الإثنين 3 يونيو 2024

قطر وإفريقيا دبيب النملة فى الغابة

21-4-2017 | 11:51

لفت انتباهى صديق عزيز من تلاميذى لمقال الكتاب القطريين فى وكالة الأنباء القطرية اقتبس المذكور مقالًا منذ عدة سنوات عن الدور المصرى فى إفريقيا كافة جوانبه، وهى عديدة سياسية واقتصادية وثقافية، فضلًا عن تقاطع الأدوار مع القوى الكبرى والإقليمية بيد أن الكاتب القطرى رفع اسم مصر ووضع اسم قطر فى دلالة واضحة على الجرأة والتطاول والادعاء، وذلك بحسبانه أن المنطق والعقل يتقبلان أية مقارنة من أى جهة بين مصر وقطر، فمصر التاريخ التليد وقطر تاريخ وليد، ومصر نتاج الحضارة والثقافة التى شيدتها أقدم الأمم وأعرق الشعوب وأكثرها تفاعلا مع التجارب وأكثرها حنكة فى التعامل مع القوى الكبرى ذات الأدوار الدولية البازغة على مر العصور، وهى قوى مرت جميعا على مصر كسحابات صيف تأخذ من مصر الفلسفة والحكمة ورؤى الحياة وسبل صناعة التقدم ثم تمر بنذر قليل من المطر وسرعان ما ينساها المصريون كأنها لم تكن.

 

وقطر البداوة التى انتقلت مع نفث الغاز من الأرض من مجتمع يصيد اللؤلؤ ويمارس الرعى إلى إمارة تحت الرعاية البريطانية ومخابراتها تتطلع إلى الآفاق الواسعة للعالم وترنو إلى أدوار القوى الكبرى وتسعى للانخراط فيها ولا شك أنها باتت تشكل ظاهرة متفردة، سواء على المستوى العربى أو الدولي، فقد نجد دولا صغيرة استطاعت أن تقود مسيرة وطنية من حالات التخلف إلى حالات التقدم والانطلاق وتشارك فى التقدم الذى يجرى فى العالم وتنتقل من الغابة إلى مدن ناطحات السحاب عبر تكنولوجيا نقلتها ثم وطنتها ونجحت من خلالها فى تقديم إنتاج مذهل للعالم فى مجالات مختلفة وصارت تمتلك حجما هائلا من التجارة المتبادلة مع العالم الخارجى ونستطيع أن نشير إلى ماليزيا أو سنغافورة وننظر إليهما بإعجاب، بل ونلتمس منهما الخبرة أما قطر اقتصاد ريعى يتاجر فى نفث الغاز على نحو تآمرى لا يقدم تجربة كريمة للعالم الخارجى، بينما لا يزال الشعب من الداخل على حاله على الأفكار القديمة والثقافة البدوية وأن تغير الشكل الخارجى للإنسان أو الشكل للمنزل ظلت قيم البداوة من القرون الأولى حاكمة للأوضاع وللعلاقات البينية، بل مسيطرة على الإمارة على نحو يقطع بأن جديدا لن يحدث أو يتغير قديم ولقد أثارت سياسة المكايدة التى اتبعتها الحكومة القطرية منذ نحو عقدين من الزمان فى ردود فعل متعاقبة من العالم ولا شك أن ذلك ما كان ليحدث للإمارة وفقا للقانون الدولي، ومن الملاحظ أن الجنوح للإثارة واستعداء الدول واحدة تلو الأخرى لم ينشأ من فراغ.

وتقتضينا المنهجية فى الفهم والتحليل أن نتابع ومن البداية أسباب التحولات التى جرت فى الدولة القطرية والتى ليس فقط لهذا القانون ولكن للأمة العربية والإسلامية، بل وللشعب القطرى الشقيق ذاته.

وإذا بدأنا بفترة الرئيس عبدالناصر نذكر نكتة مصرية تتعلق بزيارة أول أمراء قطر بعد خروج الإنجليز من مصر، حيث حكى الراوى أن الرئيس سأل سموُه عن عدد السكان فأجابه أنهم سبعون ألفا فعقب الرئيس فلماذا لم تحضرهم معك ولقد شكل هذا البعد الديموجرافى مشكلة للدولة الوليدة، فاحتاجت لمن يقومون بالتنقيب عن الغاز وتسويقه ومن يقومون ببناء النهضة والتشييد والمستشفيات من يعلم ويطبب ويخطط، وكان المصريون على العهد بهم جاهزين مع أشقاء لهم من السودان والعراق والسعودية والمغرب لكن هذا لم ينفع الإمارة، ومن ثم تثير لغطًا من حولها فتطاولت على جزر البحرين للتنقيب عن النفط والغاز، مما أدى إلى التحكيم الذى أعطى للبحرين حقوقها، وقلص يد الحكومة القطرية، وبطبيعة الحال التطاول على الحدود الجنوبية مع السعودية التى لا يسمح فيها القانون الدولى بالتطاول فلجأت قطر بتوثيق علاقاتها بالشام والفرس وعهد ولاية الفقيه.

