الثلاثاء 21 مايو 2024

وبدأ أسبوع الآلام.. بالآلام

22-4-2017 | 10:00

بقلم : فاطمة ناعوت

أصدقاؤنا المسيحيون صائمون منذ خمسة وخمسين يوما، يرفعون أياديهم إلى السماء ضارعين بالدعاء لكى يحمى الله مصر ونيل مصر وشعب مصر من كل شر، كما ندعو لها فى صلواتنا وصيامنا وتهجدنا.

كنت أرتّب عيدان السعف التى جلبتُها بالأمس، حتى أذهب صباح اليوم الأحد إلى إخوتى وأخواتى المسيحيين لأجدلها معهم، تيجانا وخواتم وزهرات لوتس وأساور وحملانا، وأهنئهم كعادتى كل عام، حتى بدأت الأخبار تتوالى عن تفجيرات فى كنائس بطنطا والإسكندرية وأسوان، وبدأ عدّادُ الشهداء يتزايد مع دوران عقارب الساعة حول محورها، تركتُ عيدان السعف على الطاولة، حزينة غير مضفورة، ونهضت أفتح خزانة ملابسى لأنتقى فستانا أسود للذهاب إلى أصدقائي، لا للتهنئة بعيدهم، أحد السعف، وبداية أسبوع الآلام الذى يسبق عيد القيامة بأسبوع، بل لتقديم واجب العزاء والغرق فى محنة إيجاد كلمات مواساة، غالبا ما تغيب عن ذهنى فى لحظات العزاء، فأستبدل بها ما تعلمته منهم أن أقول: «مبروك عليكم السما .»

وأنا طفلة، فى مثل هذه الأيام الربيعية، كنا نجمع عيدان السَّعف ونتبارى فى جدلها لنصنع أشكالا جميلة نعلقها فى غرفنا أو ندسّها تحت «بلورة » مكاتبنا حتى تجفَّ مع الفراشات الملونة التى نصطادها من حديقة المدرسة، ونُصبّرها، كم كنا قساة فى أمر الفراشات هذا! وحن كبرتُ بات الحصول على السَّعف صعبا، فقد برحتُ مدرستى الرائعة التى يقف عند بابها باعة السعف، وأصبح عليّ اللجوء إلى أصدقائى المسيحيين لكى يهدونى شيئا منه، هذا العام قررتُ ألا أعتمد على أحد، فخرجت بالأمس وذهبت إلى كاتدرائية الأنبا أنطونيوس، وهى الكنيسة المصرية بمدينة أبو ظبي، حيث أتواجد هذه الأيام ولمدة أسبوع، فالتقيتُ بمصرين رائعن أمطرونى بحزم وباقات من عيدان السعف الخضراء اليانعة، ادّخرتها حتى صباح اليوم، الذى استقبلنا بالفواجع إثر الفواجع، حسبنا الله.

ونحن صغار، أيام الزمن الجميل، لم يكن يعنينا إن كان هذا عيدى أم عيدك! لم تدخل معاجمنا كلماتُ الفُرقة: مسلم – مسيحي، كنّا نفرح معا ونلعب معا ونحتفل بأعيادنا معا؛ لأن مصر الطيبة تجمعنا معا، وقبل هذا تجمعنا الإنسانية الواسعة، العقائدُ شأنُ الله، وكنّا نتأدبُ مع الله ولا نأخذ مكانه فا نُدين لكيا ندان، وكنّا ندرك أننا جميعا نعبد إلها واحدا، لأن لهذا الكون ربا واحدا، كلٌّ يراه عبر منظوره، ففيمَ الخاف؟! أكتبُ إليكم يوم «أحد السعف » حيث تمتلئ شوارع مصر بسنابل القمح وجريد النخيل، لكنها تمتلئ هذا العام أيضا بالحزن والدموع فى كل بيت مسلم وكل بيت مسيحي، ندعو الله أن نصطف جميعا، نحن المصرين، قلبا واحدا وحُلما واحدا ويدا واحدة تحمل أكاليل السَّعف لنستقبل بها مصر الحرة الكريمة حن تنبعث وتنهضُ من سقطتها، كما اصطفّ أهالى القدس الشريف، حاملن أغصان الزيتون والسعف لاستقبال السيد المسيح، رسول السام والمحبة، عليه السام، حن دخل أورشليم القديمة منتصرا مكلا بأوراق الغار.

أصدقاؤنا المسيحيون صائمون منذ خمسة وخمسن يوما، يرفعون أياديهم إلى السماء ضارعن بالدعاء لكى يحمى الله مصر ونيل مصر وشعب مصر من كل شر، كما ندعو لها فى صلواتنا وصيامنا وتهجدنا. يدعون لنا بالبركة والرغد، ويدعون بالخير والغفران حتى لمن يكرههم ويفجر كنائسهم ويثكل أمهاتهم ويقتل أطفالهم وييتم أولادهم، سيظل يجمعنا حب مصر، وتجمعنا طريق الآلام القاسية التى تمشى عليها مصر الآن فى وهن ووجع ومرارة، تماما كما سار السيد المسيح عليه السام، تلك الطريق الوعرة رافع الرأس عزيز النفس بريئا من الآثام، من باب الأسباط حتى كنيسة القيامة، فى مثل هذا الأسبوع من ألفى عام، حاماً صليبَه الخشبى الهائل، وحاما آلامه وجراحه ودماءه الطاهرة ورجاءه فى خاص البشر من شرور العالم، واضعا إكليل الشوك على جبينه الوضيء النقيّ من الدنس، يقطر منه الدم المقدس الطاهر، وحن ظمأ، قدّم له جندُ اليهود والرومان كأس الخل كى تخفَّ آلامه قليا، لكنه رفض أن يحتسيه كى يتجرّع الألم إلى منتهاه، لقاء قوله الحق فى وجه سلطان جائر، ثم قام بتعزية المريمات وصبايا أورشليم المنتحبات عليه، طالبا إليهن أن يبكن على أنفسهن لا عليه، مثلما أكاد أسمع مصر فى طريق آلامها تقول لبناتها: «يا بنات طيبة، لا تبكن عليّ، بل ابكن على أنفسكن وأولادكن .» بدأ أسبوع الآلام هذا العام بالآلام والدموع والدماء وأشاء الشهداء من المسيحيين الصائمن العزل، ومن ضباط شرطة مسلمين جسورين احتضنوا بصدورهم النبيلة صدور الإرهابين الحقراء، علهم يمنعوهم قبل أن تنفجر بهم قنابلهم وبالجميع، وتخلف من وراءها أشاء ودماء ودموعا لا تجف، بعد أسبوع سوف يحتفل إخوتى مسيحيو مصر بعيد القيامة، وسوف ندعو الله معهم أن يحتفل المصريون والعالم أجمع بقيامة مصر العظيمة الخالدة من مواتها الراهن، كل سنة وأقباط مصر مسلمين ومسيحيين بخير وفرح وأمان ومحبة، ومصر فى حرية وتحضر. كل سنة ونحن أطيب مما نحن عليه فعا، أكثر طيبة مما نحن عليه الآن، كل سنة واحنا طيبن، يعنى مش أشرار، الله يسامح صناع الحزن فى كل مكان، سامحونى فأنا لا أدعو على أحد بل أدعو للجميع، وأعلن أننى تعلمت هذا من المعلمن المسيحيين الشرفاء الذين تتلمذتُ على أياديهم فى مدرستى الابتدائية، سامحونا.