الإثنين 10 يونيو 2024

تاجر يتجبر .. ومواطن يُقهر .. وحكومة تتفرج

19-4-2017 | 15:06

بقلم –  محمد الشافعى

اشتعلت أسعار السلع والخدمات مثل النار فى الهشيم .. ليتحول الأنين الصامت لدى الغالبية العظمى من المواطنين .. إلى الشكاوى المهموسة .. ثم إلى الصراخ المسموع .. بعد أن وقع المواطن الغلبان بين (المطرقة والسندان) .. مطرقة السعار الذى أصاب كل التجار .. بعد أن تحولوا إلى (مافيا حقيقية) .. وسندان العجز الحكومى، بعد أن فشلت الحكومة فى مواجهة جشع التجار.. أو تقديم حلول بديلة تقدم للمواطن ما يحتاجه بأسعار عادلة.. والحقيقة أن ذلك الانفجار فى أسعار كل شىء وأى شىء .. ليس قدراً علينا أن نقبله صاغرين .. ولكن الحلول كثيرة ومتاحة .. فقط لو استطعنا كسر (شرنقة العجز) .. والتى يمكن كسرها ببعض الحلول العاجلة.. وبعض الخطط والاستراتيجيات بعيدة المدى .. والتى يمكن أن نرصد بعضها فيما يلى :

 

أولا : يذهب البعض إلى ضرورة العودة إلى سياسة (التسعيرة الجبرية) .. ويلقى هذا الاقتراح العديد من الاعتراضات .. أهمها أن آليات (الاقتصاد الحر) تمنع ذلك.. ورغم هذا لدينا البديل الأسهل والأكثر عدلاً .. والذى يتلخص فى حتمية قيام الحكومة بعمل دراسات دقيقة جداً عن تكلفة كل سلعة.. سواء أكانت من الإنتاج المحلى أو مستوردة.. وهذه الدراسات تشمل كل شىء وأى شىء يتعلق بهذه السلعة .. حتى قبل الوصول إلى المستهلك مباشرة.. وبعد ذلك يتم تحديد (هامش ربح) معقول يتراوح بين ١٥ - ٣٠٪ على الأكثر .. وهذا النظام كان موجودا فى مصر خلال الخمسينيات والستينيات .. من خلال ما كان يطلق عليه (مجلس التسليع) .. ونفس هذا النظام موجود فى كل دول العالم (الرأسمالى) - فليس هناك تاجر أو منتج يحدد أرباحه (على مزاجه) ومن دون حد أقصى .. ومثل هذه السياسة تضمن للتجار والمنتجين الربح المعقول بعد حساب كامل التكلفة .. والأهم أنها ستعيد (هيبة الدولة) أمام تغول مافيا التجار .. كما سيشعر المواطن الغلبان بأن لديه حكومة قادرة على حمايته وحفظ كرامته.

ثانياً : جشع التجار مرتبط دوماً بقدرتهم الشيطانية على (احتكار) وتخزين السلع.. ذلك الاحتكار الذى نشأ من تراخى قبضة الدولة.. مما جعل كل مجموعة (قليلة جداً) من التجار.. تستورد سلعة بعينها .. وممنوع على أى إنسان الاقتراب من هذه السلعة.. (استيراداً وبيعاً) .. وبالطبع فإن الدولة تعرف كل شىء عن هؤلاء التجار المحتكرين .. وهناك العديد من الحلول لكسر هذه (الحلقة الجهنمية).. أهمها دخول الدولة كمستورد لهذه السلع.. وقد يرى البعض أن الحكومة (فقيرة) .. والحقيقة أن أغلب التجار يعملون بأموال البنوك.. والتى لا تجد من يستثمرها.. وليس عيباً أو حراماً أن تعمل الحكومة بنفس الطريقة.. ليستريح المواطن وتربح الحكومة .

ثالثا : يشكو التجار من زيادة (رسوم) الموازين والطرق وداخل الأسواق.. مما يدفعهم إلى تحميل هذه الزيادة على المستهلكين الغلابة.. وفى يد الحكومة - إن أرادت - إبطال هذه (الحجة) إما بتخفيف هذه الرسوم.. أو الإعلان بصراحة ووضوح أن هذه الرسوم ليست أحد أسباب ارتفاع الأسعار .

رابعاً : مصر كانت سلة غلال العالم.. والتى ظلت لأكثر من ألف عام تمد أرض الحجاز بما تحتاجه من القمح والحبوب .. هل يعقل أن يتدهور بها الحال - بسبب السياسات الزراعية الفاشلة التى بدأت منذ أربعين عاما - حتى تستورد أكثر من ٧٠٪ من غذائها.. وهل يعقل أننا الدولة الأكثر استيراداً للعديد من السلع الزراعية مثل القمح والفول والعدس والزيت.. إلخ.

