وكالات:
تحظى قصص اللاجئين في كل مكان بالكثير من المآسي، ولا تنتهي، فهنا وهناك، المئات من اللاجئين، وفي إثيوبيا حكايات كثيرة، تحكيها السطور القادمة.
عندما يمر أولامي سيمون 21 عاما، بيوم سيء يذهب إلى الهيئة اليسوعية لخدمة اللاجئين (JRS)، فهذه المنظمة الإغاثية الكاثوليكية تدير في أحد الأحياء الفقيرة في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا مركزا يمارس فيه اللاجئون الرياضة ويعزفون فيه سويا ويتلقون دورات تعليم تكميلية مجانية. هناك في الفناء يلعب سيمون المنحدر من أوغندا الكرة الطائرة وفي مقهى الإنترنت يتابع صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك". هذا المركز بمثابة واحة نظيفة وسط حارات مغبرة وأكواخ رثة، ومعظم رواده من الأفارقة. ومنذ اندلاع حرب اليمن يتردد عليه أيضا لاجئون من هذه الدولة العربية.
إثيوبيا تمثل بالنسبة لمعظم اللاجئين مجرد محطة عبور نحو الطريق إلى أوروبا أو أستراليا أو الولايات المتحدة، لكن محطة "العبور" هذه قد يقضي فيها اللاجئ نصف عمره.
يقول سيمون: "كل فرد لديه أمل في الذهاب إلى مكان حيث يكون المستقبل مشرقا، لا أحد يريد العيش في الظلام". أتى سيمون مع عائلته إلى إثيوبيا عندما كان في عمر التاسعة، وقضى فترة صباه في مخيمات للاجئين. الآن استأجرت عائلته منزلا صغيرا في أديس أبابا. سيمون قوي البنية ولعب كرة القدم لفترة طويلة لدى أحد الأندية المشهورة في إثيوبيا، لكنه صار يشعر بضغط من مدربه بعدما تعرض لـ"كثير من التمييز".
في إثيوبيا لا يحصل اللاجئون على تصريح رسمي بالعمل، لكن ربما يتغير هذا الأمر إذا قدم الاتحاد الأوروبي عرضا جيدا للحكومة الإثيوبية في إطار "شراكة جديدة للهجرة".
"معظم الأشخاص الذين يأتون إلينا قدموا طلبا بـ(إعادة التوطين) لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، لكن فقط قليلين جدا منهم يحصلون في وقت ما على موافقة"، هكذا تقول الإثيوبية هانا بيتروس، التي توزع الطعام والأغطية على اللاجئين الجدد المعوزين في الهيئة اليسوعية لخدمة اللاجئين، أما اللاجئون الذين مكثوا فترة طويلة هناك فتساعدهم بيتروس في العثور على مدرسة أو في تحقيق شيء ما.
ويقصد بـ "إعادة التوطين" في مفهوم الأمم المتحدة "باستقرار دائم للاجئين في دولة أخرى مستعدة لاستقبالهم". اللاجئون القليلون الذين بدأوا حياة جديدة بهذه الطريقة انطلاقا من إثيوبيا سافر معظمهم إلى كندا وأستراليا والولايات المتحدة، وبعضهم إلى السويد. لكن الاستعداد في أوروبا لـ"إعادة توطين اللاجئين" صار ضئيلا للغاية منذ أزمة تدفق اللاجئين خلال عامي 2015 و .2016
البديل الخطير لإعادة التوطين هو الهجرة غير الشرعية عبر قوارب اللاجئين انطلاقا من ليبيا التي يسودها الفوضى إلى إيطاليا. في آذار/مارس الماضي وحدة وصل إلى أوروبا عبر قوارب ومراكب صيد متهالكة 12327 لاجئا، بحسب بيانات الأمم المتحدة. ومنذ بداية العام الجاري غرق نحو 800 مهاجر في البحر المتوسط بعدما لجأوا إلى مهربين بشر لنقلهم إلى أوروبا، بينما مات آخرون عطشا في الصحراء خلال توجههم إلى ليبيا أو تعرضوا للضرب أو الاستعباد أو سقطوا في أيدي تجار أعضاء منعدمي الضمير.
