السبت 18 مايو 2024

القصة القصيرة.. رؤية إيجابية لحياتنا يقدمها يوسف أحمد حامد

فن1-10-2020 | 06:35

حين يظهر صدر جديد في شارعنا سنشعر جميعا ًبالفرحة، سندعي أننا ساهمنا بشكل أو بآخر في هذا التكور المفاجئ، وأنه صدى لشقاوات الطفولة، حين تطاردها عيوننا سيشعر أبوها بفخر داخلي مجهول المصدر، ربما لأنه أنجب هذه التي تبهر العيون، حتى أخوها الذي ستبدو عليه ملامح الخجل، سيسعد بالصداقات التي تلاحقه، والشلل الأكبر التي تعرض عليه الانضمام لها

 

سندرك أنها بدأت تفكر بالرجال بشكل مختلف، وأن خيالات مخجلة بدأت تطاردها وأحلام مبهجة تحوم حولها، وسيحمل قلبها قدراً صغيرا ًمن الأسرار، سنلاحقها نحن الجالسون على المصاطب والمقهى، أو الواقفون على النواصي وأمام الدكاكين، قد نبدو بلهاء ونحن نحاول لفت نظرها، لكننا سنحاول أن نبدو جذابين ورومانسيين.

   

وقد يحاول بعضنا التقرب منها بحذر شديد يغلفه حسن النية، سنبرر ذلك بأشياء تقليدية مثل الجيرة أو الأخوة، سنتقبل ذلك منا، كأنه شىء عادي، لكن دواخلنا تضمر سوء الظن، وبخبث مختبئ سنتابع عينها، سنصدم حين نجدها لا تحفل بأفعالنا، لن نلاحظ تنهدات الولد النحيل ولا ارتباكه حين تمر بنا .

 

ستفاجئنا عائدة من المدرسة وخلفها بعض الفتيان، بعيدون قليلا، لكنهم حتماً يتبعونها، قد يأخذنا الحماس ساعتها، فنعترض طريقهم بشهامة، سيقولون إنهم ذاهبون إلى مكان ما قريب، وإنهم يمرون من هنا كثيراً، سيتكلمون بثقة وهدوء.

 

وقد لا نجد الحماس الكافي لنفعل ذلك، ونكتفي بالظهور فقط، لمنعهم من الاقتراب، أو نكتفي بالمتابعة لمعرفة نهاية ما يحدث، حين تدخل بيتها سينظر ناحيتها الفتيان، ثم يسرعون، ساعتها سيعتقد بعضنا إنها ضاعت منا، وأن أحدنا لم يملأ عينها، لن نلاحظ غضب الولد النحيل، لأنه لن يعبر عنه بطريقة واضحة.

 

حين نراها بعيداً عن شارعنا تشبك يدها بيد فتى وسيم، ستأكلنا الحسرة جميعاً، بعدها سندخل في مناقشات ساخنة، عنها وعن كرامتنا الجريحة، وعن العار الذى لحق بنا، والذي لوث سمعة شارعنا، وعنها التي وضعت رأسنا في الوحل، سنقترح أن نوقفها هي والفتى ونضربه ونأمرها بالعودة إلى بيتها، وننهاها عن المشي البطال، وسنقترح أن نتريث ولا نحكم أحكاماً متسرعة قد تؤدي إلى ضررها أو ضرر أخيها صديقنا، لن نلاحظ ظلال الأرق ولا بقايا الدموع في عيني الولد النحيل .

 

سنراقبها أيامًا، سنراه عن قرب، ونغار من وسامته ومن زيه الأنيق ومن جسده الرياضي، سنعرف إنه يذهب لها عند المدرسة، ويعودان معاً إلى ما قبل الشارع ، وأنها حين تذهب إلى الدرس مساءً سيكون بانتظارها، وسيذهبان إلى كافيتريا أو نادِ ، وحين تعود ستكون سعيدة جداً ، تكاد تنبت لها أجنحة تمكنها من الطيران ، ساعتها سندرك إنها ضاعت منا ، وأنه لم يدخل قلبها أحدنا ، لن يلفت انتباهنا كره الولد النحيل له، ولن نعرف سبب وصفه له بأنه يخدعها، ولا يحبها حباً حقيقياً، ولا سر دفاعه عنها ووصفه لها بأنها سازجة وبريئة.

 

سنكتشف فيما بعد بأن فتاها زميلنا بالمدرسة، وأنه يسكن قريباً منا، وأنه رغم وسامته وأناقته وجسده القوي، طيب مثلنا وأنه حفيف الظل، بعدها سيأتي إلى شارعنا كثيراً، ويجلس على مقهانا وربما على مصاطبنا مع أصدقائنا الذين صادقوه ، والذين اكتشفوا فيه تلك الصفات العادية ، سوف نتهمهم فى كرامتهم وشرفهم ، سيقول أحدهم بجرأة ( إننا نتعلم من خبرته ).

 

حين ندقق فيه سندرك أن ملامحه عادية، وأن زيه تقليدي، وأن جسده لا يزيد شيئاً عن أجسادنا ، سنظل نأخذ حذرنا منه ، ونبحث عن أخيها الغافل، ونتمنى في لحظة شجاعة أن نصارحه بالحقيقة المؤلمة له ولنا ، وربما نختزنها، إلى أن يحتك بأحدنا والذي سوف يفجرها في وجهه ، وربما يخبره الولد النحيل الذي ذبل جدا ، بعد أن حدثها بارتباك وخجل عن حبه لها ، فقابلته بفتور شديد. 

 

 لكننا سنشعر جميعاً بالفرحة المباغتة حين يداهم عيوننا صدر جديد نما، ساعتها سنبحث عن أسرار جديدة تتفتح .


    الاكثر قراءة