الأربعاء 11 سبتمبر 2024

متى نتخلص من عقدة مهرجان كان؟

22-4-2017 | 10:20

صفاء الليثي - مونيرة وناقدة سينمائية مصرية

تقام فى منتصف الشهر القادم (مايو 2017) الدورة السبعون لمهرجان كان السينمائي الذى مثل نموذجا يتم تقليده واتخاذه الشكل الوحيد لأي مهرجان فى بلدنا: السجادة الحمراء، والنجوم والتغطية الإعلامية الضخمة، برنامج أفلام روائية طويلة ثم تدخل معها الأفلام التسجيلية، وأكثر من مسابقة وأكثر من لجنة تحكيم في مسابقات موازية كثيرة يسمح بها مهرجان كان وهو سوق سينمائي عريض لأفضل ما ينتج على مستوى العالم، ويحضره الموزعون والمنتجون أصحاب وكالات الإعلان، ومندوبو النجوم، ويضم أيضا سوقا للفيلم القصير ونصف شهر المخرجين، وعروضا للصحافة وأخرى لصناع الفيلم من مختلف المهن، وأركانا لعرض وتوزيع منتجات الدول.

    كل ذلك تحقق على مدى سنوات طوال في بلدة صغيرة أصبحت قبلة العالم في الربيع. ولكن ما لنا نحن في مصر وهذا النموذج؟ هل لدينا سوق للفيلم فى مهرجاني القاهرة أو الإسكندرية، الأكبر والأقدم حتى نقلد مهرجان كان بكل تفاصيله؟ والمدهش أننا لم نكتف بهما، بل يتكرر النموذج فى مهرجانات الأقصر وأسوان وشرم الشيخ، يبقى فقط مهرجان الإسماعيلية للفيلم التسجيلي والقصير النموذج الأقرب لما نحتاجه بدرجة ما، حيث يتم مراعاة أن تتضمن قائمة المشاركين مزيجا من صناع الفيلم التسجيلي ومن دارسي معاهد السينما مع النقاد والصحفيين المعروف عنهم متابعتهم لهذا النوع السينمائي، كما يكون هناك اهتمام بالندوات التي تقام مع صناع الأفلام عقب العروض وترجمتها ليتم التواصل بين الحضور.

    وهناك تقليد راسخ بوجود ندوة عامة يخصص لها نصف يوم كامل تجهز أوراقها قبل انعقاد المهرجان فتكون أقرب إلى ندوة علمية وليس مجرد مكلمة لا طائل من ورائها. وإذا أضفنا إقامة ورشة لصناعة فيلم قصير كما حدث في عدد من السنوات يكون المهرجان قد حقق هدفه القادر على تحقيقه بالتفاعل بين صناع السينما من القدامى أصحاب الخبرة وبين شباب السينمائيين المحتاجين إلى تطوير خبرتهم عبر الورش المتخصصة.

    نحتاج مؤتمرا سينمائيا يجتمع فيه صناع السينما، يتناقشون ويتحاورون فى قضاياهم الفنية والإنتاجية، نحتاج ورش عمل متعددة فى كل فروع السينما صناعة ونقدا، ورش عمل ودورات تدريبية موسعة لمواطني أسوان والأقصر وبورسعيد وطنطا والبحيرة، نحتاج برنامجا يجذب الراغبين فى احتراف فنون الصورة ديجتال وسينما ليتعلموا بدلا من جهودهم الذاتية التي ينتج عنها أعمال شديدة التواضع ومن الصعب أن تحتسب فيلما أو تدريبا مصورا. نحتاج حلقات بحث تنظم على غرار مؤتمرات ناجحة للآداب أقيمت على مدى سنوات وما زالت تقام للرواية والشعر. كتب الناقد أمير العمري مستهجنا أن يقام مهرجان بمدينة ليس بها سكان – كما قال – يقصد مدينة شرم الشيخ، فهل يحضر سكان الأقصر والإسماعيلية وأسوان المهرجانات التي تقام بها؟ هل استطاع حين تولى المسؤولية أن يجذب أهل الإسماعيلية ليحضروا عروض مهرجانها؟ ليست عروض شرم وحدها التي تخلو من الجماهير بل كل مهرجاناتنا لا يحضرها إلا الضيوف المدعوون، بل إن البعض منهم لا يحضر بحجة أو بأخرى، منها الادعاء بأنهم شاهدوا الأفلام من قبل. أو عدم ترجمتها إلى العربية كسبب يخجل الكثيرون من ذكره رغم جديته ومشروعيته أيضا.

    إن صيغة المهرجان بالطريقة التي تكررت في عمومها لا تصلح مع جمهور لا يقبل إلا على الفيلم التجاري الناطق بلغته أو التجاري المترجم إلى لغته. بالإضافة إلى تحولات حدثت في الشخصية المصرية فرقتنا وجعلتنا شيعا ثقافية حتى بين الطائفة الواحدة. مجتمع سينما "زاوية" ـ في وسط القاهرة والتي تخصصت في عرض الأفلام المستقلة والتجريبية ـ له مريدوه، مجتمع "الجيزويت" له مريدون آخرون، كل مركز ثقافي له رواده ومتابعوه. وكل مهرجان له قائمة تكاد تكون ثابتة بضيوفه والمشاركين المدعوين من صناع الأفلام أو من الصحفيين. يحاول مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية في دورته السادسة (16 ـ 22 مارس 2017) أن يجذب شباب الأقصر عبر ورش لتعليم السينما، ولكن القاعات تبقى خالية ولا يتم التواصل مع قصر الثقافة لجلب رواده. والبديل أن يتم دعوة دارسي السينما من المعهد العالي للسينما التابع لأكاديمية الفنون، وأن تتعاون نقابة المهن السينمائية لتنظيم ما يشبه الرحلة العلمية للمشاهدة والبحث.

    مشكلتنا أننا في مصر نعمل دون تنسيق بين جهات مفترض أن لها مصلحة واحدة في رفع وعي الجماهير وتهيئتهم لتلقي أفلام مختلفة، ورفع درجة كفاءة وخبرة صناع الفيلم بإقامة ندوات يتم فيها العصف الذهني الذي يؤجج المشاعر ويدفع إلى حلول إنتاجية وأفكار فنية مبتكرة. كل نشاط ثقافي له عدة أغراض ثقافية وعلمية وسياحية أيضا، والحركة بركة كما يقول أهلنا الطيبون، ولو كان مهرجان شرم الشيخ أقيم فقط لغرض تنشيط السياحة لقلنا أي سياح هؤلاء القادمين فى رحلة مكثفة سيكون لديهم الوقت لمتابعة عروضه؟ ومع ذلك نجح جمال زايدة في التعاون مع البعض ممن قدم دعما للمهرجان الوليد بشرم الشيخ الذى آمل أن يتحول إلى مؤتمر علمي موسع لصناع السينما ودارسيها والمتابعين لها. فالسينما لا تقل عن الطب أو الهندسة، وقد آن الأوان كي ندرك أن صيغة السجادة الحمراء بنجومها وفساتين النجمات ليست الشكل المناسب لبلد به فن متعثر، بعد أن كان يحقق الدخل القومي الثاني بعد القطن.