تحسب أن تٌقَيم توازنا بين القوة السعودية والقوة الإيرانية، وبينما كان التغير يدعو بتقليص قيادات السلفية الوهابية، اعتبرت قطر ذلك سببًا مباشرًا لمكايدة المملكة العربية السعودية بألا تخل بالمبادئ التى قامت عليها، ومع ذلك كانت المملكة بالحصافة الكافية التى تركت للوهابيين القطريين ودعاة الإخوان أن يتحركوا بتأدية ما يقومون به من دعم القيادات السلفية كى تتحمل قطر وتفلت من المملكة الاتهام بها، ولعل هذا يشكل عاملًا فارقًا بالخبرة بالشئون الدولية بين المملكة والإمارة. لدينا أيضًا عامل مهم فى شرح السياسة القطرية، حيث الحالة الانقلابية المستدامة فى قطر، فأول الحكام وأكثرهم بداوة عزله أخوه والذى طال حكمه فى البلاد فعزله ابنه والابن الضخم غير الفخم ولى كبيره مسئولية ولاية العهد من بعده، ولكن حرمه الشيخة موزة ذهبت به وأتت بولدها الأمير الراهن.

ومن عجائب الزمن أن ترى صنيع الابن فى أبيه يتكرر فى جيل واحد، حيث الأسباب التى وقفت وراء توجيه الأمير لإسرائيل كى يقوم بعملية شفط الدهون فانتهت به لأزمة صحية كبيرة ويبدو أن تبرعاته للمستشفى الذى أجرى فيه العملية وللمستوطنة التى تحتويها لم تكن ذات جدوى فى براعة الطبيب المعالج ولا نعلم أيضا لماذا صار طيعًا فى أيدى السيدة حرمه التى توثقت صلاتها بإحدى عاملات الموساد الإسرئيلى والتى جرى استوزارها كى تتواصل معها فى الأزمات التى مرت بها القضية الفلسطينية بتركيب خاص لحالة الانفصال بين فتح وحماس، والتى جرى خلالها كثير من الدماء الفلسطينية بتحريض من قطر مثل ما جرى بأيدى الصهاينة، ولقد أعطت ليفنى للبيت القطرى صلاحيات الانتقال بين الضفة والقطاع واختراق حماس وفتح والتواصل بينهما وبين الموساد لتصفية القضية من الداخل. وتبدو ليفنى حاضرة بجانب الشيخة حضورًا غريبًا فإنها لم تكتف بأن تغير مظهرها ولكنها غيرت جوهرها فانتقلت من الحالة النفسية الكئيبة منذ أن افتأت أحد أمراء البيت الحاكم لأبيها لكى تصبح سيدة القصر وصاحبة الزمام والكلمة العليا فى الإمارة. وأما للأمير الحاكم ويعلم أبنائى من المؤرخين أن بوسعهم ترتيب جدول زمنى لمقابلة تواريخ تصعيد تسيبى ليفنى مع تواريخ دور قطر فى القضية الفلسطينية وفى العلاقة مع إسرائيل وفى تصعيد نجل موزة أن نلجأ للتحليل النفسى للبيوت الحاكمة، وأدعوكم للتأمل كيف وقف علية القوم فى قطر يودعون الأمير الأب إلى رحلة العلاج من مرض لا نعلم من تسبب فيه؟ ثم لنا أن نفحص نفسية الابن الذى من بعد أن انطلقت طائرة أبيه أوصد الأبواب على المودعين فأقبلوا عليه يودعونه قبل الرحيل ليعلن تليفزيون الجزيرة أنهم بايعوه أميرًا للبلاد. ولكم أن تتخيلوا أن يقف الأمير الأب فى الصف الثانى بعد ولده ويستقبل المهنئين بالأعياد الوطنية والدينية، وكيف يتحملها الأب وقد جعل والده يغادر قطر بلا عودة. واستميحكم عذرًا أن تلجأوا لطبيب نفسى لسؤالة فيما جرى فى مسألة التحليل النفسى للأسر الحاكمة.

