محمد جابر غريب أو عم جابر
كما اعتاد مريدوه أن ينادوه هو مزيج من الاثنين ، فهو أديب يكتب كتبا تحمل بين
دفتيها قصص جميلة كاتبها يلتقط ملامح إنسانية لاتلتقطها سوى عين ترى وتحس من حولها
من البشر بكل عذاباتهم وأفراحهم .
وهو عاشق للكتب يعمل بها ولها ، حيث يعشق الكتب القديمة النشر ويواكب
كل جديد يصدر يقرأ ويبيع في مكتبته الخشبية ، أرفف وجدران وباب ومقاعد ، تضم
الأرفف كل الكتب لمشاهير ومغامير الكتاب ، كذلك مرتادو المكتبة .
لف عم جابر خلف مكتبته التي
أطلق عليها "مكتبة قنديل أم هاشم " تيمننا بالرواية الخالدة لرائدنا يحي
حقي رحمه الله . كان مقر المكتبة في بداية معرفتي بعم جابر بين مكتبات سور
الأزبكية القديم في ميدان الأوبرا خلف مسرح الأزبكية "المسرح القومي "
ثم حين شرع في حفر مترو الأنفاق لمحطة العتبة نقل جزء من مكتبات السور إلى ميدان
السيدة زينب على الرصيف المقابل لقسم الشرطة . ثم تم تصميم بناء خشبي مقسم لوحدات
كل منها تشكل مكتبة منفردة بطراز اسلامي حيث نقوش الجدران والأسقف بالخشب المفرغ
"الأرابسك " وتشابه التصميم بين سور الأزبكية الذي عاد بجوار محطة مترو
العتبة وبين سور الكتب بجوار محطة مترو السيدة زينب أسفل الكبري العلوي لميدان أبي
الريش وأضحى سور الكتب من معالم ميدان أبي الريش العريق . فجاء عم جابر بمكتبته
"قنديل أم هاشم " إلى هذا المكان وواصل به عرض الكتب القديمة وحديثة
الإصدار ثم نظم ندوة إسبوعية مساء كل أحد لمناقشة كتاب لصديق أو قراءة قصص وأشعار
لكتاب جدد من رواد الندوة وأطلق عليها " ندوة القنديل " وما أجدرها بهذا
الاسم فعلا حيث كان القنديل يضيء على مظاليم كثر من عالم الأدب وكان القنديل أيضا يضيء
على مواهب من كتاب ونقاد لايعرفهم أحد .
ولعشق الكتب عند عم جابر –كما قدمنا – أوجهه كثيرة فهو بائع وقارئ
وكاتب قصة متميز ، نشر في دوريات عربية ومصرية كثيرة مثل جريدة المساء وملحقها
الهام الذي أشرف عليه الأديب عبد الفتاح الجمل ومثل جريدة أخبار الأدب حين بدأت مع
الأديب جمال الغيطاني ، وجريدت البيان الكويتية ، ومجلة القصة المصرية . ثم نشر
محمد جابر غريب أربع مجموعات قصصية منذ عام 1991 وهي محموعة "سي السيد الديك
" التي كتب لها مقدمة الأديب الأيقونة يوسف إدريس ثم نشر جابر مجموعة
"أغنية لزفاف جديد " هيئة الكتاب عام 2002 ثم "إشراقات الحب والغضب
" عام 2003 عن اتحاد كتاب مصر أثناء رئاسة الكبير فاروق خوشيد له ثم فى عام 2010 نشر مجموعة " أزرار البلوزة
وأشياء أخرى " .
وبقرأة بسيطة لقصص تلك المجموعات نجد ملامح مشتركة بينها هي بالحقيقة
سمات أصيلة لفن كتابة القصة القصيرة كما قرره كتابها ونقادها . نجد التكثيف في
اللغة والشخصيات ونجد الفكرة الإنسانية العامة التي من الممكن أن نجدها في قصص
عالمية بلغات غير لغتنا العربية فنجد أرواح شفافة رقيقة تتوق للحب للاستقرار
للحنان لكل ماهو إنساني ، ونجد فكرة تتكرر وهي ضياع العمر سدى بدون تحقيق الأحلام
والأمال. كما نجد ربط الخاص بالعام وتماهي المواطن مع الوطن وقت الأزمة الساسية
مثل قصة " الخلافات الصغيرة " حيث تدور في مقهى بلدي وتقع مشاجرة حامية
بين أحد رواده وصديقه لكنهما يتوقفان عند سماع نباء انسحاب الإنجليز من بورسعيد .
