الإثنين 17 يونيو 2024

هل يتم تطبيق قانون الطوارئ على المتلاعبين بالأسعار؟

19-4-2017 | 15:27

بقلم –  عزت بدوى

بعد إقراره رسمياً من البرلمان فى الأسبوع الماضى ولمدة ثلاثة شهور هل يمكن تطبيق قانون الطوارئ على المتلاعبين بالأسعار فى الأسواق لكبح جماح الأسعار من جهة، وردع المحتكرين والمتاجرين بقوت الشعب وغذاء المصريين من جهة أخرى ولا سيما إن الأمن الغذائى جزء لا يتجزأ من الأمن القومى المصرى ولا يقل خطورة عن الأمن السياسى فى المجتمع.

 

المخطط الإجرامى لإسقاط الدولة المصرية ومحاولات كسر إرادة المصريين التى تجلت فى أوج عظمتها فى ٣٠ يونيه عام ٢٠١٣، لم يتوقف عند حد إرهاب المصريين وإزهاق أرواحهم ومحاولة بث الفتن بين نسيجه الوطنى بل امتد ليشمل افتعال الأزمات الاقتصادية فى الأسواق بإشعال أسعار السلع المختلفة، ولاسيما الأساسية منها بإخفائها تارة والمبالغة غير المبررة فى أسعارها تارة أخرى لإثارة الاضطرابات الاجتماعية فى المجتمع استغلالاً لعشوائية الأسواق من جهة وضعف الرقابة وهزلية العقوبات المفروضة على المتلاعبين فى الأسعار والمحتكرين المسيطرين على الغالبية العظمى من السلع الأساسية والرئيسية لغذاء المصريين بداية من لبن الأطفال مروراً (باللحوم والدواجن والأسماك إلى الأرز والسكر والزيت وغيرها) من السلع التى يعتمد عليها المصريون فى غذائهم اليومى مما أرهق ميزانية الأسرة المصرية بشدة وخاصة محدودى ومتوسطى الدخل.

محاولات كسر إرادة المصريين التى تقوم بها الجماعات الإرهابية فى الداخل مدعومة ببعض القوى وأجهزة المخابرات الدولية لم تقتصر على العمليات الإرهابية التقليدية المسلحة لإرهاب المصريين بل امتدت إلى الإرهاب غير التقليدى المتمثل فى أصحاب المصالح والمحتكرين وكبار التجار المسيطرين على الأسواق والذين أصبحوا يمارسون كافة الضغوط على المواطنين من أجل تحقيق مصالحهم الذاتية والشخصية.

وحسبما يؤكد مصدر قضائى رفيع المستوى رفض ذكر اسمه إن إعلان الطوارىء يهدف إلى الردع السريع والحاسم لكل ما يهدد الأمن القومى المصرى سواء جنائياً أو اقتصادياً وضبط الأسواق لن يكون إلا بإظهار قوة الدولة المصرية وهيبتها من خلال عقوبات رادعة وسريعة حازمة فى مواجهة المتلاعبين بالأسعار فى الأسواق.

وفجر المصدر مفاجأة خطيرة وهو غياب آلية تنفيذ وتطبيق قانون الطوارىء بعد إعلانه رسمياً منذ الأسبوع الماضى نظراً لإلغاء قانون إنشاء محاكم أمن الدولة الجزئية والعليا عام ٢٠٠٣ بعد انحسار الجرائم الإرهابية التى شهدتها مصر فى ثمانينيات وتسعينيات القرن.

وأكد المصدر أن تنفيذ قانون الطوارىء وتفعيله يتطلب سرعة إعادة تفعيل القانون رقم ١٠٥ لسنة ١٩٨٠ الذى ألغى عام ٢٠٠٣ والخاص بإنشاء محاكم أمن الدولة الجزئية والعليا المختصة بنظر الجرائم التى تقع بالمخالفة لقانون الطوارىء أو إصدار قانون جديد بإنشاء هذه المحاكم يتماشى مع الأوضاع الحالية وما شهدته الجريمة من تطورات وتقنيات تكنولوجية حديثة لم تكن موجودة من قبل.

وأكد المصدر أن الأمن الغذائى وخاصة فيما يتعلق بقضايا السلع التموينية والأسعار وغيرها جزء أساسى من الأمن القومى المصرى بل إن التلاعب فى الأسعار وإخفاء السلع وحجبها عن التداول للتأثير على المعروض منها وبالتالى التأثير على أسعارها بقصد إحداث أزمات اقتصادية واضطرابات اجتماعية فى المجتمع لا يقل خطورة عن الجرائم الإرهابية.

ربما يغنينا تعديل قانون حماية المستهلك المعروض على مجلس النواب الآن والذى يتضمن سعراً عادلاً للسلع وعقوبات رادعة تتناسب مع حجم الجرم الذى يرتكبه المتلاعبون فى الأسعار، إذا ما واكب ذلك إجراء تعديل جذرى لقانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية الصادر عام ٢٠٠٥ وتعديلاته الصادرة عام ٢٠٠٨ بما يقضى على الثغرات والشروط التعجيزية للأجهزة الرقابية التى وضعها زعيم الأغلبية البرلمانية فى ذلك الوقت المهندس أحمد عز لحماية مصالحه الشخصية وكبار المحتكرين فى الأسواق بما يمكن الأجهزة الرقابية من ملاحقة كبار المحتكرين وتوقيع العقوبات الرادعة عليهم بما لا يجعلهم يستفيدون من ارتكابهم جرائمهم فى حق الشعب. ويكون صغار التجار وأم باتعة بائعة الفجل والجرجير وغيرها من الباعة الجائلين هم الضحية والذين تطالهم «يد» القانون فقط كما كان يحدث فى الثمانينيات بينما يظل الأباطرة وكبار التجار والمحتكرين بمنأى عن القانون على حد قول المستشار هشام الشريف نائب رئيس محكمة الاستئناف.