ومن الواضح أن ندخل لموضوع آخر لسعى الشيخ حمد ومن بعده تميم للعب دور فى الشئون، ولو اكتفى بدعوة واستضافة بطولة العالم إلى بلاده، فالرياضة لها دور كبير فى عصرنا هذا فى جذب الانتباه وقدرتها على الترتيب والتنظيم وعرض تقدمها فى مجالات المنشآت الرياضية، ولكن الرجل وضع أساسًا طموحًا فى إدارة شئون العالم، وقبل أن يدعى أحد أننى أكتب كلامًا غريبًا وغير مفهوم لا يستطيع قبولًا وعقلًا، نشير إلى توجه الشيخ حمد إلى الاستضافة الكاملة للشيخ يوسف القرضاوى وكافة الملتفين حوله من قيادات الإخوان وتأسيس المجلس العالمى لعلماء المسلمين، والذى نجح فى استقطاب مئات العلماء حول العالم، وذلك فى مبادرة قصد بها تحويل قيادة الحركة الإسلامية الدولية السلفية الوهابية من المملكة العربية السعودية، حيث يوجد الحرمان الشريفان إلى الدوحة، وكذلك نقل مقر قيادة الإخوان المسلمين المناوئة للأزهر الشريف والمعارضة للحكم بشكل مستدام فى عهد الملك فؤاد ثم فاروق وقيام ثورة يوليو وحتى الساعة. وبينما كان زخم استنزاف الاتحاد السوفيتى بأيدى الجامعات الإسلامية وبمعرفة المملكة العربية السعودية وضابط مخابراتها أسامة بن لادن بالتنسيق مع المخابرات الأمريكية قد انتهى بسقوط الاتحاد السوفيتى، ومن ثم حلت قطر محل المملكة فى صياغة الشرق الأوسط الجديد.

وكان من مقضيات تنفيذ هذا المخطط شريكًا مع الدول الكبرى مثل للولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل أن تمتلك قطر جهة إفتاء قوية وحبذا أن تكون طاعنة فى الأزهر، ويزداد الأمر قوة إذا كانت هذه الجهة تنتمى إلى بعض المنتسبين للأزهر مثل القرضاوي، وأقرب ما تكون إلى تصفية الأزهر عن طريق عالم أزهرى وقد حاول الإخوان المسلمون أن يلعبوا وضع الشيخ الشعراوى فى مكانة أكبر من الشيخ عبدالحليم محمود والشيخ جاد الحق شيخى الأزهر السابقين، ولكن الشيخ الشعراوى كان يملك الذكاء من ناحية، ورفعة النفس والالتزام الخلقى من ناحية ثانية ومن الشفافية وبعد النظر عن المخطط الصهيوني. يُعرف عن القرضاوى تركيزه على أشعار الغرام وهوى الفاتنات القاصرات ممن فضحنه بعد تجارب زواج قميئة، وإلى جانب الفتوى كان الإعلام مطلوبا لإدارة برنامج الشرق الأوسط الكبير من قاعدة من الدوحة. كانت المخابرات البريطانية لديها جاهزية تمثلت فى المحطة الإعلامية البى بى س بعد أن ضحت بعدد من كبار مذيعيها لينتقلوا فورًا من محطة بريطانية إلى محطة الجزيرة فى قطر. ونجد أن محطة الجزيرة اجتمعت فيها الخبرات الإعلامية الفنية الأمريكية والتدريبية، وكذلك الخبرات الإسرائيلية والخبرات الإذاعية الإنجليزية لتقديم التلفيق الكامل للأوضاع العالمية والعربية، بحيث اصطنعت الجزيرة عالمًا افتراضيًا للإثارة لا ينقل الأحداث بموضوعية، ويصنع الانتفاضات ويجعل من عدة مئات من الشباب الجالسين على مواقع التوصل الاجتماعى جماهيرا حاشدة تنتفض لإسقاط الخونة والعملاء، وتحرير العالم العربى من قيادته الآثمة وتسليمه إلى قيادتة المفترضة، ومن جرى تدريبهم فى قطر وصربيا والولايات المتحدة بل وإسرائيل وليس من فراغ ولا قدرات قطرية، بل بالمخطط الصهيو/أمريكى صارت الجزيرة صوت الحق وهى فى حقيقتها صوت الباطل، وصارت صوت الشعوب العربية وهى فى حقيقتها صوت الصهيونية.

