الخميس 28 نوفمبر 2024

فن

"جرانة"‭ ‬يغازل‭ ‬روح‭ ‬أكتوبر‭ ‬بقصيدة ‬السيمفوني

  • 17-10-2020 | 16:22

طباعة


يعد نصر أكتوبر المجيد تتويجا لكل العرب وليس للمصريين فقط، حيث استرداد الكرامة والعزة، ورغم مرور ما يقارب النصف قرن على هذا الانتصار إلا أننا نشعر بالزهو والفخر كل عام فى هذا التوقيت، وقد استثار هذا النصر خيال المبدعين للتعبير عن هذه اللحظات التاريخية الحاسمة فى الفنون المختلفة، ولأن الموسيقى دائماً أكثر ارتباطاً بوجدان الإنسان تعبر عما يدور فى خلجاته من أفراح وأتراح فنجد كثيراً من الأغنيات والمؤلفات التى تغازل روح أكتوبر وتجسدها.


ومن ضمن هذه الأعمال قصيد سيمفونى بعنوان «6 أكتوبر» للمؤلف المصرى رفعت جرانة أحد رواد الجيل الثانى من المؤلفين.


 

ولأن القصيد السيمفونى نوع من الصيغ السيمفونية الحرة غير المرتبطة ببناء محدد، إلا أنها تتمحور حول فكرة أو موضوع بعينه يقوم المؤلف بتجسيده خلال العمل، واصفاً إياه من خلال الموسيقى، وظهرت هذه الصيغة خلال القرن التاسع عشر نتيجة للتعبيرية فى فن الموسيقى وذلك على يد المؤلف المجرى فرانز ليست، ومن بعده أصبحت هذه الصيغة واسعة الانتشار لإعجاب المؤلفين والمتلقين بها. لذا أخذ جرانة هذه الصيغة وبنى عليها عمله أثناء انفعاله بلحظات النصر بعد الحرب مباشرة، واستطاع أن يصور دقات الساعة حين تدق الثانية ظهراً عند ساعة الصفر ولحظة بدء المعركة باستخدامه الأجراس الإيقاعية التى تأثر بها من مشاهدة أفلام هيتشكوك الأمريكية، كما عبر المؤلف عن الهدوء الذى سبق بداية الحرب لخداع العدو. 


ثم التعبير عن هذا الهجوم بالأوركسترا كاملاً لإيحاء المستمع بقدر هذه الانتفاضة من كل المصريين لمحاولة استرجاع أرضنا التى اُحتلت عام 67.. واستطاع المؤلف تقديم وصف دقيق للأسلحة المختلفة للقوات المسلحة سواء الطيران أو المشاة أو البحرية من خلال تعامله مع آلات الأوركسترا المتباينة وما فيها من تنوع صوتى أفرز هذا التصوير الذى تراه بأذنيك حين تخترق مسامعك هذه الإبداعات، فكأنك تراها لحظة بلحظة خلال هذا القصيد السيمفونى، فتعيش بخيالك أجواء تاريخية مهمة من عمر الوطن.


وكان لآلات النفخ النحاسية دور كبير فى توصيف الحالة وخاصة الترومبون والترومبيت وكذلك توزيع الأدوار على آلات الأوركسترا لتيسير قصة هذا الحدث الدرامى.. أما الألحان فكانت معبرة عن جو الحرب وما به من توتر وترقب للحظة الحاسمة فى نهاية المعركة، وذلك باستخدامه عناصر التأليف الموسيقى من «هارمونى» و«كنترابينط» وظفهما باقتدار لما يتماشى مع أحاسيسه كمؤلف وجلال لحظات الحرب، وأيضاً نجد كيفية استخدامه للإيقاعات البسيطة والمركبة التى تترجم عملية العبور.


كذلك التباين فى تسليم آلات الأوركسترا لبعضها البعض، الذى أعطى للمتلقى حرية فى التفاعل مع أحداث الحرب التى جسدتها الموسيقى وانتهائها بالسلام الجمهور كختام مسك لهذا القصيد السيمفونى.


وقد تم تسجيل هذا العمل فور كتابته بأداء أوركسترا القاهرة السيمفونى وبقيادة المايسترو الراحل يوسف السيسى، وتمت إذاعتها كثيراً من خلال بث شبكات الإذاعة والتليفزيون، وأيضاً تم طبعها على أسطوانات. ومن المواقف الطريفة المرتبطة بهذا العمل الوطنى حينما سافر المؤلف إلى مدينة براج أُعجب بها موسيقى أمريكى هناك وأخذ التسجيل وسافر به إلى إسرائيل، وخلال تواجد جرانة فى إسبانيا فى إحدى الجولات التى تلت الحرب توجه إلى الكونسرفتوار وحضر إحدى المحاضرات المتعلقة بالتأليف والتوزيع وكانت المصادفة أن الأستاذ صهيونى الهوى. 


ولكن من شدة فخر المؤلف أن قص على الحاضرين فكرة عمله المتعلق بالحرب وأعطى للأستاذ نسخة من الأسطوانة، وكان رد فعل الأستاذ أن المصريين هربوا من ساحة القتال فى حرب 67 لكن جرانة بكل اعتزاز أصر على كيده متفاخراً بالنصر خلال ست ساعات فقط التى تم فيها تحطيم خط بارليف وجميع حصون العدو ، هكذا كان وسيظل شعور كل مصرى بالزهو بهذا النصر الجلل، فتحية لكل قادة أكتوبر العظماء، وتحية لكل نقطة دم لشهدائنا الأبرار.

    الاكثر قراءة