السبت 18 مايو 2024

أبناء الشهيد البطل إبراهيم الرفاعى يتحدثون عن «أسطورة الصاعقة المصرية»

تحقيقات7-10-2020 | 21:52

البطل الشهيد إبراهيم الرفاعي، قائد ومؤسس المجموعة «٣٩ قتال» إحدى أشهر المجموعات القتالية التى كبدت العدو الإسرائيلى خسائر فادحة، إلى الدرجة التى دفعت قيادات الجيش والحكومة الإسرائيلية للمطالبة بـ«الرفاعي» حيًا أو ميتًا، وهو أمر لم يتحقق ودفن الشهيد البطل فى أرض مصر.


وتزامنًا مع الذكرى الـ ٤٧ لحرب السادس من أكتوبر المجيدة، التقت «المصور» أبناء البطل الشهيد إبراهيم الرفاعى الملقب بـ«أسطورة الصاعقة المصرية»، ليلى وسامح الرفاعي، اللذان تحدثا عن «الرفاعي» الأب والمقاتل أيضا، وأزاحا الستار عن تفاصيل شخصية تكشف أن «الرفاعي» كان بطلًا فى كل شيء.. فى حياته العادية والعسكرية على حد سواء.. فإلى نص الحوار:


بداية.. ماذا يعنى لكما إبراهيم الرفاعى الأب والبطل العسكري؟

إبراهيم الرفاعى الأب والبطل لا ينفصلان عن بعضهما البعض بالنسبة إلينا، فنحن محظوظان أن نكون أبنائه، لكن دعينا نتحدث فى البداية عن نشأته، وما أقوله الآن هو التأريخ الصحيح لوالدي، وما يوجد على مجتمعات التواصل الاجتماعى غير دقيق، ولد إبراهيم الرفاعى ٢٧يونيه عام ١٩٣١ فى منطقة العباسية فى بيت جده لوالدته عبدالوهاب لبيب، وكان قائم مقام فى الجيش المصرى وكان له خالان لواءات شرطة وجيش، ووالده كان مأمورا يتنقل فى البلاد ولهذا يمكن القول أنه نشأ فى أسرة عسكرية فى وقت كان فيه احتلال إنجليزي، فكان بيت جده بجواره معسكر للإنجليز، كما أنه كان يمتلك بندقية «رش» وهو طالب فى المرحلة الابتدائية، وكان يصعد سطوح المنزل ويضرب الإنجليزى بالبندقية فكان الأمل الذى يعيش عليه من صغره أن يكبر ويصبح ضابطا ويقضى على المحتل وهذه النشأة كانت لها الأثر الكبير على شخصيته.


هل لهذا فضل الإلتحاق بالقوات المسلحة؟

أبى التحق بالثانوية العسكرية، وكذلك الأمر بالنسبة لشقيقيه سامى وسامح الرفاعي، حيث كان يعتبر بالنسبة إليهما القدوة والمثل الأعلى، وكانوا متفوقين جدا فى الرياضة (كرة القدم – اختراق الضاحية –الرماية) وهو ما أهلهم ليكون لديهم لياقة بدنية عالية جدا ودخول الكلية الحربية.


بعد التحاق أبى بالكلية الحربية أصبح هداف الجيش لكرة القدم وحصل على كأس أفضل ضارب بالبندقية فى الكلية الحربية وكان حاصلا على بطولات وميدليات فى الملاكمة ورفع الأثقال ثم تخرج من الكلية عام ١٩٥٤ والتحق بالصاعقة وأصبح كبير المعلمين فى وحدات الصاعقة فى فترة قياسية ودائما كان الأول على فرق الصاعقة وكان مشهورا عنه اللياقة العالية وأساليبه القوية والجديدة فى القتال.


هل كان يحكى لكم عن بطولاته؟

كانت كل جلسات والدى معنا لا يتحدث فيها عن بطولاته بل يتعامل معنا مثلما يتعامل أى أب مع أبنائه، والتى كانت تحكى لنا تفاصيل المعارك التى خاضها، هي والدتنا إلى جانب معاصرتنا لبعض هذه الأحداث.