وكان عجيبًا فصارت قاعدة غربية كبيرة أُدير منها إسقاط بلاد الرافدين، وتفكيك سوريا وليبيا، وإن استعصت عليها كل من تونس ومصر، وقد ظهر أن تونس والجزائر كانتا أكثر الدول إدراكًا لدور قناة الجزيرة، وطردت مراسليها وتلاحظون أن الربيع العربى لم يظهر فى الجزائر أو المغرب ولم تكتف قطر أن تكون قاعدة أمريكية، بل زادت على ذلك بأن استخدمت قواتها المسلحة والمحدودة فى التحريض وبث الفتنة. وتتحمل الأسرة الحاكمة مسئولية الدماء التى سالت فى بلاد الربيع العربى ومسئولية الغرقى والمهاجرين والنازحين فى البحر المتوسط، وهو أمر لم تستطع إسرائيل أن تصنعه خلال الحروب مع الدول، حتى أن كاتبًا راحلًا أطلق عليها اسم «قطرائيل» مع أنه لم يعش الربيع العربى ولم يشهد أمواج الشهداء التى تلاطمت مع الغرقى واللاجئين فى موجات متتالية ومتصارعة، فى حلقة خلطتها الدماء بالسياسة. ولم يخف أمير قطر هذا الغر والغليم الأحمق مسئوليته عما جرى، حيث قال منذ أسابيع إن ما بينه وبين قادة العرب فى القمة العربية الأخيرة، هو اختلاف بسيط فى الرأى وأنه يرى أن ما يحملون السلاح ليسوا إرهابيين، وسنرى قريبًا نظراءه فى قصره يفجرون أنفسهم كى يخلصوا من حماقته وجبروته.

ويكاد الأمير فوجئ بالعالم العربى يخرج من مأزق الربيع العربى الذى رتب له والده ووالدته ينهار وفوجئ بالجيوش العربية بدءًا من مصر وسوريا تستعيد الزمام وتقاتل من أجل وحدة الدول العربية، وصوابه طاش عندما رأى رئيس مصر الرئيس عبدالفتاح السيسى يعيد رقاع الشطرنج التى سقطت ويحافظ على أماكن الأسود التى لا تعبث مع الجرذان، وفوجئ بالقوة التى كان يستند عليها تنهال ساقطة، فلا يعد بلير ولا كاميرون ولم يعد بوش ولا أوباما ولم يعد ساركوزى ولا يفنى وصار سيده الجديد فى البيت الابيض متفهما بأن صناع الربيع العربى لم يكونوا عربًا، وهى جريمة اقترفتها هيلارى وأن الإخوان المسلمين فشلوا فى قيادة المشروع من الدوحة شرقا إلى تونس غربا ومن مركزهم فى مصر يتهاوون وأن السيطرة والتحكم صارت بيد الرئيس السيسى كما ذكر ترامب أن يبنى استقرار الشرق الأوسط على أساس من قدرتة وحكمته، كما فوجئ بالقوى التى كانوا قد تخيلوا أن انهارت على جبال أفغانستان تصعد بقيادة بوتين وتسترد الزمام فى آسيا غربًا وأوربا شرقًا، كما لاحظ بشار الأسد رفض مشروع الغاز الذى يمر عبر بلاده وجه لطمة للغاز القطرى فجن جنون الأمير وقرر أن يكيد لمصر كيدا وأن يدمر وجودها ذاته وأن يهدد حياة شعبها وأن يمسك بخناقهم وذلك عن طريق السيطرة على منابع نهر النيل وكيف يكون ذلك بدعم نظرائة من السودان بانتهاك نهج الضغط على مصر بالمخالفة الصريحة للاتقاقيات والقوانين الملزمة التى تجعل مصر والسوادان طرفا واحدا مثل اتفاقية ١٩٥٩، كما اتبع تميم أسلوب الفتنة والوقيعة بين الشعبين المصرى والسودانى، حيث جيًش كتائب إلكترونية على تسميم علاقات أزلية بين شعب واحد فى حوض النيل جمعت بين أبنائه حضارة واحدة وأصول واحدة منذ فجر التاريخ. كما رعت علاقة النظام السودانى بالنظام الإثيوبي، ووقفت معهم لتمويل سد النهضة وتدفع المال وتحرض النفوس على الكراهية والحقد وتمنى الموت للمواطنين المصريين عن طريق العطش بتخيل أن يحجز الماء وأن يقتل عشرات الملايين عطشى، وهو شعور لا يدور فى عقل إنسان له علاقة بالحكم إلا إذا كان مريضًا، وحتى هتلر يبدو نبيلا قياسًا بالفتى تميم.