وهذا الوضع البائس لم يظهر فجأة .. ورغم وجود معهد البحوث الزراعية.. والعديد من كليات الزراعة .. إلا أننا لم نقرأ أو نسمع عن فكرة حقيقية وجادة.. للخروج من هذا النفق المظلم الذى استطال بأكثر مما يجب أو نحتمل .

خامساً : هذا العجز الرهيب فى احتياجاتنا الغذائية.. أكبر من مسئولية وزارة الزراعة وحدها.. بل لا نغالى إذا قلنا إنها أكبر من مسئولية الحكومة مجتمعة .. وذلك لأن الحكومات متغيرة.. ولذلك فإن التخلص من هذا الكابوس المرعب .. لن يكون إلا من خلال (استراتيجية).. واضحة المعالم بخطوات واضحة وملزمة لكل هيئات ومؤسسات الدولة.. من خلال توقيتات محددة.. ومراجعة دائمة وحاسمة لكل الخطوات من خلال مجموعة من الخبراء الذين لا يعملون فى الوزارات المعنية.

سادساً : تستطيع الحكومة - إن أرادت - أن تزيل الكثير من الالتهابات التى أصابت الأسعار .. من خلال إلغاء أو تقليل (قائمة الوسطاء) - التى تفصل ما بين المنتج والمستهلك .. والدليل على ذلك مافعلته زميلة صحفية فى جريدة المصرى اليوم .. حيث ذهبت إلى مدينة المطرية بالدقهلية .. واشترت ٢٩ كيلو من أسماك البلطى مختلف الأحجام .. من إنتاج بحيرة المنزلة.. ثم ذهبت إلى حيث يتم بيع السمك فى مدينة المنصورة.. وباعت هذه الكمية بأقل عشرة جنيهات .. من السعر السائد فى السوق.. وبعد حساب كامل التكلفة وجدت أنها قد ربحت ١٣٠ جنيهاً .. وبعد نشر هذا التحقيق .. أعلنت وزارة التموين عن وجود أسماك بأسعار تقل كثيراً عن مثيلتها فى السوق .. وموجودة فى المجمعات الاستهلاكية .. والسؤال لماذا لم تفعل وزارة التموين نفس الشىء مع كل الخضراوات والفاكهة؟

سابعاً : إذا لم تستطع الحكومة السيطرة على غول الأسعار.. فليس أمامها إلا أن ترفع مرتبات .. ودخول المواطنين .. بنفس درجة ارتفاع الأسعار .. وهذا بالطبع هو المستحيل ذاته .. مما سيضع الدولة بكاملها أمام مأزق شديد الخطورة.. يتمثل فى زيادة معدلات الفساد والجريمة والرشوة.. وكل الطرق الملتوية وغير الشرعية.. التى تتلخص فى طريقين؛ فإما أن يضع كل مواطن يده فى جيب الآخر.. وإما أن يتواطأ الجميع على سرقة الدولة.. وكلاهما مر وشديد الخطورة..

ثامناً : هناك العديد من الخطوات التى يمكن أن تساهم وبفاعلية فى القضاء على هذه الأزمة.. وعدم عودتها مرة أخرى .. وأهمها إلزام كل مؤسسات الدولة بالحد الأقصى للأجور .. وضبط إيقاع فوضى الحوافز والمكافآت فى القطاعات الحكومية.. والعمل بكل الجد والإخلاص على تحقيق (التنمية الصناعية) .. ووضع نظام ضريبى عادل من خلال الضريبة التصاعدية .. والأهم الحرص على اختيار الأكفأ من خلال إجراءات شفافة تضمن تكافؤ الفرص .

تاسعاً : علينا جميعاً.. وخاصة (أولو الأمر) .. أن نعمل على رفع المعاناة عن الغلابة والبسطاء.. بضرب مافيا الاحتكارات.. وإطفاء حرائق الأسعار .. وخلق فرص عمل حقيقية تحقق للإنسان المصرى الحد الأدنى من الحياة الكريمة.. وعلى الدولة أن تلزم (بارونات الأعمال) الذين أثروا من خلال شراء أرض الشعب بالمجان تقريباً.. ثم أخذوا أموال الشعب الموجودة فى البنوك لعمل مشروعاتهم العملاقة.. على الدولة أن تلزمهم بالقيام بدورهم الاجتماعى والوطنى .

 

    الاكثر قراءة