والدى عام ١٩٥٦ كان له بطولات سجلها التاريخ جدا فى بورسعيد منها تدمير قطار محمل بالجنود والسلاح الإنجليزى وكانت عملياته مشهورة جدا لأنه كان له أسلوب فى القتال معروف، ثم سافر روسيا واجتاز دورة استطلاع وأركان حرب ثم عاد وسافر حرب اليمن هو وشقيقاه سامح وسامى وشقيقه سامح استشهد فى حرب اليمن فكان متفوقا رياضيا وحاصلا على نجمة الشرف العسكرية وكان والدى له عمليات قوية أيضاً فى حرب اليمن منها عمليات الجبل الأحمر.


هل هناك موقف عاصرتم أحداثه وكان له تأثير عليكم؟

نتذكر موقفا لن ننساه فعندما جاءت حرب ١٩٦٧ كان هذا اليوم غريبا فأول مرة نجد والدى متواجدا بالبيت ولديه نزيف حاد جدا بالمعدة نتيجة القرحة من الحزن والألم وكان يقول الجيش المصرى لم ينهزم بل لم يحارب واستمر النزيف ثم انتقل على إثره إلى مستشفى المعادى ثم سافر إلى إنجلترا وكانت تعليمات الأطباء له أنه ممنوع من المجهود العنيف والتفكير المرهق.


لكنه رفض أن يمكث فى البيت يوما واحدا بل فعل عكس ذلك وبدأ فى التفكير فى تكوين مجموعة عمليات خاصة ليثأر للجيش المصرى على طريقته، ووقتها تحدث مع الفريق محمد صادق حول تكوين مجموعة قتال خاصة وهى مجموعة قتالية ٣٩ وكان اختياره لهذا الاسم لأنهم نفذوا ٣٩ عملية فى منظمة سيناء، وكان يتنقل بين وحدات الصاعقة والبحرية ليختار أفضل الأفراد الذين يمتلكون قدرات بدنية وقتالية عالية، وبمرور الأيام تكونت المجموعة ٣٩ قتال، وبدأت المجموعة فى تنفيذ عملياتها وكانت أول عملية فى ١٩٦٧ وهى تدمير المستودعات والذخيرة التى تركها الجيش المصرى حتى لا يستفيد جيش العدو منها وكانت كميات مهولة من الذخيرة التى تركها الجيش المصري، وهناك من قال إن النار استمرت مشتعلة بالمنطقة لمدة ثلاثة أيام من كمية الأسلحة التى جرى تفجيرها.

ثم توالت عمليات المجموعة لتصل إلى ٩٨ عملية ضد جيش العدو الإسرائيلي، ومن أشهر هذه العمليات «لسان التمساح» وكانت هذه نقطة حصينة وكانت هذه العملية انتقاما لاستشهاد الفريق عبد المنعم رياض فضربوا الموقع الذى ضربت منه الدانة التى أصابت الفريق عبد المنعم رياض فدمر الموقع ومن فيه ورفعوا العلم المصرى ثلاث ساعات، وهناك أيضا عملية ضرب مطار الطور وضرب قاعدة صواريخ هوك، وكانت توجد صواريخ للعدو منصوبة والإدارة المصرية أرادت أن تعرف عنها معلومات أشمل، فطلبت منه أن يذهب ويحاول أن يأتى لهم بعينة من الصواريخ ولكن قام بجلب الثلاثة صواريخ الموجودة هناك وعمليات أخرى لا تقل أهمية عن العمليات التى ذكرتها.


ما أبرز ذكرياتكم عن حرب ١٩٧٣ مع والدكم؟

كنا نسمع حكايات كثيرة، وكانت العمليات عبارة عن كماين وإدارات واستطلاعات، وكان والدى أول ضابط يأتى بأسير حى وكان اسمه (يعقوب روني) وتوالت العمليات حتى يوم ١٩ أكتوبر ١٩٧٣، وكلفه الرئيس الراحل أنور السادات بمهمة وأخبره أنه يوجد هجوم شديد على الإسماعيلية وأنه ومجموعته من سيوقف هذا الهجوم، وكان هذا اليوم عائدا من الجبهة فى البيت وكان صائما فقام بتغيير ملابسه العسكرية ونزل مسرعا لتلبية الأوامر، لكن حدث شيء غريب هذا اليوم فعند نزوله وقف قليلا عند الباب ونظر لوالدتى وقال لها: (خدى بالك من العيال) وهذا لم يحدث من قبل، حيث اعتدنا أنه فى كل مرة كان يذهب فيها للجبهة يضحك ويهزر ويسلم علينا ولم يقل هذه الجملة أبدا رغم أنه اشترك فى ٥ حروب قبل ذلك، وبالفعل كانت هذه المرة الأخيرة التى نرى فيها والدى قبل استشهاده.