ولم يكتف بهذا بل تعجل بجولة تاريخية إلى القارة الإفريقية وأنها سوف تغير وجه الحياة على القارة وعلى الشعوب الإفريقية وأن قطر ستعيد بناء إثيوبيا وتنهض باقتصادها وينقذ الأقلية التى تسيطر وتحكم بالحديد والنار على الأكثرية من شعوب الأورومو والصوماليين والسودانيين ويسعى بإنقاذ اقتصاد وصفه بالنامى ولكنه اقتصاد خدمى من أقلية التيجراى وأن هذه الأقلية تمنع المساعدات لأكثر من نصف الشعب الإثيوبى وهم أغلبية البلاد وهم أيضًا العمال والمنتجون التى يستحوذ النظام الحاكم على عرقهم من أجل ثرائهم ويجمع أموال أبنائه بالخارج لبناء سدود تضر مصر والسودان، فإذا كان موقف مصر والسوادان واحدًا فى مسألة مياه النيل فيركز على شطره إلى موقفين ويجند بضعة قيادات لاجئة بالخرطوم وغيرها لتسميم العلاقات وشطر شعب واحد إلى شطرين فى وادى النيل وهو هدف لم يسع إليه إلا الإسرائيليون ودعاة الصهيونية الأمريكية فإن ظهر فيه عربى فهو إلى العبرى أقرب.

إذا انتقلنا إلى زيارة تميم إلى الدول الأفريقية الثلاث فسوف نجد غبًاء ناضحًا وعمالة مكشوفة، وخسة ممجوجة، وخيبة بالغة:

فأما الغباء فيكمن فى وضوح الأهداف لا نظير له إلا فى زيارة أمه للسودان وفى تكراره لوقائع زيارة نتنياهو لأفريقيها، وأما العمالة فتأدية دور إسرائيل فى التحكم فى مياه النيل وهو لا يقوم بهذا بالنيابة عنها فقط ولكن بالأصالة عن جلدته الخسيسة التى تورطت فى شفط دهون الأمة العربية، ولعل الله يصيبه بما أصاب من شفطت دهونه.

وأما الخسة فتكمن فى المكايدة للشعب المصرى وهو نمط لا يقوم به أسوياء ولا يلجأ إليه إلا من كان بحاجة إلى أستاذنا الجليل الدكتور أحمد عكاشة ولكنى أستميحكم عذرًا فى أن الحالة ستكون جديدة لم تمر عليه من قبل وأن عليه أن يطالع الجديد ليس فقط فى الطب النفسى ولكن فى كتب الجاسوسية ووثائق سنودن التى دلت على الأصل الوضيع ليس لأمير واحد بل لأجيال متتابعه فى أسرته.

وأما الخيبة البالغة فتدل عليها المؤشرات الاقتصادية التى حاول أن يوحى بها فالفاشل يظن أن خمسمائة مليون دولار يمنحها لإثيوبيا ستستكمل سد النهضة وأنها بعد أشهر قليلة ستملأ خزانها وأن الشعب المصرى سوف يضطر إلى أن يشرب مياه معدنية على حسب قول أحد الأذكياء، والحقيقة أن مصر أكبر من أن تجبر على القبول بأن شعبها يصيبه العطش ويكمن الفشل أيضًا فى أنه لا يدرى بل وقد يكون يدرى ويدرى جيدًا أن هذه الأموال ستذهب إخماد المعارضة الشعبية واسعة النطاق للنظام الإثيوبى الحاكم، وكخبير فى سياسة هذا النظام منذ مطلع التسعينيات أنه سوف يشترى رصاصًا وذخيرة، بحيث يخصص ما قيمته مائة مليون دولار من منحة (ذميم) لقتل الصوماليين فى أوجادين والأورومو فى أدس وجنوبها وبنى شنقول فى منطقة السد، والداهية الأكبر أن هؤلاء الذين سيتسلمون المنحة لن يسنوا أن يدخروا فى بنوك سويسرا قسمًا من عشرات الملايين لكل منهم لأنهم يعلمون أن غضبة الشعب الإثيوبى قد اقترب وأن التحول السياسى وشيك.

