أطلق عليه موسيقار الأجيال في حوار له بمجلة "الكواكب" لقب "المطرب الباكي"، ووصفه البعض وكتبوا عنه "بائع الدموع".. وفي ذكرى ميلاده نكشف جوانب خفيّة في حياة الموسيقار فريد الأطرش، أثرت تلك الجوانب في موسيقاه وجعلت أدائه يفيض حزناً وأشجاناً.
قالها فريد الأطرش بنفسه: "نعم.. الغناء بكاء"، وكانت من ضمن كلماته المأثورة، ربما يصف بها حاله ومشوار حياته، فقد طبعت الأيام القاسية حياته بطابع الأسى والحزن؛ نظرًا لما لاقاه منذ وصوله إلى مصر مع أمه ووالدته، ومنذ طفولته بدأ الخوف يتملك من الأسرة الصغيرة التي لا تجد من يحنو عليها أو يرعاها، فقامت الأم بتسمية فريد في مرحلة الطفولة بـ"فريد كوسة" وأزالت من اسمه لقب الأطرش حتى لا يتعرف عليهم أحد ممن يطاردونهم، وكانت تلك أول غصة في قلب فريد وهو إضافة اسم كوسة بجانب اسمه وعدم مقدرته أن يفصح عن هويته أو أصوله، والعقبة الثانية التي زادته حزنًا هو عدم وجود أي دخل يقتاتون منه هو وأسرته، حتى تحملت أمه المسئولية وحدها، وتمكنت من شراء ماكينة للخياطة وبدأت في تصينع "الترابيع" وهي راباطات تضعها السيدات على رأسها في المنزل، وتحمل فريد جزء من المسئولية هو وأخته "أسمهان" في طفولته، فقد بدأ في القيام بالطرق على أبواب الشقق في العمارات المحيطة بهم ليعرض على السيدات تلك الترابيع لترويجها وينفقوا عليهم من ثمن تلك المنتجات، واستمرت الأيام القاسية حتى صباه.
بدأ فريد العمل في بداية شبابه في صالة ومسرح "بديعة مصابني"، وبدأت الحياة تحنو عليه مع بداية نجاحه، وسرعان ما بدأ العمل في السينما هو وأخته الموهوبة أسمهان، لكن عاد الحزن والخوف إلى قلبه وهو يتابع التصرفات المندفعة لأسمهان، فهي حبيبته وصديقته ورفيقة عمره، وبعد أن بدأت الفرحة تخبو في دارهم بعد نجاحهما في عالم الفن، شاء القدر أن ترحل أسمهان في حادث غامض وهي في ريعان الشباب، لتضفي الأيام بالسواد الأعظم على حياته، فقد رحلت شريكة الكفاح والحياة وتوأم روحه.
ويستكمل فريد رحلته الفنية ويغلب الحزن والدموع على معظم أغانيه وألحانه، حتى أصدقائه في الفن، منهم من هنأه على صموده ونجاحه ومنهم من طعن في صوته وألحانه وانساق كثير من النقاد، يروجون إشاعات منافسيه عنه وبدأوا يتوغلون في حياته الخاصة.. هذا غير الخصومات الفنية المفتعلة كل فترة من منافسيه من المغنيين.. حتى التكريم الذي حظى به فريد من قبل الدولة وهو أرفع أوسمة الفنون، لم يجد من يهنئه من زملائه أو أصدقائه أو النقاد إلا من يعدون على أصابع اليد.. لذا كانت تلك المحطات الممتدة طوال حياته كانت سبباً في أن تملأ صوته وألحانه بالدموع والأسى، حتى اختيار شريكة حياته، رغم قصص الحب التي مر بها، فقد كان يتمنى أن يعثر على فتاة تشبه جمال ورقة أسمهان ، فهي الحب الأخوي المنزه عن الشهوات وهي حب العمر كله، فقد كان يأمل أن يقضي حياته مع شريكة تشبه أسمهان، التي ظلت عالقة في وجدانه وأعماله طوال حياته.