بقلم: فاروق الفيشاوى
عشقت تراب مصر وتعلمت معنى الوطنية والانتماء من خلال نشأتى بحى شبرا الذى يجسد المعنى الحقيقى للشخصية المصرية ، هناك بشبرا ذكرياتى مع طفولتى وشبابى ، ذكريات محفورة بخاطرى وقلبى ، حيث ترعرعت فى جو ملتهب ومفعم بالحب مابين المصريين (مسلم ومسيحى) مشاعر أقل مايقال عنها مشاعر حقيقية ، لاتسأل ما عقيدتك أو ديانتك ،تربيت مابين أهلنا وأصدقائنا وجيراننا المسيحيين هم بالفعل أهلنا وأصدقاؤنا نشارك معا الأفراح والأحزان وكذلك الأعياد ،كونت صداقات عمرى من شبرا، لم يكن هناك مجال للخلافات والأحقاد والعنف والعنصرية ولكنى عشت وسط أجواء المحبة والتسامح والتكاتف والتآخى والتعايش، المسلم والقبطى أخوة بوحدة الدم والأرض والتاريخ، تتأصل فى نفوسهم نفس العقيدة وهى الإيمان بالله ونبذ الحروب فالإسلام دين السلام والمسيحية دين المحبة ولابد أن نعلم جيدا أن وحدتنا هى أصل عراقتنا والتاريخ شاهد على العصر، مصر هى أول من عرفت الوحدة الوطنية وكانت هى المسار والفلك الذى تبعته كافة الأمم،فجاءت الوحدة الوطنية مع بداية فتح مصر على يد الصحابى الجليل عمرو بن العاص لما كان يعانيه المصريون من اضطهاد للمسيحية والإسلام فى آن واحد ،جاء فتح مصر حاملا رسالة السلام والاسلام لشعب مصر آمنين على حرية اختيار عقيدتهم وقد شرفت مصر وشعبها بتلك الوصية النبوية الشريفة التى أوصى بها رسول الله وهو على فراش المرض حينما قال (أوصيكم بقبط مصر فإنهم أخوال وأصهار وهم أعوانكم على عدوكم وأعوانكم على دينكم» وهو أول دستور يحكم مصر منذ بداية الفتح الإسلامى وهو مارسخت معه حقوق الوطن والمواطنة والتى هى فريضة فى الإسلام وهى حماية المسيحية وقبط مصر،لم نكن نعلم معنى العداوة والكراهية التى أخذت تبثها الجماعات الإرهابية مع مرور الزمن وأصبحت تشكل خطراً جسيماً بل مرضاً لعيناً أصاب العالم أجمع ولم تفلت منه أى دولة مهما كانت قوية أم ضعيفة غنية أم فقيرة لم تفلت من الوقوع فى براثنه ومخالبه ولكن شجرة الإرهاب مهما طال بها العمر فلابد أن تقتلع من جذورها ومهما طال الليل فلابد للفجر أن ينجلى، الإرهاب ليس له وطن ولادين بل هم فئة مأجورة يتسترون تحت قناع الإسلام والإسلام منهم براء،قال الله تعالى فى كتابه العزيز(من قتل نفسا بغير نفس أوفساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعا) ويقول رسول الله (لزوال الدنيا جميعا أهون على الله تعالى من سفك دم بغير حق)، إن ما حدث من انفجارين استهدفا كنيستين فى مدينة طنطا والإسكندرية وسقوط عشرات الشهداء والمصابين تزامنا مع بدء احتفالات المسيحيين بأحد السعف مزق قلبى حزنا، بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى فإنها أفعال إجرامية لا يقرها دين من الأديان، فبأى دين وبأى عرف يعتدى على الأبرياء بطرق إجرامية اتسمت بالغدر والخسة والحقارة.
وكل أعمال العنف التى ترتكب باسم الإسلام تجر المسلمين إلى متاهة معتمة ومشاكل جمة ،ومن المستحيل أن يكون من يقومون بتفجير أنفسهم فى الكنائس هدفهم الأسمى هو إعلاء كلمة الله، لأن الله حكيم وحليم ورحيم بجميع خلقه وليس المسلمين فقط ،وكيف يجرأون على القول بأن المسيحيين كافرون ونحن لدينا صورة فى القرآن لمريم العذراء التى نجحت بمساعدة إلهية أن تصل بالسيد المسيح لأعلى الدرجات، والعقل البشرى يرفض انتماء هؤلاء القتلة للإسلام بل يؤكد أنهم ينتمون للتخلف والجهل والمرض العقلى، لايمكن أن يكون دين التسامح هو نفسه داعياً للإرهاب وأريد أن أسأل كل من يفكر فى تفجير نفسة من حرضك على هذا الفعل الشنيع؟! لماذا لم يسرق منك الجنة التى وعدك بها! ولكن فى نفس الوقت يأخذ على المسئولين مايحدث من تطورات فى المشهد الإرهابى المتكرر كل يوم مما يجعلنى أتساءل فى ذهول لماذا نترك الإرهاب يجول بيننا دون عقاب رادع؟ أين العدالة الناجزة والشفافية فى الأداء لابد على الدولة أن تحشد كافة إمكاناتها وقدراتها لاستكمال معركتها ضد الإرهاب الأسود ،على الدولة بكل مؤسساتها و أجهزتها التكاتف وإعلان الحرب ضد أعداء السلام ، إن الشعب المصرى يطالب بتوقيع عقوبة رادعة شافية للجروح الغائرة فى أنفسنا ومن الضرورى أن تحدث تغييرات جذرية فى القوانين والتشريعات التى تتسم بالعقم والبطء الشديد فى توقيع العقوبة، أيضا هناك سؤال محير لماذا لم يحدث تجديد فى الخطاب الدينى منذ توصيات الرئيس عبد الفتاح السيسى؟ من المعروف أن الشق الدينى عليه عامل وأثر كبير فى الأنفس لأن طبيعة شعبنا متدين بالفطرة وكلمة الله دائما شافية ولذلك لو أجدنا استخدام الخطاب كسلاح سنرد الكثيرين لحضن الدين السليم ونرسخ فى نفوس شبابنا مبادئ الإسلام الصحيح بعيدا عن التطرف الذى أصبح قنبلة موقوتة، وبالطبع أؤيد القرار الذى اتخذه الرئيس بشأن إعلان حالة الطوارئ لثلاثة أشهر لأنه قرار يعطى الجهات المعنية الصلاحيات الكاملة لمواجهة الإرهاب ومنع الجرائم قبل وقوعها كما يعطى جهات الأمن الفرصة للقضاء على ظاهرة البلطجة التى انتشرت فى البلاد وكنا نحتاج لهذا القرار منذ حادثة كنيسة البطرسية أيضا أرجو من المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب والتطرف الذى يتم تشكيله أن يضرب بيد من حديد وأن يضع أمامه قواعد صارمة ورادعة ويطالب العدالة فى مصر أن تكون ناجزة فى إعادة الحق لهؤلاء والقصاص من الإرهاب الذى يطيح بالشعب المصرى ،الشعب الذى اختلطت دماؤه معا مسلم ومسيحى أمام كنيسة مارمرقس بالإسكندرية .