أيضا ميوسي إياسو 33 عاما، المنحدر من إريتريا من الزوار المنتظمين لمركز الهيئة اليسوعية لخدمة اللاجئين. يقول إياسو: "من الأفضل لي أن أجلس هنا في مقهى الإنترنت وأشارك في دورات تدريبية عبر الإنترنت بدلا من المكوث منتظرا على الدوام". قبل فراره عام 2011 كان يدرس إياسو علم الآثار في إريتريا. لكن ماذا ينتظر؟ "إعادة التوطين في الولايات المتحدة"، هكذا يقول إياسو مضيفا أن شقيقته حالفها الحظ وفازت في قرعة البطاقة الخضراء وتعيش حاليا في شيكاغو.
بعد سورية والعراق تحل إريتريا حاليا في المرتبة الثالثة على قائمة الدول الرئيسية التي يفد منها طالبو اللجوء في ألمانيا. ومن ينحدر من هذه الدولة الواقعة شرقي إفريقيا لديه فرص جيدة للاعتراف به كلاجئ، فهو قادم من دولة تتركز كافة السلطة فيها في يد الجيش، وتتسم الخدمة العسكرية هناك بالعمل الشاق الذي من الممكن أن يستمر العديد من السنوات، علاوة على ذلك لا يوجد حرية رأي، وحتى السفر داخل البلاد يتطلب من الإريتري الحصول على تصريح.
في يناير وفبراير الماضيين تم تعليق 11 ألف إجراء لجوء لإريتريين لدى المكتب الاتحادي الألماني لشؤون الهجرة واللاجين بسبب الاشتباه في أن من بين هؤلاء العديد من الإثيوبيين الذين يريدون الفرار من الفقر عبر الادعاء بأنهم إريتريون. فعبر هذا الادعاء يأمل إثيوبيون في الحصول على فرص أفضل في إجراءات اللجوء. لكن هذا لا يجدي دائما، حيث رفضت على سبيل المثال المحكمة الإدارية في مدينة ميونخ في يوليو الماضي دعوى من طالب لجوء ادعى أنه مواطن إريتري. ولجأ الرجل إلى المحكمة على أمل الحصول على حكم ضد القرار برفض طلب لجوئه وترحيله إلى إثيوبيا. وذكرت المحكمة في حيثيات قرارها أن المدعي لم يتمكن من ذكر "الاسم الرسمي" لدولة إريتريا، كما أنه يجيد فقط اللغة الأمهرية دون اللغة التجرينية، وهي اللغة الرسمية لإريتريا.
الحكومة في أديس أبابا لا تحب سماع أن هناك إثيوبيين في أوروبا يطلبون اللجوء، فكل ما تسعى إليه الحكومة الإثيوبية في النهاية هو الترويج للبلد على أنه مقصد للمستثمرين الأجانب. يقول مدير مركز الهيئة اليسوعية لخدمة اللاجئين في إثيوبيا، مولوجيتا آيسوس: "الإثيوبيون الذين يجربون حظهم في الهجرة غير الشرعية يريدون في الغالب الذهاب إلى جنوب إفريقيا أو إلى دول الخليج العربية أو إلى أوروبا... في المعتاد يطلب مهرب البشر دفعة مقدمة من المال، ويقوم بتحصيل باقي المبلغ في كل مرحلة تالية من رحلة الهروب". ويوضح آيسوس أن "الرحلة" إلى أوروبا لا يمكن أن يحصل عليها اللاجئ بأقل من 3 آلاف دولار، أما من يريد الذهاب إلى الولايات المتحدة فعليه أن يدفع أموال أكثر من ذلك بكثير.
هذه المبالغ لا يمكن أن تتحصل عليها تلك المرأة الواقفة بزيها البدائي في صبر في طابور الانتظار أمام مطار أديس أبابا. داخل رباط ملفوف حول بطنها تحمل هذه المرأة ممشوقة القوام طفلا رضيعا، وبرباط آخر تضع طفلا أكبر سنا على ظهرها، وتسير معها طفلة ثالثة ممسكة بيدها. وأمام بوابة المطار يضع أحد مساعدي منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة الأمتعة البسيطة لهذه المرأة على جهاز المسح الضوئي للحقائب، فالأم في طريقها إلى أمستردام بتأشيرة للم شمل الأسرة، فزوجها ينتظرها هناك.