السبت 8 يونيو 2024

جميل عفيفي يكتب: مصر القوة الرادعة في الشرق الأوسط.. استراتيجية القيادة السياسية لتنويع التسلح لجيش مصر

تحقيقات7-10-2020 | 22:22

دائماً ما تختلف طبيعة التهديدات التي تتعرض لها الدولة طبقاً لتغير الأحداث والأهداف والأطماع المختلفة، بالإضافة إلى اختلاف طبيعة المهدد هل هي دولة أم تنظيمات إرهابية ، أو تحالف، وكل ذلك يتطلب اختلاف نوع التسليح بما يتناسب مع طبيعة كل مهمة بالإضافة إلى اختلاف نوعية التدريب، بل وإنشاء قوات جديدة تتناسب مع التهديدات المختلفة. 


وفي الواقع فإن مصر تتعرض للعديد من التهديدات من الاتجاهات الاستراتيجية المختلفة، وبالأخص بعد ثورة ٣٠ يونيو المجيدة والتي أزاحت تنظيماً إرهابيأ كان يحكم الدولة، وظهور تنظيمات إرهابية على أرض سيناء بجانب محاولات لاختراق الحدود الغربية من قبل تنظيمات أخرى في ظل المساحة الشاسعة من الحدود مع الجانب الليبي بالإضافة إلى التهديدات في البحر  المتوسط، والمحافظة بقوة على المصالح الاقتصادية، بجانب محاولات التهديد في البحر الأحمر من خلال الحوثيين في باب المندب وأيضاً القرن الإفريقي ، بالإضافة إلى أطماع بعض الدول الإقليمية لمحاولة فرض نفوذها الوهمي على المنطقة، إذن، فالحدود المصرية ملتهبة، مما تتطلب تطوير وتحديث منظومة التسليح المصرية بما يتماشى مع طبيعة التهديدات الجديدة . 


ومنذ عام 2014 وضعت القيادة السياسية نصب أعينها جميع التهديدات المحتملة على مختلف الاتجاهات، فتم وضع استراتيجية جديدة للتسليح تتواكب مع كل التهديدات المحتملة براً و بحراً وجواً ،بالإضافة إلى وضع استراتيجية جديدة للتدريب وإنشاء قوات التدخل السريع، حتى وصلت مصر إلى مرتبة متقدمة جداً على المستوى العسكري وبالأخص في مجال القوات البحرية، حيث إن السواحل المصرية شاسعة ومهددة، تتطلب قدرة عسكرية حديثة تحقق الردع لأي قوة تسعى إلى تهديد المصالح الوطنية في البحرين المتوسط والأحمر . 


وفي إطار محاولات بعض القوى الإقليمية   إثارة الأزمات في المنطقة ومحاولاتها نقل إرهابيين أو أسلحة يتم من خلالها تهديد الأمن القومي المصري، ومن منطلق الردع لأي قوى تسعى لتهديد الأمن القومي المصري وفي إطار الخطة التدريبية للقوات المسلحة نفذت القوات البحرية خلال شهر تدريبين قويين يحققان الردع ويؤكدان بما لا يدع مجالاً للشك أن القوات المسلحة قادرة على حماية السواحل المصرية وحماية المصالح الاقتصادية وتنفيذ هجوم على أي موقع يعمل على تهديد الأمن القومي المصري. 


 لقد أكد الواقع أن التهديدات تتمثل فى محاولات بعض الدول الإقليمية المساندة للإرهاب في سيناء، وأعمال تهريب المخدرات والسلاح  ، ومحاولات الهجرة غير الشرعية ودخول العناصر المتطرفة إلى البلاد وما يتطلبه الموقف الحالي بالمنطقة من حماية لثروات الشعب ومصالحه الاقتصادية ومواجهة مطامع دول أخرى بالمنطقة وأن كل هذه التحديات وغيرها فرضت على القوات المسلحة بشكل عام

وقواتنا البحرية تحديات عظيمة أهمها على الإطلاق مواكبة التطوير المستمر والنوعي في التسليح بما يضمن  القدرة على تنفيذ العديد من المهام في عدة اتجاهات في نفس التوقيت ، على سبيل المثال وليس الحصر  مهام تأمين حقول الغاز بما تشمله من بعد مسافاتها عن الساحل المصري والتي تصل إلى 100 ميل بحري وهو ما يتطلب توفير وحدات بحرية قوية بمواصفات خاصة , وكذا حماية سواحلنا ضد أعمال التهريب بأنواعه في البحرين المتوسط والأحمر وتأمين المجرى الملاحي لقناة السويس وهو ما يتطلب معه الحفاظ على الحالة الفنية للمعدات والأسلحة والتطوير المستمر والتدريب الجيد للأطقم على جميع  المهام لحماية وطننا العزيز ومقدرات شعبه الأبي . 


لقد تعرضت مصر بعد ثورة 30 يونيو لضغوط عدة

وبخاصة في المجال العسكري بعد أن جمدت الإدارة الأمريكية وقتها المعونة العسكرية ورفضت تسليم صفقة المقاتلات من طراز (إف 16) بل إنها تعنتت ولم تسلم مصر المروحيات أباتشي التي كانت تتم صيانتها في الأراضي الأمريكية ، وعلى الفور رفضت القيادة السياسية أن تقع تحت فخ الولايات المتحدة وأخذت القرار الاستراتيجي الهام بتنوع مصادر السلاح، حتى لا تكون تابعة لدولة واحدة بيدها المنح والمنع، و بدأت في ذلك بالاتفاق مع الجانب الفرنسي على طائرات الرافال وحاملات المروحيات والمدمرة تحيا مصر، بل تعدى ذلك إلى نقل التكنولوجيا إلى مصر في تصنيع الفرقاطات طراز جو ويند في الترسانة البحرية، بالتعاون مع الجانب الفرنسي، كما تعاقدت مع ألمانيا على أحدث أنواع الغواصات، وروسيا وكوريا الجنوبية والصين وغيرها من دول العالم، مما جعل الولايات المتحدة تعيد حساباتها وتعود إلى مصر وتقوم بتسليمها الطائرات وتعيد المعونة العسكرية. 


