«جولات الاستطلاع ومعلومات ما قبل المعركة».. واحدة من المهمات الحساسة فى إدارة العمليات والمعارك العسكرية، ويحمل التاريخ المصرى العديد من الإنجازات والنجاحات التى حققتها القوات المختصة فى هذا الشأن، غير أن حرب أكتوبر المجيدة تأتى على رأس هذه الإنجازات، لا سيما أن عمليات الاستطلاع التى أجرتها القوات المسلحة قبل «ساعة الصفر»، ساهمت بشكل كبير فى حسم الطرف الرابح فى معركة «النصر».
العميد طيار عبدالحميد صدقى أبو زيد، واحد من أبطال القوات المسلحة المصرية، الذين شاركوا فى جولات الاستطلاع وتصوير أهداف العدو الإسرائيلى فى سيناء، وبطول جبهة القتال، وعن تفاصيل هذه الجولات، وذكرياته عن حرب السادس من أكتوبر، ورؤيته للخطوات التى تتخذها القيادة السياسية، سواء فيما يتعلق بملف «التسليح» أو مخططات التنمية التى يجرى تنفيذها على قدم وساق فى أرض الفيروز.. كان الحوار التالى:
ما المهمة التى كنت مكلفاً بها فى حرب أكتوبر؟
فى حرب أكتوبر كانت مهمتى عبارة عن القيام بـ٦٤ جولة استطلاع للجبهة بالكامل حيث إن هذه الجولات سوف تقوم بتصوير أهداف العدو بالكامل فى سيناء لأنه سوف يتم استهدافها فى حرب ٧٣ وتم تنفيذ هذه الجولات قبل حرب أكتوبر بعشرة أيام وتم الانتهاء من ٦٤ جولة على النقط الحصينة بشرق القنال والرادارات بمطارالعريش ومطار المليز وكل الأماكن التى يتمركز بها العدو وفى أثناء القيام بهذه العمليات كنا ننطلق خلف فريق الاستطلاع المشارك فى هذه الجولات بمدة دقيقتين وكانت جميع هذه الأهداف مصورة بالفعل قبل القذف وهى سليمة وكان ينطلق التشكيل وعلى سبيل المثال تشكيل الميج ٢١ يقذف قرية رمانة ننطلق خلفه بدقيقتين نقوم بتصوير القذف والتدمير وعندما يكون التدمير بنسبة ٩٦ فى المائة أو ٩٥ فى المائة لن تتم إعادة التدمير مرة أخرى وعلى نفس الوتيرة فى جميع المواقع حيث يوجد لدينا طائرتان تنطلق خلف التشكيل بدقيقتين لتصوير العملية وهذه كانت مهمة الاستطلاع فى هذا الوقت وعندما تم الانتهاء من الضربة الجوية الأولى بدأنا عمليات مقاتلات القذف قمنا بالقذف فى ممر متلة على مدرعات العدو والقوات التى تهاجم قواتنا التى استطاعت عبور شرق القناة وكانت هذه هى مهمتنا حتى تم إيقاف الضرب وانتهت الحرب.
كيف نجح سلاح الدفاع الجوى المصرى فى مواجهة إسرائيل رغم تفوقها الجوى؟
كان يعزز ظهر القوات الجوية حائط الصواريخ الذى صنعته مصر وكان هذا الحائط منيعاً حيث كان عندما تعبر طائرة إسرائيلية يشتبك معها الطيارون المصريون وإذا كان هناك أماكن لن تتواجد فيها طائراتنا المصرية كان يشتبك معها حائط الصواريخ حيث إن هذا الحائط أنجز إنجازاً كبيراً وعظيماً فى هذه الفترة لأنه أسقط كماً كبيراً جداً من طائرات العدو بالاشتراك مع الطيارين المقاتلين (الميج٢١) فكان بالفعل حصناً منيعاً.
