السبت 29 يونيو 2024

بعد حالات العنف المجتمعى اللا معقولة نتساءل : ماذا حدث للشخصية المصرية؟

21-4-2017 | 13:10

تحقيق: أمانى ربيع

«أشنع ما فى الأمر هو أن الفظاعات أصبحت لا تهز نفوسنا، هذا التعود على الشر، هو ما ينبغى أن نحزن له » هذه الكلمات سطرها الأديب الروسى فيودور ديستوفسكى فى القرن التاسع عشر لتجسد واقعا ملموسا يعيشه المجتمع المصرى فى القرن الواحد والعشرين، فبعد أن كانت قراءة الصحف ومتابعة وسائل الإعلام أداة للتثقيف والتسلية باتت فيلم رعب وعرضا مستمرا لأحداث دموية يشهدها ويعانى منها الشارع المصرى كل يوم. ما سبق دفعنا إلى التساؤل: ماذا حدث للشخصية المصرية؟ وكيف بات العنف سمة أساسية لسلوك بعضنا فى العمل والشارع والمدرسة والأسرة؟ الإجابة على لسان المتخصصين فى السطور التالية.

فى البداية يرى أحمد شافعى - 29 سنة- أن الضغوط والأعباء النفسية الناتجة عن الفقر إلى جانب عجز الدولة عن تلبية حاجات المواطنين الضرورية وغياب التنشئة الأسرية السليمة أثرت على بنية الأطفال والشباب ما انعكس على المجتمع.

بينما ترى أسماء حمدى - 30 سنة- أن القصور التشريعى فى سن قوانين تجرم

العنف وراء تدنى المستوى الأخلاقى للعديد من أفراد المجتمع، إلى جانب البعد عن الدين وانتشار مظاهر البلطجة التى أصبحت وسيلة الكثير من المواطنين لحل المشكلات، محملة السينما والدراما جزءا من المسئولية لجعلهما من البلطجى بطلا فى العديد من الأعمال ما يرسخ لدى الأجيال الجديدة أن التحايل على القانون وأخذ الحق بالذراع هو السبيل لحل المشكلات.

المؤسسات الاجتماعية

أما وليد أبو المعارف - 28 سنة- فيقول: «هناك عوامل اقتصادية واجتماعية وأخرى دينية تسببت فى غياب الأخلاق فى المجتمع مثل الضغوط المادية وتزايد البطالة، وغياب دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية بداية من الأسرة ووصولا إلى المدرسة والجامعة، وتأثر الكثيرون بالمادة الإعلامية التى تبث عبر الشاشة، فالشخص الذى يبدو عليه سلوك عنيف نجده ربما تأثر بالأعمال الدرامية التى تحوى مشاهد عنف لا تتواءم مع مجتمعاتنا العربية، أما العوامل الدينية فتتمثل فى غياب الوازع الدينى وبعد الشخص عن تعاليم دينه التى تبغض العنف ولا تعترف به.

غياب الأسرة

وحملت سهيلة إسماعيل - 22 سنة- الأسرة مسئولية تدنى مستوى أخلاقيات المجتمع قائلة: «نقرأ ونتابع بشكل مستمر إحصائيات عن ارتفاع نسب الطلاق ومعظمها بسبب العنف الأسري، للأسف أصبح العنف عنوانا لدى معظم الأشخاص نتيجة غياب التراحم بين أفراد الأسرة الواحدة، وكذا الضغوط المادية، وربما سبب آخر يتمثل فى وسائل التواصل الاجتماعى التى تعد سببا كبيرا فى التفكك الأسرى الذى يعد أحد العوامل المتسببة فى العنف.

الوعى التربوى

ويقول أحمد الباز، الباحث بمركز أبوظبى للأبحاث: بعد ثورة يناير برزت

أكثر من نقطة تتعلق بالبنية الاجتماعية والسلوكية منها وجود ما يمكن تسميته باللاحركات الاجتماعية التى تقدم خدمات غير مشروعة سواء لمؤسسات الدولة أو مؤسسات غير شرعية، وتقع هذه الخدمات تحت تصنيف البلطجة حيث يصبح البلطجى مطلوبا فعليا داخل المجتمع، وتتم شرعنة هذه الجماعات بموجب قرارات غير رسمية لتصبح بديلة عن المؤسسات الشرعية ما يجعل من العنف نموذجا مطلوبا وفعالا فى المجتمع.

