الأربعاء 15 مايو 2024

أمين عام "المجتمعات المسلمة": أزمة كورونا مثلت نقطة تحول غير مسبوقة في تاريخ مؤسسات التعليم

أخبار13-9-2020 | 15:01

أكد الدكتور محمد البشاري، نائب رئيس رابطة الجامعات الإسلامية الأمين العام للمجلس العالمي للمجتمعات المسلمة أن أزمة كورونا مثَّلت نقطة تحول جديدة وغير مسبوقة في تاريخ مؤسسات التعليم في العالم للتعاطي مع هذه الأزمة؛ حيث اضطرت مؤسسات التعليم في العالم إلى اللجوء للتعليم عن بُعد خلال فترة الإغلاق؛ التي فرضتها الحكومات للحفاظ على حياة الجماهير.


وقال البشاري - في كلمته بالمؤتمر الدولي الافتراضي "دور الجامعات في خدمة المجتمع وترسيخ القيم" اليوم الأحد - إن أزمة كورونا خلقت واقعا جديدا سيدفع القائمين على التعليم إلى إعادة النظر في منظومة التعليم العالي من حيث فلسفته وأهدافه ونظمه ومناهجه ووسائله وأنشطته وحاجة العالم من التعليم العالي في ظل عجز مراكز البحوث والجامعات عن وجود علاج للفيروس حتى هذه اللحظة، والتعليم الإسلامي العالي جزء لا يتجزأ من هذا الواقع، وسيخضع للتغييرات التي ستطال نظم التعليم في العالم.


وأضاف أن تنظيم هذا المؤتمر الدولي يأتي في إطار رسالة رابطة الجامعات الإسلامية في تطوير عقل الطالب المسلم وتحصينه من الأفكار الدخيلة، حيث يضعنا هذا المؤتمر على "ماهية الخطأ في التفكير" التي يجب أن تتجنبها برامج جامعاتنا العربية والإسلامية حتى لا تتحول إلى ثكنات حزبية تجيش أبنائنا في ميليشيات الدم والإرهاب ضد مصالح الدولة الوطنية.


وأوضح أنه لم يعد خطر التطرف الفكري والمؤدي إلى الإرهاب مقتصراً على دولة أو منطقة بعينها، وإنما بات ظاهرة عالمية، إذ أن التنظيمات المتطرفة والجهادية العابرة للحدود لا تستثني في عملياتها الإرهابية بلداً أو منطقة؛ ولا شك في أن التعقيد والتشابك الذي تتسم به ظاهرة التطرف والإرهاب قد انعكس بشكل أو بآخر على طبيعة الاستراتيجيات التي تتبناها الدول لمواجهتها، مشيرا إلى أنه لما كانت وما زالت بعض الجامعات العربية والإسلامية تعتمد على مناهج صنعتها ظروف ما بعد الاستقلال وتشكيل الدول المعاصرة، فجاءت مؤصلة في بعضها لثقافة العنف والاحتراب و الحرب.


وتابع "أن الأصل الأصيل هو مبدأ السلم والصلح، وهو أساس العلاقات الدولية في ديننا الإسلامي وأن الانخراط في صناعة السلام الدولي أصبح إحدى الكليات الإسلامية للدولة الحديثة خاصة بعدما أنشأ المجتمع الدولي منظمة الأمم المتحدة من أجل التعاون لتحقيق الأمن والسلم الدوليين".


وأشار إلى أن العالم اليوم أصبح داراً واحدة هي (دار التعارف) وأن تأثيثها بمفردات السلم والتسامح من مسؤولية الجامعات؛ لتخريج سواعد الخير والمحبة وتخليصها من ظلاميات أطروحات الجماعات المتطرفة التي تعمل جاهدة للقضاء على مقومات الشخصية الوطنية من حب الأوطان والولاء له و بناء مدنية قوية ترقي بأبنائها إلى سلم التأهيل لتحمل رسالة الاستخلاف الرباني الداعية إلى التلاحم و التكافل الإنساني.


وأضاف أن مؤسسات التعليم العالي تأتي في مرتبة متقدمة ضمن الاستراتيجية الشاملة لمواجهة التطرف والإرهاب، ليس فقط لأنها تقوم بدور رئيسي في تحصين الطلاب منذ الصغر ضد الفكر المتطرف، وإنما أيضاً لأنها تتعاون مع باقي مؤسسات المجتمع الأخرى، الأسرة والإعلام والمجتمع المدني والقطاع الخاص، في مواجهة التطرف والإرهاب، ويؤصل لثقافة السلم من خلال منظومة القيم وبالشكل الذي يعزز من الجهود الحكومية في هذا الشأن.