وقد بدأت جولة الذميم وسط طنطنة قناة الجزيرة وكتابات محررى وكالة قطر للأنباء ومنهم اللص الذى سرق مقالتى وقام بخسة ونذالة ووقاحة برفع اسم جمال عبدالناصر ووضع اسم تميم مكانه، فأين الثرى من الثريا؟ وأين ناصر من مثل هذا؟ ولنا أيضًا أن نتخيل ذميمًا وقد جلس إلى جوار أوهارا كينياتا الذى يعرف القاهرة كأبنائها ويعرف كيف كانت علاقة أبيه بعبدالناصر. ترى كيف كان ينظر إلى هذا الغليم؟ والمدهش فى المسألة أن أوهارا يعلم أن قطر داعمة أكيدة لشباب المجاهدين فى الصومال الذين هاجموا كينيا عدة مرات وقتلوا جنودًا كينيين ويشكلون خطرًا على الجنود الكينيين من ذوى الأصول الصومالية فى جوبالاند السفلى. ولا شك أن الرئيس أوهارا قد تحامل على نفسه فى استقبال هذا الدعى واستدعى كل ما يتعلمه من قواعد العمل الدبلوماسى فى إنهاء اللقاء، وتتوالى الخيبة فى رصدنا لزيارة الذميم لجنوب أفريقيا فقد استقبل أسوأ استقبال أو بمعنى أصح أنه لم يستقبل استقبالًا رسميًا وأنه ظل قابعًا للمطار وقتا طويلا وأن الرئيس كان مشغولًا عنه بما يجرى فى البلاد وأن مستوى استقباله والتعامل معه دفعه والفريق المصاحب له إلى العصبية والانفعال، ولا شك أننا لو نظرنا وعلى سبيل الاسترشاد إلى قيمة الزيارة فى حد ذاتها سنجد أن جنوب أفريقيا وقطر تجمعهما تجارة متبادلة فى حدود المائة والخمسين مليون دولار، ثلثها مخصصة للوقود الذى تشتريه جنوب أفريقيا من قطر، وهذا فى حد ذاته يجعل وزن قطر فى قطاع مهم مثل الطاقة لا يساوى شيئَا، وعلى جانب آخر فإن جنوب أفريقيا واحدة من الدول التى تراقب بقلق وجود جماعات الإخوان المسلمين على أراضيها وتخشى أية تصرفات طائشة منها، وبصفة خاصة أن لديها ما تعانيه من العنف الداخلى وليست بحاجة إلى المزيد.

فى جانب من الصورة نستطيع أن نتخيل الأمير وقد عاد إلى الدوحة خالى الوفاض إلا من الخيبة مشغول البال إلا من الفراغ الذى وجده فى أفريقيا ومع ذلك كانت الجزيرة تتحدث عن اختراق كبير تقوم به قطر فى العلاقات العربية الأفريقية، فقد صارت الدول الثلاث التى زارها هى أفريقيا وصارت قطر هى العرب، وفى هذا ما فيه من استغفال المواطنين العرب من قبل الجزيرة، وهذه أمور تدعوننى للنظر إلى كبار مذيعى الجزيرة الذين كنا نسمعهم فننصت وقد تحولوا إلى أبواق للدعاية الصهيونية من ناحية، لقاء ماذا؟ لقاء فقدان الذات حتى ولو اكتنزت البنوك بمدخراتهم، فهى مدخرات مغموسة بدماء العرب، ويبدو أنهم لن يشبعوا حتى تنغمس مدخراتهم بدماء الأفارقة أيضًا.. وإذ لاحظت أن عددًا كبيرًا من إعلاميين قد أصيبوا بإحباط من أجل هذه الزيارة فإننى أقول لهم لا تبتئسوا بل على العكس أن هذه الدويلة التى باعت عروبتها وهذه العائلة التى فقدت أصولها قد تعرت من كل شيء وتجردت من كل قيمة وانكشفت عن تبعية أصيلة متجزرة لا يحسب الإنسان أنها يمكن أن تقدح فى فكر صحفى حصيف ولا وطنى مخلص ولا قومى عروبى يعلم خيانتها ولا حتى سياسى يعلم ضآلتها وهزالها، تبدو الأمور بالنسبة لى جلية فى أن النجاح التى أحرزته الدولة المصرية والتنسيق الذى يتم مع الدول العربية الشقيقة ذات الأوزان وذات القيمة قادر على اجتياز الطريق إلى المستقبل والوصول إلى الأمور. ولن يضر النسور والنمور والأفيال أن تمر طوابير من النمل هنا وهناك، فالغابات الأفريقية فسيحة تستوعب كثيرًا من الحركة لكائنات شتى، لكن الأسد إذا زأر توارى الجميع خلف الشجر.