ويضيف: ساهم غياب الوعى التربوى فى العملية التعليمية التى فقدت كثيرا من مرتكزاتها فى انتشار ظواهر العنف والبلطجة ومنها العلاقة الأبوية التى كانت بين الطالب والمعلم، وإذا كان هناك فى الماضى قصور فى المناهج والتعليم لكن لم يكن هناك خلل فى السلوك التربوي، وهو ما يمثل أرضا خصبة للعنف وعدم الاحترام، كما ساهم التهجير الحتمى من الريف إلى المدينة فى تغير طباع السلوك الريفى لسلوك أكثر حدة.

أما د. هالة منصور، أستاذة علم الاجتماع بجامعة بنها فترى أن حالة التوتر والحروب والصراعات المحتدمة على مرأى ومسمع من أفراد المجتمع أحدثت ضغطا عصبيا ولد موجات من الغضب والعنف، مضيفة: مشاهد الدم فى المعارك اليومية أو فى الأفلام أصبحت مألوفة ولم تعد تؤثر فى الفرد العادي، ولا ننسى ضعف القانون وصعوبة تطبيقه ما جعل الكلمة العليا لقانون الغابة.

التلوث

من جهته أرجع د. أحمد عبد الله مدرس الطب النفسى بكلية الطب جامعة الزقازيق تفشى مظاهر العنف والبلطجة بين أفراد المجتمع إلى عدة عوامل منها تلوث الماء والهواء وزيادة نسبة الرصاص الذى يترسب فى المخ والذى يجعل الإنسان يميل أكثر إلى العدوانية، والتفكك الأسرى والزحام نظرا للزيادة السكانية العالية وغياب

ثقافة التفاوض فى الشارع والحلول الودية وتغليب العنف ومنطق القوة. ويتحفظ د. أحمد على كلمة عنف الشخصية المصرية قائلا: من الصعب أن نصبغ شعبا كاملا بصفة واحدة، لكن هناك عوامل عدة تعود لعقود مضت وتحديدا فترة السبعينيات التى تزايدت فيها فكرة السفر والغربة بكل ما فيها من ضغوط أفقدت الأسرة استقرارها وهدوءها، كما لا يمكن إغفال العامل الاقتصادى نتيجة ضعف قدرات الدولة فى تلبية احتياجات الشعب الأساسية مثل الانتماء وتأخر الزواج وحاجة الإنسان للعاطفة، كذلك لم يلب القانون حاجة المواطن للأمان، فغياب هذه الأمور يجعل الإنسان أكثر ميولا للعدوانية.

الإعلام

وترى د. سميحة نصر، أستاذة علم النفس الجنائى بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية أن العنف تزايد بعد ثورة يناير خاصة فى ظل غياب التواجد الشرطى فى الشارع ما تسبب فى فراغ أمنى ترتبت عليه فوضى ومشاهد عنف وسط سيادة قانون الغابة، لافتة إلى أن القيم المادية أصبحت لها الكلمة العليا على القيم الأخلاقية والمعنوية، كذلك غلبة النزعة الفردية على روح الجماعة لتسود فكرة «أنا ومن بعدى الطوفان .» وتضيف: تسببت قطيعة الرحم رغم انتشار الهواتف الذكية ومواقع التواصل التى تسهل صلة الأرحام فى غياب الود والرحمة من مجتمعنا فكان العنف والبلطجة رد فعل طبيعى لما يشهده المجتمع من ضغوط اقتصادية وسياسية واجتماعية وصلت إلى حد الانفجار.

ودعت د. سميحة نصر وسائل الإعلام إلى تحرى الدقة والمصداقية فى نقل الأخبار وتجنب التضخيم والمبالغة فى الأمور وتحويل قضية بسيطة إلى ظاهرة، كما دعت المسئولين إلى دراسة المشكلات التى يعانى منها المجتمع دراسة متأنية والبحث فى أسبابها تربويا واجتماعيا وأمنيا واقتصاديا حتى يتمكنوا من طرح حلول لها.