هل تتذكرون لحظات استشهاده وكيف استشهد؟

الذى علمناه بعد ذلك أنه توجه هو ومجموعته إلى الإسماعيلية ووضع خطة وعندما وصلوا قابله الفريق الشاذلى تم تغيير المهمة التى كانوا ذاهبين من أجلها وقال لهم ستقومون بمهمة ثانية فقد تم تدمير المعبر الذى تمر عليه الدبابات فدخلوا على أقدامهم ووجدوا طابورا من دبابات العدو ولم يكن معهم تجهيزات لها فوزع المجموعة التى معه مجموعات صغيرة لكى يشعر العدو أنهم كثيرون وبالفعل دمروا الدبابات، ودمر أول دبابة ثم الثانية وكان الطابور واقفا، فصعد إلى تبة عالية وكان ينظر عليهم بنظارة مكبرة فرآه العدو وكان العدو يعلم جيدا أساليب المجموعة القتالية كما كانوا يعلمون أيضا أنهم قاموا ضدهم بـ ٩٨ عملية قتالية، وكان اليهود يريدونه حيا أو ميتا لأنهم كانوا يعيشون فى جحيم من هجمات المجموعة عليهم ويطلقون عليهم «الأشباح» لأن المجموعة تضربهم فى أى وقت ويعودون دون إصابة ولا أحد يستطيع القبض عليهم، وكان موشى ديان وجولد مائير دائما يؤكدان أن هذه المجموعة لا بد أن تنتهى وخاصة إبراهيم الرفاعى لأنه هو «الرأس المدبرة» وفى لحظة وقوفه على التبة، أطلق العدو «دانة» فأمر جميع من معه بالانبطاح فضربت الدانة وسقطت خلفه فخرجت منها شظية اخترقت القلب مباشرة فوقع على وجهه فنادى صف الضابط الذى بجواره عليه يا فندم يا فندم وقام بشدة لأنه تخيل أنه منبطح مثلهم فوجده لم يتحرك فتم نقله بالسيارة واتصلوا بالإدارة وأخبروا الرئيس السادات فقال لهم:(ارجعوا به فورا وبأى ثمن)فقاموا بوضعه فى السيارة بسرعة لأن العدو رآهم وعرف أن إبراهيم الرفاعى وقع فبدأوا يكثفون الضرب والطيران لأنهم كانوا يريدونه حتى لو جثة ولكن الجنود الذين معه نجحوا فى المهمة كعادتهم ووصلوا به إلى المستشفى وسلموه للطبيب وقالوا له (لازم يقوم)، لكنه أكد لهم أنه استشهد فى الحال، وكانت شظية صغيرة فلا يوجد دم أو أى أثر وكأنه حى لأنه كان نائما على ظهره مبتسما وصدمت المجموعة ولم يصدقوا أنه استشهد لأنه كان يمثل لهم الأب والأخ والصديق فالصلة كانت بينهم قويه جدا وكتب العميد محسن طه يقول أثناء نقله بعد استشهاده (احنا غسلنا الأرض بدموعنا من إسماعيلية حتى وصلنا القاهر وكأننا فى كابوس فلم نتخيل حياتنا من دونه) وعندما دفن والدى بعد يومين كانت تحكى لنا والدتى وأصدقاؤه أن الدم كان ينزل من الصندوق وكأنه ميت للتو ومن نزل معه المدفن أقسم أن المكان كان يعج برائحة المسك الشديد ويؤكد ابن خالته شريف بيومى أنه عندما حاول تقبيله وجد رائحة المسك تفوح من جسده الدافئ ودمه السائل.


