الإثنين 10 يونيو 2024

القميص الوحداني لسيدة البدايات

فن16-10-2020 | 10:46

لا أحب تسمية التغيرات الشخصية بالتمرد، ولكن في حالتنا هذه أعتمد التمرد صك دخول باب الكتابة، فقد تمردت الشاعرة "سيدة فاروق" على مؤهلها المتوسط واتجاهها الفني بالرسم إلى الكتابة ودراسة اللغة العربية حتى تخرجت في كلية دار العلوم، وذلك ليس تمردا اجتماعيا على المؤهل المتوسط إنما هو تغيير نوعي في طريقة تناول وتفكير الشاعرة وقد ظهر ذلك جليا في عناوين دواوينها والتي بدأت بـ (كراكيب) وهو بالفعل ما يحدث في تجربة الكتابة الأولى جمع الكراكيب للتخلص منها.

وأعادت الشاعرة صياغة رؤيتها في ديوانها (اسم بالقلم الرصاص) ثم الصعود بالأحلام لديوان (جناح عصفور) والتمرد على ما ينال المرأة وانعكاس ذلك في ديوان (لما قالوا دا ولد) وهذه الجملة الموروثة وما تحمله من أعباء تخلت عنها الشاعرة تماما في مواجهات اجتماعية كبيرة كرفض الزواج كمؤسسة مقيدة لذهنيتها المبدعة وللروح المنفتحة الرافضة للقيود ومن ثم الاستقلال الشخصي ، وما أراه محفزا أو صانعا للبصمة في كتاباتها والتي اختلفت تماما في ديوانها (تمرينات مؤلمة على الفرح) بما فيه من تناقض وتضاد يبرزان المعنى ويؤكدانه.

وحانت استراحة المحارب وتقييم التجربة في ديوانين هما الأهم من وجهة نظري البسيطة ديوان (ممكن تديني أجازة م الذكرى) مما يعطي انطباعا بمرحلة جديدة من التأمل وإعادة تقييم التجربة والتي تجلت في ديوان (شوية عضم في قفة) وهو الديوان الذي تختاره الشاعرة دائما باعتباره الابن الأقرب لها وأراه أنا وتد بيت العائلة الشعرية عند الشاعرة

إيه يعني

هوه إيه يعني

هو انت مت صحيح؟

ولا الواقع مات

أو يمكن نايم

أو حتى بتحلم بحاجات وعنيك مفتوحة

طب هوه انت انت بجد؟

ظل هذا هو السؤال الحقيقي الذي دأبت الشاعرة على السعي نحوه واختيار (انت بجد) كاختيار أوحد وبذلك اختارت العمل كممثلة مسرحية وفي ظني أن هذا التعبير عن النفس والحياه إنما يعتمد طريقة تعبير أكثر تماسكا، فالكتابة وسيلة أحادية أما المسرح فهو وسائل متعددة عن التعبير بالجسد والصوت والحركة والنظرة، لم يكن التمثيل المسرحي اختيارا عشوائيا بل استمرار لمسيرة التمرد على صمت هذا الجسد واستسلامه

لازم

حتما

توارب باب الروح

تقدر تخرج وتدخل

تخرج تدخل

تقدر؟

تقدر تعمل منك أشخاص تانيين؟

مالهمش علاقة بالمرة

تقدر تخرج منك خالص

خالص خالص

الارتكاز على الصوتيات والإيقاع في المقطع السابق خرج بالشاعرة من الكتابة إلى هندسة الصوت وتوظيفه فيما عرف بموسيقى الحرف. والتعامل بوعي وحرفية وإدراك للفرق بين الوزن والإيقاع.

والتمرد الأكبر جاء من شخصية الشاعرة في الإعلان عن موقفها الأيديولوجي أيضا في ديوان (شوية عضم في قفة) في حديث مباشر وتقريري عن غلاء الأسعار واجتياح غزة وفقد الأب كممثل لكل القيم كرأس للعائلة وجاء ضياع الأب في البحث عن لقمة العيش في قصيدتها البديعة (لقمة عيش).

يوماتي

أستنى استنى كتير

واقف من مدة قصاد الفرن

يجيب لنا لقمة عيش متغمسة بالمر

وفي قصيدة (إيه يعني )

فاكر لما اتهزيت مع أول صوت

من غارة وقالوا الأرض بتترج

وبيقبضوا ع الأخضر واليابس

دمعت

وجريت لولاد أختك تفهم فيهم

- الأرض زي العرض تمام يا ولاد-

ولا فاهمين

ولا انت بتسكت

وجاء ديوانها ( كأنه صيف ومر) ليتجلى فيه التأمل والمشهرية بنصوصه الشفيفة المؤلمة

وقد كرمت الشاعرة عن الأديبات في مؤتمر أدباء الأقاليم عام 2014 مما يعد تكريما لها في مشوار إبداعي طويل ومثمر من خلال عملها أيضا كمدرسة غير تقليدية بالطبع .

وجاء الفوز المستحق عن جدارة في المسابقة الرسمية للهيئة العامة لقصور الثقافة عام 2011 بالمركز الثالث تتويجا بالمحبة لشاعرة أعطت الكتابة فأعطتها كل البدايات المتجددة

انت مكبر ليه المواضيع

بقى حبة أشياء بتضيع من إيدك فاتضيع

أو تتفاجئ إنك واحد تاني

رابط نفسه في ساقية ومغمي عنيه

ويلف بكل بساطة

طب ما انت كويس اهه وبتقدر مع كل نهار

بتعيد الدوران واللف.

مع مرارة التكرار واللف والدوران منحت الشاعرة سيدة فاروق عمرها للكتابة ومنحتنا أجمل تجارب إبداعية متجددة في أدب الطفل بصعوبته المعروفة والدواوين ذات العناوين المؤثرة والواصلة في عمق الروح بالرغم عن تخلي الشاعرة عن الزخارف الإبداعية المعروفة في قصيدة العامية المصرية

انتهى اللف والدوران في عالم ملىء بسحر الكتابة لسيدة البدايات الشاعرة سيدة فاروق.

    الاكثر قراءة