تحقيق: شريف البرامونى
ربط علماء نفس واجتماع بين ارتفاع الأسعار الذي تشهده الأسواق بشكل يومي والعنف المُنتشر في المجتمع، مؤكدين أن «ارتفاع الأسعار وجشع التجار له مردود واضح على السلوك الاجتماعي»، لافتين إلى أن العنف مُرتبط بشكل أساسي بالإحباط.
من جانبه، قال الدكتور أحمد فخري استشاري علم النفس وتعديل السلوك بجامعة عين شمس، إن هناك ارتباطا وثيقا بين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، فالاثنان عبارة عن مرآة عاكسة لبعضهما البعض، مؤكداً أن الأوضاع الاقتصادية التي يعيشها المصريون الآن هى جديدة وحديثة العهد فلم يكن هناك تجارب مماثلة لها في السابق، ما يحدث الآن في مصر هو متغير من متغيرات اقتصاد مرتبطة بالتحرر الاقتصادي من أجل التنمية، موضحا أن حالة ارتفاع الأسعار التي تشهدها البلاد لها مردود واضح على السلوك الاجتماعي لكافة الفئات الاجتماعية.
استشاري علم النفس وتعديل السلوك قال إن العنف مرتبط بشكل أساسي بالإحباط الذي يمكن أن يمر به الفرد في المجتمع متمثلا في عدم قدرته على تلبية احتياجاته وتحقيق أحلامه، وفقدان الثقة وعدم القدرة على إيجاد حلول منطقية بديلة للخروج من الأزمات، مشيرا إلى أن الطبقات الأضعف أو الأقل على المستوى التعليمى والثقافي تتأثر بشكل كبير في ظل الأوضاع الحالية.
«فخري» أكد أن أشكال العنف الاجتماعي متنوعة ومتعددة وتظهر في السلوك المجتمعي بين الأفراد سواء داخل الأسرة الواحدة وهو ما ينعكس على حالات الانفصال والطلاق الكبيرة التي تشهدها مصر، أو أماكن العمل أو أماكن التجمعات العامة مثل مترو الأنفاق وغير ذلك، موضحاً أن هناك درجات من العنف منها اللفظي والبدني والتي تعبر بشكل أساسي عن معدلات الإحباط التي يعيشها المواطن، ويظهر ذلك من خلال ارتفاع حالات التحرش والعنف ضد المرأة بشكل عام وملحوظ.
وقال «فخري» إن الأزمة الحقيقية تكمن في أن تلك الظروف التي يعيشها المصريون الآن هى حديثة العهد؛ لكن السبب المباشر في أن تلك الظروف آثارها حتى الآن، لا يمكن أن نقول إنها أخذت أبعادا اجتماعية واسعة ومنتشرة نتيجة الثقافة الحضارية الموروثة بين المصريين منذ زمن بعيد، موضحا أن الشعب المصري تعرض خلال تاريخه إلى العديد من الأزمات الطاحنة؛ لكنه استطاع أن يجتازها بنجاح.
دكتور علم النفس أكد أن الطريقة السليمة لتجاوز الأزمة الحالية وعدم انتشار رقعة العنف بين المواطنين تكمن في التضامن والعمل الجماعي بين أفراد المجتمع الواحد، متوجهاً إلى الإعلام بضرورة استخدام خطاب يرفض العنف المجتمعي والتحريض وأن يتوقف عن بث الأفكار التي تشير أن الأزمات الحالية سببها المباشر هو فساد وجشع التجار على سبيل المثال فمثل هذا الخطاب يعد تحريضا مباشرا بين أفراد المجتمع الواحد - على حد قوله -.
وعن الخروج من تلك الأزمة، قال أحمد فخري إنه المجتمع لا يملك حلولا سحرية لتحسين الأوضاع الاقتصادية في الوقت الحالي؛ لكنه يجب أن يكون هناك خطة عمل تحاول من تخفيف العبء عن المواطنين وبث الأمل في النفوس من خلال العمل الجماعي والتضامن بين أفراد المجتمع الواحد وبث روح المشاركة المجتمعية وأن كل فرد له دور فعال في البناء الاقتصادي والاجتماعي للدولة بغض النظر عن تصنيفه الاجتماعي أو الطبقي.
من جهته، قال الدكتور أحمد زايد أستاذ علم الاجتماعي بكلية الآداب جامعة القاهرة إنه من الصعب اعتبار حالات العنف المتفرقة التي تحدث في المجتمع نتيجة ارتفاع الأسعار، إنها ظاهرة مجتمعية يجب التعامل معها لأن الأزمات الاقتصادية موجودة في كل بلدان العالم، فعلى سبيل المثال المواطن في أوربا يمر بأزمات اقتصادية كبيرة؛ لكنه لم يكن هناك عنف اجتماعي بين أفراد المجتمع الواحد.
«زايد» أكد أن العنف الاجتماعي مرتبط بشكل أساسي بالظروف الموضوعية التي يعيشها الفرد سواء على المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي أو النفسي، فلا يمكن التعامل مع سبب واحد باعتباره سببا للعنف بين أفراد المجتمع، مؤكداً أن أعلى درجات العنف تتمثل في القتل. مشيراً إلى دراسة حديثة عن العنف الأسري فكانت النتائج التي توصلت لها الدراسة فيما يخص قيام الزوجات بقتل أزواجهن جاءت للعديد من الأسباب، كان من أبرزها تناول الزوج للمخدرات بكثافة إلى جانب العنف الجسدي الذي يمارسه الرجل ضد زوجته وأولاده بشكل يومي، بالإضافة إلى تحمل الزوجة مسئولية المنزل بشكل كامل على المستوى المالي أو الاجتماعي؛ لكن فكرة القتل نفسها التي مارستها السيدات، كانت عبارة عن لحظة غضب نتيجة تراكم الأزمات والإحباط.
بينما أكد الدكتور على فرغلي خبير العلاقات الاجتماعية، وأستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، أن غياب الحرية جزء أساسي من العنف الاجتماعي، وأن الحرية فقط ليست الحرية السياسية أو الفنية؛ ولكن حرية الفرد في اختيار احتياجاته وقدرته على تلبيتها، موضحاً أن الأزمات الاقتصادية التي يعيشها المواطن وارتفاع الأسعار سبب مباشر في انتشار العنف المجتمعي، مشيرا إلى أن العنف دائماً يتوجه إلى الجزء الأضعف في المنظومة الاجتماعية، لافتاً إلى أن العنف لا يمكن أن يكون بشكل عكسي.
«فرغلي» أكد على فكرة تعدد أشكال العنف ومن بينها عنف الفرد تجاه ذاته، موضحاً أن ارتفاع معدلات تعاطي المخدرات جزء من فقدان الثقة في تغيير الأوضاع التي يعيشها الفرد، فيلجأ إلى الهروب من الواقع ورفضه بشكل سلبي، بمزيد من العنف ضد نفسه أولاً، ثم ضد المجتمع بالانسحاب والسلبية وغياب الانتماء، ثم إلى المجتمع الأوسع بشكل عام.