كما وضعت استراتيجية التسليح الاعتماد على التصنيع المحلي لبعض المعدات والأسلحة من خلال دعم مصانع الإنتاج الحربي، والهيئة العربية للتصنيع. 


لم تتوقف القيادة عند التسليح فقط ولكنها بدأت في أخذ مسارات جديدة لحماية الأمن القومي المصري، فكانت استراتيجية القواعد العسكرية وهو فكر جديد تضم فيه جميع الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة بجانب الأسلحة المشتركة من أجل حماية الحدود الشمالية والجنوبية والوصول لأبعد نقطة تهدد الأمن القومي، فكانت قاعدة محمد نجيب العسكرية في الاتجاه الاستراتيجي الغربي وقاعدة برنيس في الجنوب، وهذا الفكر الجديد لدعم الجيوش والمناطق العسكرية و صد أي عدائيات والوصول إلى مناطق التهديد داخل وخارج الجمهورية بشكل أسرع ، كما تم إنشاء الأسطولين الشمالي والجنوبي من أجل حماية المصالح الاقتصادية في المتوسط، وتأمين المجرى الملاحي في البحر الأحمر  . 


 وعلى الرغم من صعوبة هذه  التحديات  في  منطقة شرق البحر المتوسط إلا أن قواتنا المسلحة قادرة على حماية الأمن القومي المصري وتأمين الحدود المصرية على كافة الاتجاهات الاستراتيجية بشكل عام وحماية  المصالح الاقتصادية في شرق المتوسط وبخاصة حقول الغاز لمواجهة أطماع  من تسول له نفسه الاقتراب من أمن مصر. 


أن امتلاك مصر للقدرة العسكرية الرادعة، والتدريب الراقي لجميع أفراد القوات المسلحة جعل أعتى دول العالم في المجال العسكري تطلب من مصر إجراء تدريبات عسكرية مشتركة، مثل فرنسا وبريطانيا وروسيا واليونان وقبرص، وحلف شمال الأطلنطي والمملكة الأردنية والمملكة العربية السعودية والبحرين ودولة الإمارات ، وتجمع دول الساحل والصحراء، مما دفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى الاتفاق مع مصر بعودة تدريبات النجم الساطع في الأراضي المصرية بعد  انقطاع أكثر من 10 سنوات، وبحضور 24 دولة على مستوى العالم، لتؤكد القوات المسلحة المصرية قدرتها العالية وأصبحت قوة الردع التي تحمي الأمن القومي المصري والعربي أيضاً .  


إن امتلاك القوات المسلحة أحدث ما توصل إليه العلم الحديث في تكنولوجيا السلاح و قدرة الفرد المقاتل على استيعاب تلك التكنولوجيا، والتدريب الراقي كان له أكبر الأثر في محاربة الإرهاب الذي تغلغل في سيناء من بعد أحداث 25 يناير بدعم من دولتي قطر وتركيا، وامتلاكه سلاحاً حديثاً، ولكن قدرة القوات المسلحة استطاعت أن تقضي على البنية التحتية بالكامل في سيناء، وذلك بناء على استراتيجية مدروسة في مواجهة تلك التنظيمات وفرض السيطرة بالكامل على أرض سيناء بعد أن دنسها الإرهاب من خلال عمليات عسكرية شاملة بدأت بعملية نصر ثم حق الشهيد بمراحلها المختلفة، ثم العملية الشاملة سيناء 2018. 


لم يتوقف دور القوات المسلحة واستراتيجيتها في إعادة التسليح والبناء على الداخل فقط بل إنها امتدت لتطوير وتدريب قوات بعض الدول التي تعاني من الإرهاب ، وبناء عليه فقد أحيت مصر تجمع دول الساحل والصحراء من خلال اجتماع وزراء الدفاع في مدينة شرم الشيخ عام 2016، وقامت مصر بعدها بإنشاء مقر لقوات مكافحة الإرهاب لدول الساحل والصحراء في القاهرة، وتدريب عدد كبير من ضباط وجنود تلك  الدول على مكافحة الإرهاب العابر للحدود. 


وبناء على ما سبق فإن من يمتلك سلاحه يمتلك قراره لذا كان الموقف المصري واضحاً من الأزمة الليبية، وقرار الرئيس عبد الفتاح بعدم السماح لأي قوة كانت بعبور الخط الأحمر (سرت الجفرة ) مما أدى إلى وقف إطلاق النار و تراجع القرار التركي وسحب الإرهابيين من تلك المنطقة. 


إن الاستراتيجية المصرية لتسليح القوات المسلحة كان لها دور في حماية الأمن القومي المصري على كافة الاتجاهات الاستراتيجية وتأمين المصالح الاقتصادية بالمتوسط والحفاظ على المكتسبات، وتأمين المجرى الملاحي في البحر الأحمر وقناة السويس وباب المندب، وأصبح لمصر الدرع والسيف الذى يحميها في ظل منطقة مشتعلة، ومثلما استبعاد جيش مصر ارضها فى 73 فهو يحميها وبكل قوة وبل قوة من أي إعتداء أو محاولة المساس بها.