ما يزيد على الأربعين عاماً مضت، ونحن لا نكف عن الشكوي من «الأزمة السكانية»، ونبحث عن حلول، أفلام سينمائية وبرامج تليفزيونية، وآلاف المقالات والدراسات، عن «غول» الزيادة السكانية الذي يلتهم عوائد التنمية، والأرض التي ضاقت بمليارات البشر الذين يسكنون يابستها، ويلتهمون ما تنتجه اليابسة والبحار معا..
تري هل آن الأوان لنظرة مختلفة؟..هل للقضية وجه آخر ضاعت ملامحه في صخب التحذيرات المتكررة من تزايد عدد البشر ؟!!
الحقيقة أن الدراسات العلمية التي لا تتوقف عن مراقبة العالم، وطرح التساؤلات والبحث عن إجابات لها، لم تكتف بوجه واحد من أوجه القضية «السكانية» شديدة التعقيد، وبينما كان عدد كبير من العلماء يكتشفون المزيد من أخطار الزيادة السكانية، ويعملون علي تحجيم معدلات الإنجاب عبر وسائل طبية متعددة، يتجه علماء آخرون لبحث زاوية أخري من الأزمة تمثل تهديدا أشد خطورة.. هو باختصار «فناء الجنس البشري!!
الجملة تبدو مرعبة، والتفاصيل لا تقل «رعباً»، حيث يحذر العلماء من تراجع رهيب في خصوبة «الرجال» قد يعني نهاية الجنس البشري خلال عقود.
التجارب تجري منذ ربع قرن تقريبا، وتمتد بامتداد أرجاء الكرة الأرضية، من الصين شرقا إلي كندا في أقصي الشمال، والنتيجة التي لا يسهل توقعها «90% من الحيوانات المنوية مشوهة»، والأمر لا يستثني عمراً، أو جيلاً، أو عرقاً..
الصحيفة الأمريكية الشهيرة «نيويوركر» قاربت الأزمة مستخدمة مصطلح «الحيوان المنوي الصامت» محذرة البشرية من مصير يشبه مصير «النسور الصلعاء».. الانقراض.
في هذا العدد من «طبيبك الخاص» نناقش في مقاربة طبية اجتماعية، أزمة الزيادة السكانية فى مصر، نناقش أطباء ومختصين، يحذرون من أخطار التزايد السكاني، ويقدمون نصائحهم بهذا الخصوص، ولكن هذا لا يعني إهمال الجانب الآخر من الصورة..
الأبحاث العلمية تقول إن الحيوانات المنوية لدي الرجال والشباب باتت مشوهة، إما برأسين، أو بذيلين ، فضلاً عن إنها باتت لا تجيد السباحة، وتعجز عن قطع الرحلة الصعبة نحو البويضة، وبدلاً من السباحة المستقيمة تترنح، تتمايل أو تدور حول نفسها، أما فيما يتعلق بالعدد فنحن نتكلم عن كارثة حقيقية
تقول شانا سوان، اختصاصية علم الأوبئة بنيويورك: «التراجع لم يقف عند عدد الحيوانات المنوية فحسب، بل في نوعيتها أيضاً وفي قدرتها على السباحة».
البروفيسور أندريا جور، أستاذ علم الصيدلة بجامعة تكساس ومحرر مجلة «الغدد الصماء» يقارب الأزمة قائلا:ً «نوعية السائل المنوي ودرجة الخصوبة تراجعتا عند الرجال بدرجة كبيرة، ولذلك لن يتمكن كل راغب في الإنجاب من تحقيق ذلك. فمشكلة الخصوبة عند الرجال لها انعكاساتها على نوعية الحياة، وللأعباء الاقتصادية انعكاساتها على المجتمع، والاثنان يصعب تقديرهما».
ما يطرحه اثنان من كبار الاختصاصيين في مجاليهما يبدو مقلقا ، ودافعا للبحث عن أسباب تراجع الخصوبة ، والحالة المتردية للحيوانات المنوية المنوط بها حفظ النوع البشري .
الدراسات العلمية تقول إن السبب يمكن إجماله في «الحياة الحديثة» أما التفاصيل فتشير إلي القاتل الحقيقي لحيواناتنا المنوية، وهو مركب كيميائي يتسبب في خلل في الغدد الصماء يوجد في البلاستيك، وفي مستحضرات التجميل، والمقاعد، والمبيدات الحشرية.
مزيد من الدراسات التي تثير المزيد من القلق أجرتها فرق متخصصة ففي دراسة أجريت علي ثلاثين ألف متطوع صيني، بفارق خمسة عشر عاماً، جاءت النتيجة لتكشف عن تراجع نوعية السائل المنوي لدي المتطوعين من 56% عام 2011 إلي 18% فقط عام 2016.
النتائج ليست أكثر إيجابية في مناطق أخري من العالم، الأمر الذي دعا علماء الخصوبة لإعادة طرح التساؤلات عن مصير الجنس البشري وهل يتجه فعلا نحو الفناء؟
وبعيداً عن النظرة التشاؤمية يبقي السؤال الأهم.. «كيف نحمي أنفسنا»، في ظل إحاطة الخطر بنا من مختلف الاتجاهات؟
الإجابة لدي العلماء أيضا حيث ينصحون بتجنب استخدام البلاستيك قدر الإمكان، بما في ذلك المشروبات والأطعمة التي ربما تكون قد تلامست مع أوانٍ بلاستيكية، أو جرى تسخينها في أوعية بلاستيكية، وتجنب تناول الأطعمة العضوية لتفادى بقايا المبيدات الحشرية، وكذلك تجنب مسكنات الألم أثناء فترات الحمل.
أحد المفاجأت التي يلفت العلماء نظرنا إليها هي «الإيصالات التي تخرج من الطابعات الحرارية»، مثل ريسيت السوبر ماركت وماكينات الصرف الآلي!! فهذه الأوراق الناعمة تحمل وجها آخر شديد القسوة بل مدمر للحيوانات المنوية.
تري هل يبدو منطقيا الآن أن نطالب الحكومة، بتبني حملات توعوية تخص الخصوبة، كما تتبني حملات تنظيم الأسرة كون الاثنان وجهين لعملة واحدة وهي العمل علي توفير بيئة آمنة لنمو مواطن سليم بدنيا ونفسيا.