وفي قصة " انتظار " نقرأ كيف تلقى حرب العراق بظلالها على حياة زوجة
شابة سافر زوجها ليعمل بالعراق . وفي قصة "اعماق بيضاء " تقدم بطولة
جندي مناضل وبكل حماسة وقت العبور العظيم يتوقف لينقذ عدوه في مشهد إنساني يؤكد
شرف العسكرية المصرية .
كما تتميز كتابات جابر
باختيارعناوين القصص التي تأتي دالة أحيانا وملغزة أحيانا أخرى مثل "عذابات
السيدة الجميلة " عن سيدة أقعدها المرض وصعبت عليها الحركة واحتاجت لزوجها
وابنتها لمساعدتها دائما وهي من كانت مركز حركة البيت وأسرتها .
وقصة "سي السيد الديك " الجميلة التي
وصفها دكتور يوسف إدريس بماكتب حولها " هذه قصة قد استوت ونضجت في عقل كاتبها
الواعي والباطن معا ، حتى جاءت تحفة بكل المقاييس " وهو ينصح القراء بقراءة
القصة مرتين " ليحاولوا أن يعرفوا كيف طور الكاتب هذه الفكرة إلى أن وصل بها
إلى درجة البساطة المتناهية أو بمعنى أدق البساطة والسذاجة الفنية ، تلك التي تحيل
الفكرة العادية وترفعها إلى مستوى القانون الفني العام " ياسلام ياأيقونة
القصة فعلا . في هذه القصة تيار الشعور لبطلتها الوحيدة التي تسلي وقتها بتربية
الفراخ فوق سطح المنزل وتتسلى بالمعارك بين الديوك على نيل الفراخ الصغيرة ويداعب
خيالها حالها وهي تعيش وحيدة دون رفيق أو
أليف وتتمنى لو أن ساكن غرفة السطح الأرمل يكون هو هذا الأليف وتعيش خيالات الحب
والمؤانسة لكن الأخر لايتقبل الفكرة ويرحل عن السطح في صدمة كبيرة لها ، وهنا تأتي
بلاغة الفكرة والعنوان فالرجل هو السيد الذي يختار ويتودد لمن يتشتهي وليس العكس
فالمرأة لاتستطيع فعل هذا .
إن الحب والرغبة المكتومة وحرمان تحققها تتردد في أكثر من قصة للكاتب
لأكثر من نموذج إنساني ففي قصة " أغنية لزفاف جديد " نجد عذابات وقلق
إمرأة وحيدة غاب عنها زوجها في الحرب وهي تتراوح بين فكرة فقده أو عودته سالما
منتصرا من المعركة وهي في كل الحالات تفخر
به .
من قراءة المجموعات الأربع نجد أيضا اهتمام الكاتب بالإنسان ليس
النساء فقط بل نجد أجمل قصص أبطالها لديهم نفس الهم الإنساني ففي قصة "الحصار
" أب يعاني من تمرد ابنه وابنته وعدم طاعته في صياغة هامة لفكرة خلاف الرأي
بين جيلين .
وفي قصة " الكلب " يتحول هذا الحيوان لرفيق وفي لرجل تعب من
غدر الأخرين ونكرانهم له .
كتب محمد جابر غريب القصة القصيرة المتوالية أي تبدأ القصة وتسير على
مراحل كل مرحلة تغير في الزمان والمكان ، مثل "القضية 2002 " بأجزائها
الثلاثة أو كما أسماها كاتبها قصة في ثلاثة مقاطع "سابع جار –حبال الود – وكيل النيابة
" .
تشعر وانت تقرأها انك شاهدتها في الشارع الذي تسكنه أو بين جيرانك حيث
تحرك الغيرة إمرأة مطلقة تجاه جارتها السعيدة مع زوجها وأولادها فتفتعل معها
الأولى مشاجرة وتدعي عليها ضربها وويذهب الزوج للنيابة ثم يخرج .
يلتقط صور إنسانية من الحياة ويطرحها ببساطة وبلا تعقيد لغوي أو فلسفي
بل يتركها تتحرك أمام عين القارئ الذي بدوره يكتشف أنه يعرفها جيدا لأنه قابلها أو
هو نفسه احد أبطالها .