع الجراح وبسياسة تمزج بين العصا والجزرة التدابير الخشنة والناعمة، حتى لا يخطأ الأمن فيخلق بسلوك بعض عناصره حاضنة لتك الأفكار بعد انحسارها بفعل المراجعات، التى صنعت تطورا حقيقيا فى وعى أهلنا فى الصعيد حتى لا نعيد طرح السؤال من جديد، هل وصل تنظيم داعش إلى الصعيد؟.