الخميس 23 مايو 2024

في ذكرى ميلادها.. كاتب انجليزي يشيد ببراعة بهيجة حافظ

4-8-2020 | 17:12

لا يعد الكم معيارا للنجاح أو الشهرة في حياة نجوم الفن، فهناك العديد من الممثلين قاموا ببطولة مئات الأفلام وبرغم شهرتم إلا أن أعمالهم وطريقة آدائهم لم تترك أثرا في نفوس الجماهير ولم لن يذكرهم التاريخ الفني، وذكراهم تتلاشى بين الأجيال، وما نلمسه الآن عبر الأجيال الحالية وهو الحنين إلى الماضي، والإشادة بنجوم الزمن الجميل، والدليل على ذلك احتفاء شركة جوجل اليوم بذكرى ميلاد الفنانة الرائدة بهيجة حافظ، الـ 112 ، فرغم مسيرتها الفنية القصيرة والتي تمثلت في ثمانية أفلام قامت ببطولة ستة منها ووضعت الموسيقى التصويرية لفيلمين، ورغم ذلك الكم الضئيل من لأفلام إلا أنها مازالت حاضرة حتى اليوم، مع أن معظم أفلامها ليست متاحة ولم يرها الكثير من الجمهور، إذن فما سر خلودها ؟

 

يكمن سر خلود بهيجة حافظ أنها من الرعيل الأول أو رواد السينما المصرية، وهي لم تكن فقط مجرد ممثلة ساعدت في ميلاد ونشأة السينما، بل كانت أيضا مؤلفة للموسيقى وكاتبة سيناريو ومخرجة، وإن كانت بهيجة قد تشجعت وخاضت المجال السينمائي بداية من عام 1930 فقد كانت قدوتها هي السيدة عزيزة أمير التي أخرجت للسينما هي واستيفان روستي أو فيلم روائي في مصر عام 1927، وتعود قدرات بهيجة الفنية إلى نشأتها، حيث ولد في أسرة تهوى جميعها الفن والطرب، ووالدها اقتنى كل الآلات الموسيقية وكان بارعا في العزف عليها.

 

لم تحقق بهيجة الشهرة داخل مصر فقط بل ألفت وعزفت مقطوعات موسيقية أثناء دراستها في فرنسا وأذيعت تلك المقطوعات في الراديو الفرنسي ولاقت استحسانا هناك، وما لبث أن دبت الخلافات بينها وبين زوجها التي أجبرتها العائلة على الإقتران به، فتم الانفصال وتركت مكان مولدها في الأسكندرية لتستقر في القاهرة وحيدة، ونظرا لقدراتها في التأليف والتدوين الموسيقى فقد عرضت على شركات الأسطوانات في مصر أن تضع لهم الألحان والموسيقى، غير أنها لم تخجل من أن تذهب إلى بيوت الأثرياء لتعلم أولادهم الموسيقى والعزف على الآلات، وذاع صيتها لتضع مجلة المستقبل صورتها على الغلاف ليراها المخرج محمد كريم ويرشحها لبطولة فيلم "زينب" وكان على بهيجة أن تخطر عائلتها بالعمل الجديد، ولكنهم رفضوا عملها بالسينما وتبرأوا منها.

 

برعت بهيجة حافظ في تمثيلها، وكانت حتى عام 1943 قد مثلت فقط ثلاثة أفلام هي "زينب" عام 1930 وبعد عامين قامت ببطولة فيلم "الضحايا" ثم فيلم "الإتهام" عام 1943، وهو العام الذي كتب فيه الناقد الإنجليزي أنطوني هاريسون مقالا لمجلة الإثنين والدنيا بعنوان "كواكب مصر" في عدد 24 مايو 1943 وأشاد فيه بفن بهيجة حافظ قائلا: لم تتح لي الفرصة بعد لأتقن اللغة العربية، وكان اعتمادي على تقييم الممثلين هو مراقبة أمكانياتهم التمثيلية وقدرتهم على التعبير، ورأيت أفلامه مصرية كثيرة، وعلى الأساس السابق أرى أن أبرز نجمين هما يوسف وهبي وبهيجة حافظ.

 

وأكد هاريسون في مقاله أن بهيجة حافظ ممثلة بارعة، وغير أنها جميلة وجذابة تملك روح مصرية خفيفة، وهي تتشابه مع أرقى سيدة في المجتمع الأوربي، وقد سمعت صوتها فإذا هي مغنية ممتازة وعازفة بارعة، غير أنها تؤلف الأغاني، وقد ألفت أخيرا أغاني انجليزية خفيفة أرجو أن تتاح للقوات الإنجليزية فرصة سماعها في الراديو، وأسلوبها في التمثيل يشبه أسلوب كاي فرانسيس، بينما تشبه في طريقة غنائها مارلين ديتريش، وأعتقد أن هذه المواهب لو أحسن استخراجها في أفلام جديدة لأستحقت بهيجة معشوقة الجماهير .

 

ورغم أن بهيجة حافظ كانت تملك كل تلك الإمكانيات والتي أشاد بها كاتب انجليزي، فقد كانت أقل الرواد حظا رغم أنها قامت بتأسيس شركة للإنتاج السينمائي وضعت فيها كل مدخراتها لتنتج أفلاما تكافح آفات المجتمع منها فيلم "الضحايا" الذي يحذر من تعاطي المخدرات والاتجار بها، وقام الملك فاروق بوقف عرض فيلمها "ليلى بنت الصحراء" لأن الفيلم يتناول شخصية كسرى، ووجد فاروق أن الفيلم يسئ إلى إيران، ومن باب المجاملة أمر بوقف الفيلم لأن شاه إيران كان قد تزوج شقيقته الأميرة فوزية.

 

بقي أن نوضح أن بهيجة حافظ توطدت علاقتها بكبار الكتاب والموسيقيين والمفكرين والمثقفين، فبعد أن قررت الإبتعاد عن الفن بسبب النكبات المتكررة لها  أقامت في بيتها صالون ثقافي دائم تناقش فيه كل القضايا الثقافية والفنية، وذكرت الفنانة ماجدة في مذكراتها أن بهيجة حافظ قد تزوجت قريب لها وهو وكيل نيابة، وكانت ماجدة تمر بمشاكل كبيرة ورفض من عائلتها أن تعمل في السينما، فلاقت مساعدة كبيرة من بهيجة التي أخذتها معها إلى حفل دار الهلال الكبير الذي أقيم بمناسبة عودة مجلة الكواكب للصدور عام 1949، وكان أول حفل ضخم تحضره ماجدة في حياتها، حيث تعرفت على صاحبي دار الهلال إميل وشكري زيدان وفكري أباظة وصالح جودت وإحسان عبد القدوس الذي كان يشترك في تحرير بعض المجلات، والتقت ماجدة بمجموعة كبيرة من نجوم الفن في حفل دار الهلال الذي اصطحبتها فيه بهيجة حافظ.

 

رحلت بهيجة حافظ عن عمر يناهز 75 عاما عام 1983 وكانت الأحوال قد تبدلت، ورحل كل أصدقائها ومعارفها ورواد صالونها، ولم يكن يرعاها عند الكبر غير سيدة وحيدة تزورها مرتين في الأسبوع، حتى وافتها المنية وهي وحيدة في شقتها المتواضعة ولم يعرف أحد برحيلها إلا بعد يومين.