الإثنين 29 ابريل 2024

هل توجد صناعة نشر في مصر؟

أخرى15-10-2020 | 18:21

اقتصاديًّا، لا تنظر الأغلبية إلى الثقافة باعتبارها مصدر دخل. قديمًا ربما كانت هذه الفرضية مقبولة؛ ذلك أن معظم منتجات الثقافة في السابق كانت أشياء غير ملموسة، تتلاشى بمجرد عرضها، مثل عروض المسرح والغناء، لكن بمرور الوقت، ومع بعض نقاط التحول في المجتمعات، اختلفت المسألة، فالمُنْتَج الإبداعي - في صورته الأولية - أصبح من الإمكان حفظه ونشره في كتاب بعد اختراع المطبعة في القران الرابع عشر، أو حفظه داخل إسطوانه بدايةً من القرن التاسع عشر، أو في فيديو أو كاسيت بالنسبة للصوت والصورة، بالتالي أصبح بالإمكان استثماره وبيعه.


وسواء أكان التراث ماديًّا أم معنويًّا فإنه لم يعد بعيدًا عن مصادر الدخل القومي للدول الحديثة. أمريكا كمثال تستورد منتجات تُراثية وصناعات يدوية بـ 35 مليار دولار سنويًّا، وقُرًى بأكملها في الصين تعتمد في دخلها على الصناعات التقليدية، والحرف التراثية، والمستنسخات. 


على مستوى صناعة النشر، وفق تقريرٍ لاتحاد الناشرين الدوليين منشور عام 2012، قُدِّرَ حجم ما ينفقه القراء على الكتب بـ 114 مليار يورو، وتهيمن 6 أسواق على هذه الصناعة، مقتطعة نحو ثلثي القيمة العالمية مما ينتجه الناشرون. تتصدر الولايات المتحدة الأسواق الست، بواقع 26% من القيمة الإجمالية لصناعة النشر، تليها الصين بواقع 12%، ثم ألمانيا بنسبة تصل إلى 8%. في المرتبة الرابعة تأتي اليابان بنسبة 7%، ثم فرنسا خامسةً بنسبة 4% من حصة سوق النشر العالمية، ومن بعدها بريطانيا بنسبة 3%، وتنتزع بقية الأسواق العالمية مجتمعةً 39% من إجمالي صناعة النشر.


أما في مصر، فإن الطفرات الكبيرة التي أحدثتها ثورة يناير 2011 في الحالة الثقافية، واتساع رقعة القراءة، وصحوة الأمل في نفوس الشباب، كل ذلك فتح الباب أمام سوق النشر المصرية لتأخذ بحصة من استثمار الكتاب العالمي، لكن تلك الطفرة في المبيعات – للأسف - لم يستفد منها صانع الكتاب الأصلي، لأن هذه الطفرة في المبيعات، إلى جانب عجز الصانع عن مجاراتها، أدّى إلى ظهور ما يُعرف في علم الاقتصاد باسم "السوق الموازية"، التي تنتشر فيها الكتب غير الأصلية (المزورة)، التي تؤرقُ صناع النشر في الوطن العربي. أي إن أسباب ظهور هذه السوق لا تعود إلى المُزَوِّر بقدر ما تعود إلى صانع الكتاب نفسه، أي الناشر.


قبل عام 2005، لم يكن يتم نشر كتاب لأي مؤلف في مصر إلَّا عن طريق دوائر معروفة، سواء الانتماء إلى مراكز وزارة الثقافة الرسمية المنتشرة في العاصمة والمحافظات المختلفة، أو الانضمام لتجمعات المثقفين في منطقة وسط البلد في العاصمة القاهرة، بما يعني أن المؤلف لابُدَّ وأن يتأثر بالخلفية الثقافية لهذه الجماعات. لكن، مع سيطرة شبكات الإنترنت، أصبحنا أمام مُنْتَج أوليّ نشأ عن ثقافات متعددة ومختلفة، يصعب احتواؤها في وعاء واحد. هذه الزيادة الكبيرة - على مستوى المُنْتَج والقراء - قابلها عجز من مؤسسات النشر في مصر، على مستوى التوزيع وتوفير الكتاب في المحافظات البعيدة، أو على مستوى التسويق، وكانت النتيجة هي ظهور سوق موازية تقوم بطبع نسخ غير أصلية، لنجد في النهاية أن 90% من مكتبات جنوب مصر وشمالها – كمثال - جميع ما يُباع فيها من كتب هي غير أصلية؛ لأن السوق الموازية عملت على توفير ما عجز عنه الناشر الأصلي.


تقرير حالة القراءة في مصر، الذي أعده الدكتور زين عبد الهادي أستاذ علم المكتبات بجامعة حلوان، أشار إلى صدور 30 ألف عنوان في مصر عام 2016، طُبع من هذه العناوين 20 مليون نسخة في جميع فروع الكتابة، سواء الكتب الأدبية أو الكتب التعليمية، أي بمعدل كتاب لكل خمسة مواطنين، وهو متوسط لا تُعبر عنه نسبة المبيعات في دور النشر المصرية، وذلك معناه أن السوق الموازية التي تسيطر على معدلات البيع هي الرابح الوحيد، في ظل ضعف القوانين التي لم تتغير منذ تأسيس اتحاد الناشرين في مصر في الخمسينيات.


إزاء كل ما سبق، فإن الأمر يتطلب من صُناع النشر في مصر أن يبدأوا التخطيط لدخول عصر جديد من صناعة النشر، على مستوى التسويق والتوزيع، والضغط عن طريق النقابات والاتحادات المختصة لإصدار قوانين لضبط المسألة، وأيضًا معالجة بعض عوامل الفساد داخل دوائر النشر الرسمية في مصر. فبحسب محاضر مسجلة في مراكز الشرطة - خلال ضبط العديد من مزوري الكتب - كشفت التحقيقات أن بعض المزورين أعضاءٌ بمجالس إدارات اتحاد الناشرين في مصر، التي يُنْتَظَرُ منها - بداهةً – أن تضغط لضبط القوانين!.


وينبغي أن نضع في الاعتبار تراجع مُعَدَّلات استخدام الكتاب الورقي لصالح الكتاب الإليكتروني، فهو شكل جديد للمُنْتَج، متأثر باقتصاديات المعرفة والاستخدام المرتفع لشبكات المعلومات. وهكذا لم يعد الكتاب الورقي هو الوسيط الوحيد، إذْ ظهر إلى جانبه الكتاب الإليكتروني والكتاب الصوتي، وهو أحدث هذه الأشكال التي تُسهّل عملية القراءة، حتى لو كان المرء أُمّيًّا يجهل القراءة والكتابة، لأنه سوف يسمع الكتاب مُسَجَّلًا، ولن يقرأه مكتوبًا.


نشر المقال بالتعاون مع مجلة عالم الكتاب - عدد 44 - مايو 2020


    Dr.Randa
    Dr.Radwa