ما المواقف التى شاهدتها أثناء الحرب جعلتك تتأكد من قوة وبسالة المقاتل المصرى؟
بالطبع العبور حيث إنه فى أثناء عبورنا بالطائرات والجيش المصرى يبدأ بالعبور، حيث تم بالفعل تدمير النقاط الحصينة من خلال الضربة الجوية، وتم تدمير الدفاع الجوى لقوات العدو الإسرائيلى حيث إن لواء ميج ٢١ ولواء صقور ولواء ميج ١٧ مقاتلات قصف قاموا بضرب مناطق الدفاع الجوى القريبة بشرق القناة والمتوسطة بعمق سيناء والبعيدة بالنسق الدخيل فأصبح لا يوجد أى دفاع جوى بهذه المناطق، بعد ذلك المقاتلات تشتبك مع المقاتلات، ولكن قبل ذلك لا تستطيع العبور حيث توجد صواريخ تطلق عليها مثل حائط الصواريخ لدينا لا تستطيع أى طائرة إسرائيلية العبور حيث يطلق الحائط عليها حيث إنه إذا قمنا بتدمير الدفاع الجوى للعدو نستطيع العبور بالجيش المصرى وقد قامت المقاتلات بمهمات رائعة وكنت سعيداً جداً بشكل العبور للجيش المصرى بعد الهجوم الجوى حيث إن الهجمة الجوية الواحدة تستغرق ٤٥ ثانية وكان منظراً مشرفاً للغاية وأنا أشاهد عبور الجيش من الطائرات فى السماء.
ما رأيك فى دور الجيش والشرطة فى مواجهة الإرهاب وحماية الأمن القومى فى الوقت الحالى؟
التنسيق بين الجيش والشرطة هو عملية رائعة حيث إن الجيش مهمته مهمة استراتيجية وتكتيكية والشرطة فى الأساس مهمتها داخل الحدود بينما الجيش خارج وداخل الحدود وتختلف كل من التدريبات الخاصة بهم فالشرطة يجب أن تكون مُتدربة على ما يسمى بحرب الشوارع على عكس الجيش فهو يتكون من مدرعات وجنود وأسلحة وقنابل بينما الشرطة تتعامل مع الشعب وعناصر شغب منهم ولذلك يوجد فرق كبير بينهما وتدريب الشرطة تدريب خاص وله تكتيك خاص.
هل ما يحدث حولنا من انهيار دول عربية له تأثير على مصر وكيف نستطيع تأمين حدودنا الاستراتيجية المختلفة؟
لا يوجد شك أنه سوف يؤثر على مصر ونحن كشعب مصرى ينتابنا القلق عندما تكون دولة صديقة لنا ويوجد بها مشاكل وبالتالى يتم تقديم المساعدة لهم من خلالنا بقدر المستطاع لحل هذه المشاكل ولكنه يؤثر معنوياً فقط على مصر حيث إنه يجب أن نهتم بشؤون بلادنا الداخلية
ما الرسالة التى وجهتها مصر للعالم من خلال حرب أكتوبر؟
تمكنت مصر من صنع إعجاز كبير فى تاريخ جميع الحروب حيث إن فى حرب أكتوبر كانت إسرائيل مدركة أن الخط الحامى لهم هو (خط بارليف) وهو خط منيع ومستحيل العبور بل ونجحوا فى إقناع كل العالم بذلك ومطمئنون لعدم استطاعة عبور أحد وكانوا يروجون أنه لهدمه يلزم قنبلة ذرية وأنا أعتبر أن جيشنا المصرى أقوى من القنبلة الذرية ولديه وطنية وكرامة وعزة نفس والشعور بالثأر لزملائهم وكان هذا أمراً مشرفاً حيث استطاعوا عبور الخط بالمياه من القناة نفسها المتواجد عندها الخط وتم سد مواسير النابالم بواسطة الضفادع البشرية وتم تدريبنا وإجراء تجارب على قنابل النابالم على الدشم الخاصة بنا لنرى كيفية استخدامها فهى يزداد اشتعالها بالماء ويتم إطفاؤها بالرمل لذا كان العدو مطمئناً أنه لا أحد يستطيع العبور فكانت صاعقة لجيوش العالم أجمع حيث إن الرسالة متمثلة فى أن الجيش المصرى أخطر من القنبلة الذرية وعنصر المفاجأة وتوقيت العبور فالحروب دائماً تكون فى أول ضوء من اليوم حيث يكون العدو غير مؤهل بعد وأيضاً فى آخر ضوء وليس منتصف اليوم وكانت عملية العبور وانتقاء توقيت يوم العيد الخاص بهم وفى الساعة الثانية ظهراً عملية تخطيطية رائدة وهناك معلومة مهمة غير معروفة لأحد هى أن الرئيس الراحل حسنى مبارك قبل عملية العبور الساعة الثانية ظهراً طلب الميج ٢١ اللواء سامح عطية أن يقوم بعملية على قواتنا على ارتفاع ٣ كيلومترات فى تمام الساعة ١٢ ظهراً لتصوير الجبهة لمعرفة إذا كان هناك تحركات أو تسريب معلومات للعدو الإسرائيلى.