ودعا البشاري إلى وضع استراتيجية عامة لمكافحة ظاهرة التطرف والإرهاب بإشراك جميع مؤسسات المجتمع، بداية من الأسرة ومروراً بمؤسسات التعليم والإعلام ومنظمات المجتمع المدني، ونهاية بالقطاع الخاص، في تنفيذ هذه الاستراتيجية، وهذا ما يمكن أن يطلق عليه المسؤولية الاجتماعية والأخلاقية التي تعني تكامل جهود هذه المؤسسات مع جهود الدولة في مواجهة ظاهرة التطرف والإرهاب.


وأكد أهمية اعتبار المسؤولية الاجتماعية والأخلاقية مدخلاً رئيسياً في مواجهة التطرف والإرهاب و مفهوماً شاملاً له أبعاد تنموية ومجتمعية وأمنية وسياسية وأخلاقية وقانونية وخيرية، وذلك لأن انتشار المسؤولية الاجتماعية والأخلاقية في أي مجتمع هو دليل على امتلاكه القدرة على التنمية والتطور ومواجهة التحديات المختلفة وخاصة في مواجهة التطرف والإرهاب، ويجسد في الوقت ذاته تماسك هذا المجتمع، لأن تعاون جميع الأطراف المعنية (الأسرة – المدرسة – منظمات المجتمع المدني – الإعلام) في تنفيذ الاستراتيجية العامة للدولة في مواجهة التطرف والإرهاب، إنما يسهم في ترسيخ أمنها الوطني الشامل.


ولفت إلى ضرورة تطوير منظومة القيم في التعليم، كالتسامح والتعايش والوسطية وقبول الآخر، في مراحلها المختلفة قد يشكل جدار صد قوي في مواجهة هذا الفكر المتطرف، وبضرورة الاستمرار والتحديث المستمرين للخطط والبرامج والحملات التوعوية في الجامعات؛ لتوعية الطلاب والطالبات من خطر الغلو والتطرف والإرهاب، ومخاطبتهم بلغة عصرهم، وتنبيههم إلى خطر التشدد والغلو.


وقال إن هناك ضرورة لإطلاق مبادرات من أجل السلم والتسامح لمواجهة التطرف الفكري والانحراف الأخلاقي، والتركيز على بناء الشخصية الوطنية، وغرس القيم الإيجابية القائمة على مبادئ التسامح والاعتدال والانفتاح والتعايش بما يكفل التحصين الفكري للأجيال ضد أي تهديد أو خطر من قوى التطرف والظلام، وأن يكون ذلك باعتماد منظومة القيم الكونية السليمة في المناهج والمقررات الدراسية وتنظيم المخيمات الطلابية، وهي منظومة القيم التي من شأنها التصدي لثقافة الكراهية وما يتبعها من تطرف فكري وغلو وتشدد.


وشدد على ضرورة الاهتمام بالأستاذ المدرس ومصاحبته من خلال دورات مستمرة بمواصفات قياسية عالمية الأداء، والاستناد إلى مناهج علمية حديثة ومطورة تهدف إلى تمكين الأستاذ المدرس لإنجاح مهمته التعليمية والتربوية حتى يكسب للطلبة شخصية أصيلة قيادية واثقة وشغوفة بالمعرفة، ومبدعة ومتعاونة ومفكرة ومتمكنة من التكنولوجيا، ومحصنة من الأفكار المغلوطة والمنحرفة، عصية على كل اختراق فكري أو اختطاف ديني، وفعالة ضمن إطار مجتمع المعرفة بأبعادها المختلفة.


ودعا إلى صياغة خطاب ديني تعليمي تربوي يهدف إلى بناء الشخصية المتكاملة عند الطلبة، ويعزز قيم المواطنة والولاء، وذلك من خلال التوعية الفكرية بالمحاضرات الدينية والندوات التوعوية والملتقيات الثقافية التي تبني الطالب فكرياً، وتحصنه من مفاهيم التطرف والعنف.


وقال إن أمام جامعتنا العربية والإسلامية مسؤولية حضارية في مواجهة تحديات المنظومات القيمية الدخيلة على ثقافتنا الإسلامية الأصيلة، ولا يتثنا لها ذلك إلا من خلال العمل المؤسساتي المشترك في إطار رؤية تشاركية قوامها التفكير السوي المقاصدي والاستفادة من التجارب الناجحة، حتى تحرر جامعتنا من تآمر المعتدين على ثوابتنا الدينية والتاريخية ونصنع قيادات واعدة كلها أمل في مستقبلها وثقة في أنظمها الحاكمة.


وأوضح أن لرابطة الجامعات الإسلامية دورا محوريا في بناء استراتيجية شاملة لمواجهة التطرف والإرهاب، تساعد فيه ما تقوم به مؤسسات التعليم مركزة على الجانب الوقائي من الفكر المتطرف من خلال توعية الطلاب بمخاطر هذا الفكر أو من خلال ترسيخ منظومة القيم الإيجابية والأخلاقية التي تحصنهم ضد أية أفكار متطرفة أو دخيلة على المجتمع.