برهان شاوي، روائى عراقى، مقيم بألمانيا ويحمل الجنسية الألمانية، بحث عن الحقيقة فى الرواية بعد أن سلك طريق الشعر،وتذوق حلاوة السرد، فأذاقنا إبداعه فى رواياته، أتحفنا بلغة سلسلة وألفاظ رشيقة وكلمات رنانة وكأنه يأخذ بيد القارئ ليغرقه معه في التيه بمتاهاته التسع ليجد القارئ نفسه معه يتلمس المجهول فى بحار الجنس الصريح ممزوجا بالتصوف ليميز الحلو من المر بعد الانتهاء من رحلة قراءة مهلكة، لن يقوى على قراءته الكثيرون ولن يمتلك مفتاح الحكاية أي عابر سبيل في دنيا الأدب، الرجل له عالم خاص يرتاده من طرح من عقله وقلبه الموروث وخرج يبحث عن جوابات لأسئلة ولدت لدينا جميعا لكنا لا نجرؤ على لمسها.
برهان شاوي شاعر وروائي، سينمائي ومترجم وأكاديمي مقيم في ألمانيا منذ 1986 درس السينما في موسكو، والإعلام في ألمانيا، ثم التاريخ والعلوم السياسية في جامعة موسكو الدولية لعلوم الاجتماع في روسيا، بدأ النشر في الصحافة العراقية والعربية منذ العام 1973، قبل أن يغادر العراق فى 1978 إلى سوريا ومنها إلى لبنان، حيث عمل هناك في الصحافة، ومن هنا بدأت فكرة المغادرة إلى موسكو لدراسة السينما حتى استقر به المقام في ألمانيا.
وما بين 1997و2003 عمل في الصحافة الإماراتية كما كان أستاذا زائرا للإعلام في جامعة أبوظبي وله 36 كتابًا، تأليفاً وترجمة من بين الشعر والدراسات الأكاديمية إضافة إلى الرواية منها «مشرحة بغداد» «استراحة مفستو» إلى جانب ملحمته الروائية الأشهر «المتاهات» والتي جاءت في سلسلة روايات هي «متاهة آدم» و«متاهة حواء» و«متاهة قابيل» و«متاهة الأشباح» و«متاهة إبليس» و«متاهة الأرواح المنسية» و«متاهة العميان» و«متاهة الأنبياء»
متاهة آدم، متاهة حواء ،متاهة قابيل، وغيرها من المتاهات التي لم يمهلنا الروائي وقتا حتى نتلمس طريقا للعودة، فمن يبدأ معه لا بد وأن يلتحم معه في معضلته الفكرية.
عمل الدكتور برهان على خلق معنى وبُعد جديد للرواية الحديثة ، لم تعد الرواية مجرد تأنق أدبي وجمالي فقط كما اعتدنا، أو فكرًا متجددًا برؤية منطقية تراعي الأصول، بل تعداها فكريا وتخطى بها مراجل دينية وتقاليد موروثة وعمل على كسر تابوهات تعودنا على السير بجانبها وليس الخوض فيها.
يطرح الدكتور برهان فكرته الفلسفية مغطاة بلغة سردية متميزة بالجرأة التى يراها البعض إباحية ، يجعلنا نقف لنتساءل هل يجوز شرعا وعرفا أن نتخطى المسموح والمحرم لنصل بأفكارنا للآخر وإذا كان الكثير من الآخر يرفض ما يكتبه الروائي؟
إذا كنا ننتقد في الروائي المصري الكبير إحسان عبد القدوس تقديسه لجسد المرأة في رواياته وكتابته الجريئة التي جردتها من ملابسها في بئر الحرمان وووو، فماذا نفعل مع برهان الذي جردها وأتم الفعل معها وبلغة سردية واضحة قد نمتعض ونرفض ولكن لن نترك الرواية بل نكمل القراءة بشغف السؤال لماذا ؟
لم يقحم برهان اللفظ بل استخدمه في زمانه ومكانه قد نراها عيبًا أو حرامًا ولكن هل نحكم على الأدب بالعيب؟
المتاهات كما أعلن الشاعر والروائي برهان شاوي تمتد كمشروع روائي إلى تسع متاهات تمثل عنده وتتقابل في جحيم دانتي المتمثل في ذات الطبقات.
رسم برهان شاوى شخصياته بريشة فنان وجعل منها شخوصا مبتكرة ليجسدها فى 200 فرد ليكونوا عائلة متاهاته يتحدثون ويتحاورون يثبتون أنفسهم يطوفون ويحضرون ويتداخلون فتذوب الفروق وتتلاشى الفواصل فى المتاهات.
برهان شاوى يعرض شخوصه التى صورها وكأنه يعرض بضاعة من صنع يديه، المتورط فيها القارئ فى حل لغز المتاهات وكأنه يقدم له المعرفة فى جمل سردية ممتعة، فيجد القارئ نفسه غارقًا فى دنيا الجنس يصطدم بأجساد العرايا بين السطور والألفاظ الصريحة القاسية وإن كنا نعرف أنها ممكنة الحدوث بل تحدث؛ يغوص برهان بلا مراعاة لأى شيء فى الكتابة ليصدم القارئ بالواقع يخلق الصراع بين الشخصيات دون تدخل أخلاقى،
فالجنس فى عالمه تيمة مقصودة، ففى سلسلة المتاهات نشعر أن كل هذه الأجزاء في تلك الملحمة الروائية وكأنها توثق لتاريخ من التحولات العراقية.