هل كنتم تستوعبون معنى «استشهاد الوالد» وقتها؟

نحن كنا صغارا ولا نعى ما يحدث ولا نعرف ما طبيعة الموت ولكن والدتى قالت لنا إن أبى ذهب عند ربنا وهو الآن فى مكان أحسن وسوف نذهب له فى يوم من الأيام عندما يشاء الله وبهذه المناسبة أحب أن أقول لأمى شكرا لك لقد تحملتِ معنا الكثير وعانيتى الكثير رحمة الله عليها لقد انتقلت إلى ربها فى العام الماضى فهذه السيدة من الأبطال.


ما التفاصيل التى لا تزال تذكرونها حتى الآن عن علاقتكم بأبيكم؟

على مستوى الأب مهما تحدثنا لا يمكن أن نصف كم كان جميلا فكان يتعامل معنا كأصدقاء، فمنذ كنا صغارا وهو المثل الأعلى لنا فكان على المستوى الشخصى «شيك جدا» فى ملبسه فكان يعرف كيف ينتقى ملابسه وأفضل شخص يأتى بهدية، فكان يعشق الألوان والرسم ويحب التصوير جدا بالكاميرا، كان يحب أن يسجل كل لحظة متواجد معنا فيها وتصوير المناظر الطبيعية والمناسبات والرحلات فإذا بحثتى عن صورة نحن معه فلم تجديه كثيرا لأنه هو من كان يقوم بالتصوير وكان يحب الموسيقى جدا ويسجل أغانى أم كلثوم وعبدالوهاب وكذلك الموسيقى الأجنبية، وكان يأتى بأحدث أجهزة التسجيل معه من الخارج وكان يلعب معنا دائما ويحملنا على كتفه باستمرار ومبتسما دائما، وكان هادئا لدرجة أن والدتى كانت تشتكى من هدوئه ولا يتحدث كثيرا ولا يحب الدوشة أو يقوم بلخبطة شيء بالمنزل فكان منظما جدا وهادئا وكان الكل يشهد له بأدبه الجم وتهذبه وتواضعه وعلى المستوى الإنسانى، وكان كريما وشهما إلى أبعد درجة حتى أنه كان معروفا عنه أن أى شخص يريد أى شيء فى الدنيا يأتى ويطرق الباب فيلبى له طلبه وإذا لم يكن متوفرا لديه يذهب معه فى المكان المتوفر فيه الطلب ويلبيه له حتى لو على حسابه الشخصى فكما يقولون( اللى فى إيده مش ليه).


هل كان يتبع أسلوبا مختلفا فى التربية بين الولد والبنت؟

لم يفرق بيننا فى المعاملة أبدا كان يعلمنا الصيد والرماية ولعب الكرة والبوكس كولد وبنت على حد سواء الفرق الوحيد بيننا، كان عندما يسافر ويأتى بهدايا يأتى لى بعروسة بناء على طلبى ويأتى لشقيقى بدبابة وبندقية وطيارة وكان ينزل معنا بنفسه يشترى لنا ملابس العيد ويضعها بجانبنا على السرير ويوقظنا مبكرا لصلاة العيد.


ماذا عن الدور الذى لعبته الوالدة ليلى الرفاعي؟

والدتى كانت صغيرة ورغم ذلك كانت هى من تتحمل كل الأعباء فى غيابه الكثير، وكان خالى صديقه جدا معنا أيضا حتى بعد استشهاد والدى استمر معنا وكان يقوم بكل ما كان يقوم به أبى وكان يقف أمام صورة والدى ويتحدث إليه ويقول (والله زمان) حتى توفى واستشهد خالى الثانى وكان طيارا مقاتلا وأقسم أنه سينتقم لأبى فاستشهد بعد بابا بيوم واحد فالعيلة معظمها شهداء. لذلك كنت أنا وشقيقى نريد أن نصبح ضباطا وكانت والدتى تدفعنا لذلك وبالفعل تخرج شقيقى من الحربية، والحقيقة أن القوات المسلحة فخر لنا ولا تنسى أبنائها ، كما أن الشعب وحبه لوالدنا يجعلنا نشعر وكأنه يعيش بيننا.


    الاكثر قراءة