فإنه لابد أن تطال «يد» الطوارئ فى المرحلة الحالية المتلاعبين فى الأسعار فى الأسواق ولا سيما كبار المحتكرين وأباطرة الأسواق وذلك بإعادة تفعيل القانون ١٠٥ لسنة ١٩٨٠ بإنشاء محاكم أمن الدولة الجزئية والعُليا.

وقد نص هذا القانون الذى صدر فى ٢٠ مايو عام ١٩٨٠ على إنشاء محكمة أمن دولة عُليا فى كل دائرة محكمة من محاكم الاستئناف كما نص أيضا على إنشاء محكمة أمن دولة جزئية أو أكثر فى مقر كل محكمة ابتدائية.

وتشكلت محكمة أمن الدولة العُليا من ثلاثة من مستشارى محكمة الاستئناف على أن يكون رئيسها بدرجة رئيس استئناف وحدد القانون اختصاصها بالجرائم التى يعينها رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه أى كانت العقوبة المقررة، كما يجوز له حفظ الدعوى قبل تقديمها إلى المحكمة.

كما نص أيضا على أنه يجوز أن يضم إلى عضوية هذه المحكمة عضوين من ضباط القوات المسلحة القضاة بالقضاء العسكرى برتبة عميد على الأقل ويصدر بتعيينهما قرار من رئيس الجمهورية واختصت محكمة أمن الدولة العُليا دون غيرها بنظر الجنايات الإرهابية.. والجرائم التى ترتكب فى حق الوحدة الوطنية .. والجرائم التى ترتكب ضد حرية الوطن والمواطن.. والجرائم الخاصة بالتموين والتسعيرة الجبرية إذا كانت العقوبة المقررة لها أشد من الحبس.. والجرائم المرتبطة بأعمال البناء والاعتداء على أراضى الدولة ولا تقبل الدعوى المدنية أمامها.

وكانت الدعوى فى هذه الجنايات ترفع أمام محكمة أمن الدولة العُليا مباشرة من النيابة العامة ويفصل فيها على وجه السرعة.

إن النيابة العامة هنا كانت تختص بالاتهام والتحقيق ولها سلطة قاضى التحقيق وكان لمأمور الضبط إذا توافرت لديه دلائل كافية على اتهام شخص فى إحدى تلك الجرائم أن يتخذ الإجراءات التحفظية المناسبة وأن يطلب من النيابة العامة خلال أربع وعشرين ساعة على الأكثر أن تأذن له بالقبض على المتهم وكان للنيابة العامة فى هذه الحالة ولأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع أن تأذن بالقبض على المتهم خلال مدة لا تجاوز سبعة أيام. وكان يجب على النيابة العامة أن تستجوب المتهم خلال ٧٢ ساعة من عرضه عليها ثم تأمر بحبسه احتياطياً أو إطلاق سراحه.

وحسب ذلك القانون كانت أحكام محكمة أمن الدولة العليا نهائية ولا يجوز الطعن عليها ولكن يجوز لرئيس الجمهورية أو من يفوضه التخفيف من العقوبة أو بعضها أو يوقف تنفيذ الحكم أو إلغائه.

وحسب نفس القانون كان لرئيس الجمهورية الحق فى ندب أحد مستشارى محكمة الاستئناف أو أحد المحامين العموميين على أن يعاونه عدد كاف من القضاة والموظفين وتكون مهمته التثبت من صحة الإجراءات وفحص التظلمات ويودع مذكرة مسببة برأيه ترفع لرئيس الجمهورية قبل التصديق على الحكم.

ولكن.. كان رئيس الجمهورية ينيب من يقوم مقامه فى اختصاصاته المنصوص عليها فى هذا القانون، وكان غالباً رئيس الجمهورية وبمقتضى ذلك القانون إحالة المحاكم من تلقاء نفسها مما يوجد عليها من دعاوى أصبحت من اختصاص محكمة أمن الدولة العليا بالحالة التى عليها وبدون رسوم.

وبالطبع كان هذا القانون ترجمة عاجلة للفصل فى الجرائم الإرهابية وغيرها فى ظل حالة الطوارئ المفروضة على البلاد .

ولكن بعد انتهاء موجة الجرائم الإرهابية التى اجتاحت البلاد فى ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضى ألغيت محاكم أمن الدولة بالقانون رقم ٩٥ لسنة ٢٠٠٣ وآلت اختصاصات هذه المحاكم إلى المحاكم الطبيعية المختصة حسب قانون الإجراءات الجنائية ولم يستثن من ذلك إلا الدعاوى المؤجلة للنطق بالحكم أو ما تقرر إعادتها للمرافعة.

ويسهل فى ظل إعلان حالة الطوارئ مؤخراً بعد حادثتى كنيستى طنطا والإسكندرية إعادة تفعيل العمل بالقانون ١٠٥ لسنة ١٩٨٠ الذى يعيد من جديد إلى الوجود القضائى محاكم أمن الدولة العُليا لتحسم قضايا الإرهاب بالسرعة الكافية التى يطالب بها المجتمع، وكذا التصدى للمتلاعبين بقوت الشعب وأمنه الغذائى باعتباره جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومى المصرى ولا يقل خطورة على المجتمع عن الجرائم الإرهابية.

إن كل ما هو مطلوب من مجلس النواب هو التصويت على إعادة تفعيل هذا القانون من جديد أو إصدار قانون جديد بإنشاء محاكم أمن الدولة للتصدى لهذه الجرائم بما شهدته من تطورات جديدة.