ألم تفرط فى استقصاء العورات، وفى اللغة غير المحتشمة، كأن مهمة السرد أن يكتب الواقع كما يحدث، فى بث مباشر للرغبات غير الملتزمة بمنطق؟
أنا أعتقد أن أى محاولة لستر هذا الأمر مجرد غطاء، لأن ما يحدث هو هذا، أنا لم أكتب سوى الحقيقة، لإيمانى بأن الجنس مفتاح لفهم الشخصيات..هو الدينامو المحرك للبشر، الإنسان جبل ثلج قمته الظاهرة وعيه وأعرافه الاجتماعية، بينما قاعدته اللاوعى المؤثر، والعصب الأساسى فى هذه القاعدة الجنس، أما الحشمة فهى مفهوم أخلاقى، وأنا لا أخلاق لدى فى الكتابة، عندما أكتب أذهب مع الشخصية إلى أبعد نقطة، وشخصياتى ليست سوية، أحياناً لا أكون راضياً عن لغتها، لكننى أكتب الكلمات كما ننطقها فى الواقع، لأنه لا يوجد لها بديل، ولا أريد للغتى أن تكون محجبة،هذا هو برهان وعالمه.
«المتاهات» بسلسلتها تنطلق من العراق ولا تتوقف عنده وأنما تتخذ من بعض البلدان العربية مسرحًا وكأنها تناقش الربيع العربى ثم يطير بنا إلى إيطاليا وألمانيا وفرنسا ولندن ، لذا فالمتاهات تحمل أوجاع الإنسان مهما كان موطنه، بل إنها تحاول أن تكون مرآة إنسانية إذ فيها أكثر من 85 أنثى متمثلة فى حواء و135 رجلا يكمن فى آدم.. أما من الناحية الفنية الرواية تتماهى في بنائها المعماري السردي وكأنه يتعامل مع الحنين ويغوص فى الذاكرة فتظهر أبطال طفولته.
يواصل الروائي العراقي برهان الشاوي تصوير «الضياع العراقي» في روايته «متاهة إبليس»، الصادرة عن «الدار العربية للعلوم - ناشرون»، ويستحضر أبطال رواية سابقة له، للاستمرار في نسج خيال الوجع العراقي. قدم الشاوي، رباعيته «المتاهية» (متاهة آدم، متاهة حواء، متاهة قابيل، متاهة الأشباح) وفي هذه الجولات العراقية كان السرد يلاحق تفاصيل الهروب العراقي إلى هاوية العنف. ومن «متاهة قابيل»، اصطحب الشاوي الشخصيتين الرئيسيتين؛ «حواء ذو النورين»، و«حواء الكرخي»، إلى المتاهة الجديدة مع «إبليس» حيث يفرّان من العراق نحو سوريا.
يعتبر آدم هو الشخصية المحورية فى دنيا برهان السردية « آدم البغدادي» هو السارد الأول في متاهتي الأولى «متاهة آدم»، هو الكاتب الأول الذي يكتب رواية «متاهة آدم ـ السقوط إلى الأعلى» عن الكاتب آدم التائه وزوجته حواء المؤمنة، الذي بدوره يكتب رواية بعنوان «متاهة آدم ـ المرأة المجهولة» عن الكاتب المهندس آدم المطرود وحبيبته حواء الصايغ، لكن الكاتب الأول «آدم البغدادي» يُقتل في نهاية متاهتي الأولى «متاهة آدم» إلا أنه يبقى حاضراً من خلال مخطوطاته التي ينقذها صديقه آدم المحروم، لذا تتناسل الروايات لاحقا استناداً لمخطوطات الكاتب القتيل «آدم البغدادي» وبدقة أكبر فإنه غير مجود كسارد بعد «متاهة آدم» إلا برمزيته وحضوره من خلال المخطوطات التي أنقذها صديقه، إلى أن نجد له حضوراً فعليا بعد أن تتمرد عليه إحدى شخصياته وهو الكاتب آدم التائه الذي كان بطلاً في «متاهة آدم» ليكتب هو بدوره رواية بطلها «آدم البغدادي» وذلك في متاهتي الرابعة «متاهة الأشباح». في متاهاتي هناك 122 آدم و77 حواء فأنا لا أركز على شخص بعينه.
يعتمد الروائي على تقنية الماتريوشكا الروسية والصندوق الصيني حيث تتداخل الروايات ليس على طريقة ألف ليلة وليلة حيث تروي شهرزاد رواياتها المتداخلة وإنما تتداخل الروايات لتعيد نفسها في زمان ومكان مختلفين بشخصيات جديدة لكنها تحما الأسماء نفسها وإن اختلف الزمان والمكان.
إنها محاولة لإعادة تشكيل وقائع الحياة القاسية والفجة بشكل جمالي واقتناص لحظات الاختلاف بين الحياة الواقعية وبين إعادة تشكيلها وكتابتها أدبيا لكن السؤال يطرح نفسه : إلى أي حد تتحول الحياتية إلى تجربة إبداعية ؟ وأين تكمن حقيقة الأشياء والأحداث ؟
فتجد "رواية عن عراق التسعينيات وعراق ما بعد زلزال 2003 رواية عن العنف السياسي المرعب والمنفلت والأعمى وعن انقلاب الرغبات الجامحة والغامضة والصادمة في أعماق النفس البشرية وعن الأقدار المأساوية".
ببساطة حين تنتهي من المتاهات ستغلق الكتاب وتفتح أمامك ألف ألف سؤال وأحيانا تخذلنا الإجابات وتمتنع إنه الإنسان بغموضه وتقلباته برغباته ونوازعه، بحبه وكراهيته، بطموحه وسقوطه ،الإنسان ابن الفضيلة والرذيلة معا لن يقبل أن يقسم ومن يرى نفسه ملاكا وقادرا على خداع ذاته فليتوقف ولا يقرأ.